
قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا. قال ابن عباس: نزلت في قول ابن أبي للمسلمين لما رجعوا من أحد: لو كان نبياً ما أصابه الذي أصابه «١».
وفي الذين كفروا هاهنا ثلاثة أقوال: أحدها: أنهم المنافقون، على قول ابن عباس، ومقاتل.
والثاني: أنهم اليهود والنصارى، قاله ابن جريج. والثالث: أنهم عبدة الأوثان، قاله السدي. قالوا:
وكانوا قد أمروا المسلمين بالرجوع عن دينهم. ومعنى يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ: يصرفوكم إلى الشّرك. فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ بالعقوبة.
[سورة آل عمران (٣) : آية ١٥٠]
بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (١٥٠)
قوله تعالى: بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ أي: وليكم ينصركم عليهم، فاستغنوا عن موالاة الكفّار.
[سورة آل عمران (٣) : آية ١٥١]
سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (١٥١)
قوله تعالى: سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ.
(٢٢٠) قال السدي: لما ارتحل المشركون يوم أُحد نحو مكة ندموا في بعض الطريق، وقالوا:
قتلتموهم حتى إذا لم يبق إلا الشرذمة، تركتموهم؟! ارجعوا فاستأصلوهم، فقذف الله في قلوبهم الرعب، ونزلت هذه الآية.
والإلقاء: القذف. والرعب: الخوف. قرأ ابن كثير، ونافع وعاصم، وأبو عمرو، وحمزة «الرعب» ساكنة العين خفيفة، وقرأ ابن عامر، والكسائي، ويعقوب، وأبو جعفر، مضمومة العين، مثقله، أين وقعت. والسلطان هاهنا: الحجة في قول الجماعة. والمأوى: المكان الذي يؤوى إليه.
والمثوى: المقام، والثوى: الإقامة. قال ابن عباس: والظّالمون هاهنا: الكافرون.
[سورة آل عمران (٣) : آية ١٥٢]
وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (١٥٢)
قوله تعالى: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ.
(٢٢١) قال محمد بن كعب القرظي: لما رجع النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه من أُحد، قال قومٌ منهم: من أين أصابنا هذا، وقد وعدنا الله النصر؟! فنزلت هذه الآية. وقال المفسرون: وعد الله تعالى المؤمنين
واه بمرة. ذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٢٥٤ عن محمد بن كعب القرظي مرسلا وبدون سند، فهو لا شيء. وانظر «تفسير القرطبي» ١٨٥٧.
__________
(١) لم أقف عليه، وهو لا شيء لخلوه عن الإسناد.

النصر بأحد، فنصرهم فلما خالفوا، وطلبوا الغنيمة، هُزِموا.
(٢٢٢) وقال ابن عباس: ما نُصر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في موطن ما نُصر في أُحد، فأنكر ذلك عليه، فقال: بيني وبينكم كتاب الله، إن الله يقول: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ. فأما الحسُّ، فهو القتل، قاله ابن عباس، والحسن، ومجاهد، والسدي، والجماعة. وقال ابن قتيبة:
تحسونهم، أي تستأصلونهم بالقتل، يقال: سَنَةٌ حسوس: إذا أتت على كل شيء، وجراد محسوس: إذا قتله البرد.
وفي قوله تعالى: بِإِذْنِهِ ثلاثة أقوال: أحدها: بأمره، قاله ابن عباس. والثاني: بعلمه، قاله الزجاج. والثالث: بقضائه، قاله أبو سليمان الدمشقي.
قوله تعالى: حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ قال الزجاج: أي: جبنتم وَتَنازَعْتُمْ أي: اختلفتم مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ يعني: النصرة. وقال الفراء: فيه تقديم وتأخير، معناه: حتى إذا تنازعتم في الأمر، فشلتم وعصيتم، وهذه الواو زائدة، كقوله تعالى: فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (١٠٣) وَنادَيْناهُ «١» معناه:
ناديناه.
(٢٢٣) فأما تنازعهم، فإن بعض الرماة قال: قد إنهزم المشركون، فما يمنعنا من الغنيمة؟ وقال بعضهم: بل نثبت مكاننا كما أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فترك المركز بعضهم، وطلب الغنيمة، وتركوا مكانهم، فذلك عصيانهم، وكان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد أوصاهم: «لو رأيتم الطير تخطفنا فلا تبرحوا من مكانكم».
قوله تعالى: مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا قال المفسرون: هم الذين طلبوا الغنيمة، وتركوا مكانهم وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وهم الذين ثبتوا. وقال ابن مسعود: ما كنت أظنّ أحدا من
هو بعض الحديث المتقدم عن ابن عباس.
- وله شاهد صحيح: أخرجه البخاري ٣٠٣٩ و ٤٠٤٣ وأبو داود ٢٦٦٢ والنسائي في «الكبرى» ١١٠٧٩ والطيالسي ٧٢٥ وأحمد ٤/ ٢٩٣ وابن سعد في «الطبقات» ٢/ ٤٧ وابن حبان ٤٧٣٨ والبيهقي في «الدلائل» ٣/ ٢٢٩- ٢٣٠ من طرق عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: «جعل النبي على الرّجالة يوم أحد- وكانوا خمسين رجلا- عبد الله بن جبير فقال: «إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا هزمنا القوم وأوطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم». فهزموهم. قال: فأنا والله رأيت النساء يشددن، قد بدت خلاخلهن وأسوقهن رافعات ثيابهن. فقال أصحاب عبد الله بن جبير: الغنيمة أي قوم الغنيمة، ظهر أصحابكم فما تنتظرون؟ فقال عبد الله بن جبير: أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالوا: والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة، فلما أتوهم صرفت وجوههم، فأقبلوا منهزمين فذاك إذ يدعوهم الرسول في أخراهم، فلم يبق مع النبي صلّى الله عليه وسلّم غير اثني عشر رجلا، فأصابوا منا سبعين، وكان أصحابه أصابوا من المشركين يوم بدر أربعين ومائة وسبعين أسيرا وسبعين قتيلا.....». واللفظ للبخاري.
__________
(١) سورة الصافات: ١٠٣- ١٠٤.