آيات من القرآن الكريم

فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ
ﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ

قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ﴾ ؛ أي فَبرَحْمَةٍ عظيمةٍ مِن الله لِنْتَ لَهم حتى صار لِيْنُكَ لَهُمْ سَبَباً لِدخولِهم في الدِّينِ ؛ لأنه ﷺ أتاهُم بالحُجَجِ والبَرَاهِيْنِ مع لِيْنٍ وخُلُقٍ عظيمٍ، ولِهذا قالَ ﷺ :" إنَّمَا أنَا لَكُمْ مِثْلَ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ "
و (مَا) في قولهِ زائدةٌ لا يَمْنَعُ الباءُ من عملِها، مثلَ قولِهِم﴿ فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ ﴾[النساء : ١٥٥] قال بعضُهم : يُحتمل أن تكونَ (مَا) استفهاميةٌ للتعجُّب ؛ تقديرهُ : فَبمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ سَهُلَتْ لَهُمْ أخْلاَقُكَ وكثرَةُ احتمالِكَ ؛ فلم تَغْضَبْ عليهم فيما كان منهم يومَ أحُدٍ.
قولهُ :﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ﴾ ؛ أي لو كنتَ يا مُحَمَّدُ خَشِناً في القولِ سَيِّءَ الْخُلُقِ قَاسِيَ القلب لتفرَّقُوا من حولِكَ، فلم تَرَ منهُم أحداً، ولكنَّ اللهَ جعلَكَ سَمحاً سَهْلاً طَلْقاً لَطِيْفاً لَيِّناً بَرّاً رَحِيْماً.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ ﴾ ؛ أي فَاعْفُ عَنْهُمْ مَا أتَوْهُ يومَ أحُدٍ ؛ وتَجَاوَزْ عنهُم الجريْمةَ التي تكونُ بينَكَ وبينَهم، وكانوا عَصَوِا النَّبيَّ ﷺ في تركِ المركزِ، وتركِ الآية لِدَعْوَتِهِ :[ارْجِعُوا ارْجِعُوا]، فَنَدَبَ اللهُ النبيَّ ﷺ إلى العَفْوِ عنهُم. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ ﴾ أي في الذنب الذي يكونُ منهم حتى أُشَفِّعَكَ فيهِم.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ﴾ ؛ أي إذا أردتَ أن تعملَ عملاً مِمَّا لم يكن عندكَ فيه وحيٌ فَشَاورْهُمْ فيهِ، وَاعْمَلُ أبداً بتدبيرِهم ومشورتِهم، وكانَ ﷺ مُسْتَغْنِياً عن مشورتِهم، فإنَّهُ كان أرشدَهم وأكملَهم رأياً، لكنَّ الله إنَّما أمرهُ بالْمُشَاوَرَةِ لِتَقْتَدِيَ بهِ الأُمَّةُ، وليكونَ فيه تطييبٌ لنفوسِ المؤمنينَ، ورفعٌ لأقدارهم وثناءٌ عليهم. قال مقاتلُ وقتادة :(كَانَتْ سَادَاتُ الْعَرَبِ إذا لَمْ يُشَاوَرُواْ فِي الأَمْرِ شُقَّ عَلَيْهِمْ، فَأُمِرَ النَّبيُّ ﷺ بمُشَاوَرَتِهِمْ فِي الأَمْرِ ؛ فَإنَّهُ أطْيَبُ لأَنْفُسِهِمْ، وَإذا شاوَرُاْ عَرَفُواْ إكْرَامَهُ لَهُمْ).
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ﴾ ؛ أي أعْزَمْتَ على شيءٍ فَثِقْ باللهِ، وفَوِّضْ إليه ولا تَتَّكِلْ على مشورتِهم، ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ ؛ عَلَى اللهِ.
واختلفَ العلماءُ في معنى التَّوَكُّلِ، فقال سهلُ بن عبدِالله :(أوَّلُ مَقَامِ التَّوَكُّلِ : أنْ يَكُونَ الْعَبْدُ بَيْنَ يَدَي اللهِ كَالْمَيِّتِ بَيْنَ يَدَي الْغَاسِلِ، يُقَلِّبُهُ كَيْفَ يَشَاءُ، وَالرَّجَاءُ لاَ يَكُونَ لَهُ حَرَكَةٌ وَلاَ تَدْبيرٌ، وَالْمُتَوَكِّلُ لاَ يَسْأَلُ وَلاَ يَرُدُّ وَلاَ يَحْبسُ). وقال إبراهيمُ الخوَّاص :(التَّوَكُّلُ إسْقَاطُ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ مِمَّا سِوَى اللهِ).
قال بعضُهم : المتوكِّلُ الذي إذا أعْطِيَ شَكَرَ، وإذا مُنِعَ صَبَرَ، وَأن يكونَ العطاءُ والمنعُ عندَه سواءٌ، والمنعُ مع الشُّكْرِ أحبُّ إليه لِعِلْمِهِ باختيار اللهِ ذلكَ. وقال ذُو النُّونُ :(التَّوَكُّلُ إنْقِطَاعُ الْمَطَامِعِ مِمَّا سِوَى اللهِ)، وقالَ :(هُوَ مَعْرِفَةُ مُعْطِي أرْزَاقِ الْخَلاَئِقِ، وَلاَ يَصُحُّ لأَحَدٍ حَتَّى تَكُونَ السَّمَاءُ عِنْدَهُ كَالصِّفْرِ ؛ وَالأَرْضُ كَالْحَدِيْدِ ؛ لاَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ مَطَرٌ ؛ وَلاَ يَخْرُجُ مِنَ الأَرْضِ نَبَاتٌ، وَيَعْلَمُ أنَّ اللهَ لاَ يَنْسَى لَهُ مَا ضَمِنَ مِنْ رزْقِهِ بَيْنَ هَذيْنِ).

صفحة رقم 406
كشف التنزيل في تحقيق المباحث والتأويل
عرض الكتاب
المؤلف
أبو بكر الحداد اليمني
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية