
أخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عُرْوَة قَالَ: كَانَ الله وعدهم على الصَّبْر وَالتَّقوى أَن يمدهُمْ بِخَمْسَة آلَاف من الْمَلَائِكَة مسوّمين وَكَانَ قد فعل فَلَمَّا عصوا أَمر الرَّسُول وَتركُوا مَصَافهمْ وَتركت الرُّمَاة عهد الرَّسُول إِلَيْهِم أَن لَا يبرحوا مَنَازِلهمْ وَأَرَادُوا الدُّنْيَا رفع عَنْهُم مدد الْمَلَائِكَة وَأنزل الله ﴿وَلَقَد صدقكُم الله وعده إِذْ تحسونهم بِإِذْنِهِ﴾ فَصدق الله وعده وأراهم الْفَتْح فَلَمَّا عصوا أعقبهم الْبلَاء
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله ﴿وَلَقَد صدقكُم الله وعده﴾ الْآيَة
قَالَ إِن أَبَا سُفْيَان أقبل فِي ثَلَاث لَيَال خلون من شَوَّال حَتَّى نزل أحدا وَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأذن فِي النَّاس فَاجْتمعُوا وَأمر على الْخَيل الزبير بن العوّام وَمَعَهُ يَوْمئِذٍ الْمِقْدَاد بن الْأسود الْكِنْدِيّ وَأعْطى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللِّوَاء رجلا من قُرَيْش يُقَال لَهُ مُصعب بن عُمَيْر وَخرج حَمْزَة بن عبد الْمطلب بالجيش وَبعث حَمْزَة بَين يَدَيْهِ وَأَقْبل خَالِد بن الْوَلِيد على خيل الْمُشْركين وَمَعَهُ عِكْرِمَة بن أبي جهل فَبعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الزبير وَقَالَ: اسْتقْبل خَالِد بن الْوَلِيد

فَكُن بإزائه حَتَّى أوذنك وَأمر بخيل أُخْرَى فَكَانُوا من جَانب آخر فَقَالَ: لَا تَبْرَحُوا حَتَّى أوذنكم وَأَقْبل أَبُو سُفْيَان يحمل اللات والعزى فَأرْسل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الزبير أَن يحمل فَحمل على خَالِد بن الْوَلِيد فَهَزَمَهُ وَمن مَعَه فَقَالَ ﴿وَلَقَد صدقكُم الله وعده إِذْ تحسونهم بِإِذْنِهِ﴾
وَأَن الله وعدالمؤمنين أَن ينصرهم وَأَنه مَعَهم وَأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث بَعْضًا من النَّاس فَكَانُوا من ورائهم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كونُوا هَهُنَا فَردُّوا وَجه من نَدَّ مِنَّّا وَكُونُوا حرساً لنا من قبل ظُهُورنَا
وَأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما هزم الْقَوْم هُوَ وَأَصْحَابه الَّذين كَانُوا جعلُوا من ورائهم فَقَالَ بَعضهم لبَعض لما رَأَوْا النِّسَاء مصعدات فِي الْجَبَل وَرَأَوا الْغَنَائِم: انْطَلقُوا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأدركوا الْغَنِيمَة قبل أَن تستبقوا إِلَيْهَا وَقَالَت طَائِفَة أُخْرَى: بل نطيع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فنثبت مَكَاننَا
فَذَلِك قَوْله ﴿مِنْكُم من يُرِيد الدُّنْيَا﴾ للَّذين أَرَادوا الْغَنِيمَة ﴿ومنكم من يُرِيد الْآخِرَة﴾ للَّذين قَالُوا: نطيع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنثْبت مَكَاننَا
فاتوا مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَانَ فشلاً حِين تنازعوا بَينهم يَقُول ﴿وعصيتم من بعد مَا أَرَاكُم مَا تحبون﴾ كَانُوا قد رَأَوْا الْفَتْح وَالْغنيمَة
وَأخرج أَحْمد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ مَا نصر الله نبيه فِي موطن كَمَا نصر يَوْم أحد فانكروا
فَقَالَ ابْن عَبَّاس: بيني وَبَين من أنكر ذَلِك كتاب الله إِن الله يَقُول فِي يَوْم أحد ﴿وَلَقَد صدقكُم الله وعده إِذْ تحسونهم بِإِذْنِهِ﴾ يَقُول ابْن عَبَّاس: والْحس: الْقَتْل
﴿حَتَّى إِذا فشلتم﴾ إِلَى قَوْله ﴿وَلَقَد عَفا عَنْكُم وَالله ذُو فضل على الْمُؤمنِينَ﴾ وَإِنَّمَا عَنى هَذَا الرُّمَاة وَذَلِكَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أقامهم فِي مَوضِع ثمَّ قَالَ: احموا ظُهُورنَا فَإِن رَأَيْتُمُونَا نقْتل فَلَا تنصرونا وَإِن رَأَيْتُمُونَا قد غنمنا فَلَا تشركونا
فَلَمَّا غنم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأباحوا عَسْكَر الْمُشْركين انكفأت الرُّمَاة جَمِيعًا فَدَخَلُوا فِي الْعَسْكَر ينتهبون والتفت صُفُوف الْمُسلمين فهم هَكَذَا - وَشَبك بَين يَدَيْهِ - والتبسوا فَلَمَّا أخل الرُّمَاة تِلْكَ الْخلَّة الَّتِي كَانُوا فِيهَا دخل الْخَيل من ذَلِك الْموضع على الصَّحَابَة فَضرب بَعضهم بَعْضًا والتبسوا وَقتل من الْمُسلمين نَاس كثير وَقد كَانَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه أول النَّهَار حَتَّى قتل من أَصْحَاب لِوَاء الْمُشْركين سَبْعَة أَو تِسْعَة وجال

الْمُسلمُونَ جَوْلَة نَحْو الْجَبَل وَلم يبلغُوا حَيْثُ يَقُول النَّاس: الغاب
إِنَّمَا كَانُوا تَحت المهراس وَصَاح الشَّيْطَان قتل مُحَمَّد فَلم يشك فِيهِ أَنه حق
فَمَا زلنا كَذَلِك مَا نشك أَنه قتل حَتَّى طلع بَين السعدين نعرفه بتكفؤه إِذا مَشى ففرحنا حَتَّى كَأَنَّهُ لم يصبنا مَا أَصَابَنَا فَرَقِيَ نحونا وَهُوَ يَقُول: اشْتَدَّ غضب الله على قوم دموا وَجه نَبِيّهم وَيَقُول مرّة أُخْرَى: اللَّهُمَّ إِنَّه لَيْسَ لَهُم أَن يعلونا حَتَّى انْتهى إِلَيْنَا فَمَكثَ سَاعَة فَإِذا أَبُو سُفْيَان يَصِيح فِي أَسْفَل الْجَبَل: أعل هُبل أعل هُبل
أَيْن ابْن أبي كَبْشَة أَيْن ابْن أبي قُحَافَة أَيْن ابْن الْخطاب فَقَالَ عمر: أَلا أجيبة يَا رَسُول الله قل: بلَى
فَلَمَّا قَالَ: أعل هُبل
قَالَ عمر: الله أَعلَى وَأجل
فَعَاد فَقَالَ: أَيْن ابْن أبي كَبْشَة أَيْن ابْن أبي قُحَافَة فَقَالَ عمر: هَذَا رَسُول الله وَهَذَا أَبُو بكر وَهَا أَنا عمر
فَقَالَ: يَوْم بِيَوْم بدر الْأَيَّام دوَل وَالْحَرب سِجَال فَقَالَ عمر: لَا سَوَاء
قَتْلَانَا فِي الْجنَّة وَقَتلَاكُمْ فِي النَّار قَالَ: إِنَّكُم لَتَزْعُمُونَ ذَلِك لقد خبْنا إِذن وَخَسِرْنَا
ثمَّ أَدْرَكته حمية الْجَاهِلِيَّة فَقَالَ: أما انه كَانَ ذَلِك وَلم نكرهه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود قَالَ إِن النِّسَاء كن يَوْم أحد خلف الْمُسلمين يجهزن على جرحى الْمُشْركين فَلَو حَلَفت يَوْمئِذٍ رَجَوْت أَن أبرَّ أَنه لَيْسَ أحد منا يُرِيد الدُّنْيَا حَتَّى أنزل الله ﴿مِنْكُم من يُرِيد الدُّنْيَا ومنكم من يُرِيد الْآخِرَة﴾ فَلَمَّا خَالف أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعصوا مَا أمروا بِهِ أفرد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي تِسْعَة
سَبْعَة من الْأَنْصَار وَرجلَيْنِ من قُرَيْش
وَهُوَ عَاشر فَلَمَّا رهقوه قَالَ: رحم الله رجلا ردهم عَنَّا فَقَامَ رجل من الْأَنْصَار فقاتل سَاعَة حَتَّى قتل فَلَمَّا رهقوه أَيْضا قَالَ: رحم الله رجلا ردهم عَنَّا فَلم يزل يَقُول ذَا حَتَّى قتل السَّبْعَة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لصاحبيه: مَا أنصفنا أَصْحَابنَا
فجَاء أبوسفيان فَقَالَ: أعل هُبل فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قُولُوا الله أَعلَى وَأجل
فَقَالُوا: الله أَعلَى وَأجل
فَقَالَ أَبُو سُفْيَان: لنا الْعُزَّى وَلَا عُزّى لكم
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قُولُوا اللَّهُمَّ مَوْلَانَا والكافرون لَا مولى لَهُم
ثمَّ قَالَ أَبُو سُفْيَان: يَوْم بِيَوْم بدر يَوْم لنا وَيَوْم علينا وَيَوْم نسَاء وَيَوْم نسر حَنْظَلَة بحنظلة وَفُلَان بفلان
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا سَوَاء
أما قَتْلَانَا فأحياء يرْزقُونَ وَقَتلَاكُمْ فِي النَّار يُعَذبُونَ
قَالَ أَبُو سُفْيَان: قد كَانَ فِي الْقَوْم مثلَة وَإِن كَانَت على غير تَوْجِيه منا مَا

أمرت وَلَا نهيت وَلَا أَحْبَبْت وَلَا كرهت وَلَا سَاءَنِي وَلَا سرني
قَالَ: فنظروا فَإِذا حَمْزَة قد بقر بَطْنه وَأخذت هِنْد كبده فلاكتها فَلم تستطع أَن تأكلها
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أكلت شَيْئا قَالُوا: لَا
قَالَ: مَا كَانَ الله ليدْخل شَيْئا من حَمْزَة النَّار
فَوضع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَمْزَة فصلى عَلَيْهِ وَجِيء بِرَجُل من الْأَنْصَار فَوضع إِلَى جنبه فصلى عَلَيْهِ فَرفع الْأنْصَارِيّ وَترك حَمْزَة ثمَّ جِيءَ بآخر فَوَضعه إِلَى جنب حَمْزَة فصلى عَلَيْهِ ثمَّ رفع وَترك حَمْزَة حَتَّى صلى عَلَيْهِ يَوْمئِذٍ سَبْعُونَ صَلَاة
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن الْبَراء بن عَازِب قَالَ جعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الرُّمَاة يَوْم أحد - وَكَانُوا خمسين رجلا - عبد الله بن جُبَير ووضعهم موضعا وَقَالَ: ان رَأَيْتُمُونَا تخطفنا الطير فَلَا تَبْرَحُوا حَتَّى أرسل إِلَيْكُم فهزموهم قَالَ: فَأَنا - وَالله - رَأَيْت النِّسَاء يشتددن على الْجَبَل وَقد بَدَت أسوقهن وخلاخلهن رافعات ثيابهن
فَقَالَ أَصْحَاب عبد الله: الْغَنِيمَة أَي قوم الْغَنِيمَة
ظهر أصحابكم فَمَا تنتظرون قَالَ عبد الله بن جُبَير: أفنسيتم مَا قَالَ لكم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: إِنَّا وَالله لَنَاْتِيَنَّ النَّاس فَلْنصِيبَنَّ من الْغَنِيمَة
فَلَمَّا أتوهم صرفت وُجُوههم فاقبلوا منهزمين فَذَلِك الَّذِي يَدعُوهُم الرَّسُول فِي أخراهم فَلم يبْق مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غير اثْنَي عشر رجلا
فَأَصَابُوا منا سبعين وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه أصَاب من الْمُشْركين يَوْم بدر أَرْبَعِينَ وَمِائَة
سبعين أَسِيرًا وَسبعين قَتِيلا
قَالَ أَبُو سُفْيَان: أَفِي الْقَوْم مُحَمَّد ثَلَاثًا فنهاهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُجِيبُوهُ ثمَّ قَالَ: أَفِي الْقَوْم ابْن أبي قُحَافَة مرَّتَيْنِ أَفِي الْقَوْم ابْن الْخطاب مرَّتَيْنِ ثمَّ أقبل على أَصْحَابه فَقَالَ: أما هَؤُلَاءِ فقد قتلوا وَقد كفيتموهم
فَمَا ملك عمر نَفسه أَن قَالَ: كذبت - وَالله - يَا عَدو الله إِن الَّذين عددت أَحيَاء كلهم وَقد بَقِي لَك مَا يسوءك
قَالَ: يَوْم بِيَوْم بدر وَالْحَرب سِجَال إِنَّكُم سَتَجِدُونَ فِي الْقَوْم مثلَة لم آمُر بهَا وَلم تسؤني
ثمَّ أَخذ يرتجز: أعل هُبل فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَلا تجيبونه قَالُوا: يَا رَسُول الله مَا نقُول قَالَ قُولُوا: الله أَعلَى وَأجل
قَالَ: إِن لنا الْعُزَّى وَلَا عزى لكم
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَلا تجيبونه قَالُوا: يَا رَسُول الله وَمَا نقُول قَالَ: قُولُوا: الله مَوْلَانَا وَلَا مولى لكم

وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن جَابر قَالَ انهزم النَّاس عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم أحد وَبَقِي مَعَه أحد عشر رجلا من الْأَنْصَار وَطَلْحَة بن عبيد الله وَهُوَ يصعد فِي الْجَبَل فلحقهم الْمُشْركُونَ فَقَالَ: الا أحد لهَؤُلَاء فَقَالَ طَلْحَة: أَنا يَا رَسُول الله فَقَالَ: كَمَا أَنْت يَا طَلْحَة فَقَالَ رجل من الْأَنْصَار: فَأَنا يَا رَسُول الله فقاتل عَنهُ وَصعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن بَقِي مَعَه ثمَّ قتل الْأنْصَارِيّ فلحقوه فَقَالَ: أَلا رجل لهَؤُلَاء فَقَالَ طَلْحَة مثل قَوْله فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل قَوْله فَقَالَ رجل من الْأَنْصَار: فَأَنا يَا رَسُول الله وَأَصْحَابه يصعدون ثمَّ قتل
فلحقوه فَلم يزل يَقُول مثل قَوْله الأول وَيَقُول طَلْحَة أَنا يَا رَسُول الله فيحبسه فيستأذنه رجل من الْأَنْصَار لِلْقِتَالِ فَيَأْذَن لَهُ فَيُقَاتل مثل من كَانَ قبله حَتَّى لم يبْق مَعَه إِلَّا طَلْحَة فغشوهما فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من لهَؤُلَاء فَقَالَ طَلْحَة: أَنا
فقاتل مثل قتال جَمِيع من كَانَ قبله وَأُصِيبَتْ أنامله فَقَالَ: حس
فَقَالَ: لَو قلت بِسم الله أَو ذكرت اسْم الله لَرَفَعَتْك الْمَلَائِكَة وَالنَّاس ينظرُونَ إِلَيْك فِي جوّ السَّمَاء ثمَّ صعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أَصْحَابه وهم مجتمعون
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فِي قَوْله ﴿إِذْ تحسُّونهم بِإِذْنِهِ﴾ قَالَ: الْحس الْقَتْل
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس
مثله
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس ﴿إِذْ تحسونهم﴾ قَالَ: تقتلونهم
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله ﴿إِذْ تحسُّونهم﴾ قَالَ: تقتلونهم قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول الشَّاعِر: وَمنا الَّذِي لَاقَى بِسيف مُحَمَّد فحس بِهِ الْأَعْدَاء عرض العساكر وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَول الله ﴿إِذْ تحسونهم بِإِذْنِهِ﴾ قَالَ: تقتلونهم قَالَ: وَهل كَانَت الْعَرَب تعرف ذَلِك قبل أَن ينزل الْكتاب على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول عتبَة اللَّيْثِيّ: نحسهم بالبيض حَتَّى كأننا نفلق مِنْهُم بالجماجم حنظلا وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس ﴿حَتَّى إِذا فشلتم﴾ قَالَ: الفشل الْجُبْن

وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع ﴿حَتَّى إِذا فشلتم﴾ يَقُول: جبنتم عَن عَدوكُمْ ﴿وتنازعتم فِي الْأَمر﴾ يَقُول: اختلفتم وعصيتم ﴿من بعد مَا أَرَاكُم مَا تحبون﴾ وَذَلِكَ يَوْم أُحُد قَالَ لَهُم: إِنَّكُم ستظهرون فَلَا أعرِفَنَّ مَا أصبْتُم من غنائمهم شَيْئا حَتَّى تفرغوا
فتركوا أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعصوا ووقعوا فِي الْغَنَائِم ونسوا عَهده الَّذِي عَهده إِلَيْهِم وخالفوا إِلَى غير مَا أَمرهم بِهِ فنصر عَلَيْهِم عدوّهم من بعد مَا أَرَاهُم فيهم مَا يحبونَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن عبد الرَّحْمَن بن ابزى فِي قَوْله ﴿حَتَّى إِذا فشلتم﴾ قَالَ: كَانَ وضع خمسين رجلا من أَصْحَابه عَلَيْهِم عبيد الله بن خَوات فجعلهم بِإِزَاءِ خَالِد بن الْوَلِيد على خيل الْمُشْركين فَلَمَّا هزم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّاس قَالَ نصف أُولَئِكَ: نَذْهَب حَتَّى نلحق بِالنَّاسِ وَلَا تفوتنا الْغَنَائِم وَقَالَ بَعضهم: قد عهد إِلَيْنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن لَا نريم حَتَّى يحدث إِلَيْنَا
فَلَمَّا رأى خَالِد بن الْوَلِيد رقتهم حمل عَلَيْهِم فَقَاتلُوا خَالِدا حَتَّى مَاتُوا ربضة فَأنْزل الله فيهم ﴿وَلَقَد صدقكُم الله وعده﴾ إِلَى قَوْله ﴿وعصيتم﴾ فَجعل أُولَئِكَ الَّذين انصرفوا عصاة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الْبَراء بن عَازِب ﴿من بعد مَا أَرَاكُم مَا تحبون﴾ الْغَنَائِم وهزيمة الْقَوْم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد ﴿من بعد مَا أَرَاكُم مَا تحبون﴾ قَالَ: نصر الله الْمُؤمنِينَ على الْمُشْركين حَتَّى ركب نسَاء الْمُشْركين على كل صَعب وَذَلُول ثمَّ أديل عَلَيْهِم الْمُشْركُونَ بعصيتهم للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك قَالَ: إِن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر يَوْم أحد طَائِفَة من الْمُسلمين فَقَالَ: كونُوا مسلحة للنَّاس بِمَنْزِلَة أَمرهم أَن يثبتوا بهَا وَأمرهمْ أَن لَا يبرحوا مكانهم حَتَّى يَأْذَن لَهُم
فَلَمَّا لَقِي نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم أحد أَبَا سُفْيَان وَمن مَعَه من الْمُشْركين هَزَمَهُمْ نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا رأى المسلحة أَن الله هزم الْمُشْركين انْطلق بَعضهم يتنادون الْغَنِيمَة الْغَنِيمَة
لَا تفتكم وَثَبت بَعضهم مكانهم وَقَالُوا لَا نريم موضعنا حَتَّى يَأْذَن لنا نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَفِي ذَلِك نزل ﴿مِنْكُم من يُرِيد الدُّنْيَا ومنكم من يُرِيد الْآخِرَة﴾ فَكَانَ ابْن مَسْعُود يَقُول: مَا شَعرت أَن أحدا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُرِيد الدُّنْيَا وعرضها حَتَّى كَانَ يَوْم أحد

وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق ابْن جريج عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما هزم الله الْمُشْركين يَوْم أحد قَالَ الرُّمَاة: أدركوا النَّاس وَنَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يسبقونا إِلَى الْغَنَائِم فَتكون لَهُم دونكم
وَقَالَ بَعضهم: لَا نريم حَتَّى يَأْذَن لنا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنزلت ﴿مِنْكُم من يُرِيد الدُّنْيَا ومنكم من يُرِيد الْآخِرَة﴾ قَالَ ابْن جريج: قَالَ ابْن مَسْعُود: مَا علمنَا أَن أحدا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُرِيد الدُّنْيَا وعرضها حَتَّى كَانَ يَوْمئِذٍ
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْبَيْهَقِيّ بِسَنَد صَحِيح عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: مَا كنت أرى أَن أحدا من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُرِيد الدُّنْيَا حَتَّى نزلت فِينَا يَوْم أحد ﴿مِنْكُم من يُرِيد الدُّنْيَا ومنكم من يُرِيد الْآخِرَة﴾
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن فِي قَوْله ﴿ثمَّ صرفكم عَنْهُم﴾ قَالَ: صرف الْقَوْم عَنْهُم فَقتل من الْمُسلمين بعدة من أَسرُّوا يَوْم بدر وَقتل عَم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكسرت رباعيته وشج فِي وَجهه فَقَالُوا: أَلَيْسَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعدنا النَّصْر فَأنْزل الله ﴿وَلَقَد صدقكُم الله وعده﴾ إِلَى قَوْله ﴿وَلَقَد عَفا عَنْكُم﴾
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن فِي قَوْله ﴿وَلَقَد عَفا عَنْكُم﴾ قَالَ: يَقُول الله: قد عَفَوْت عَنْكُم إِذْ عصيتموني أَن لَا أكون استأصلتكم ثمَّ يَقُول الْحسن: هَؤُلَاءِ مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي سَبِيل الله غضاب لله يُقَاتلُون أَعدَاء الله نهوا عَن شَيْء فضيعوه فوَاللَّه مَا تركُوا حَتَّى غموا بِهَذَا الْغم قتل مِنْهُم سَبْعُونَ وَقتل عَم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكسرت رباعيته وشج فِي وَجهه فأفسق الْفَاسِقين الْيَوْم يتجرأ على كل كَبِيرَة ويركب كل داهية ويسحب عَلَيْهَا ثِيَابه وَيَزْعُم أَن لَا بَأْس عَلَيْهِ فَسَوف يعلم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله ﴿وَلَقَد عَفا عَنْكُم﴾ قَالَ: إِذْ لم يستأصلكم
وَأخرج البُخَارِيّ عَن عُثْمَان بن موهب قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى ابْن عمر فَقَالَ: إِنِّي سَائِلك عَن شَيْء فَحَدثني أنْشدك بِحرْمَة هَذَا الْبَيْت
أتعلم أَن عُثْمَان بن عَفَّان فر يَوْم أحد قَالَ: نعم
قَالَ: فتعلمه تغيب عَن بدر فَلم يشهدها قَالَ: نعم
قَالَ: فتعلم أَنه تخلف عَن بيعَة الرضْوَان فَلم يشهدها قَالَ: نعم
فَكبر فَقَالَ ابْن عمر:

تعال لأخبرك ولأبين لَك عَمَّا سَأَلتنِي عَنهُ
أما فراره يَوْم أحد فاشهد أَن الله عَفا عَنهُ
وَأما تغيبه عَن بدر فَإِنَّهُ كَانَ تَحْتَهُ بنت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَت مَرِيضَة فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لَك أجر رجل وسهمه
وَأما تغيبه عَن بيعَة الرضْوَان فَلَو كَانَ أحد أعز بِبَطن مَكَّة من عُثْمَان لبعثه مَكَانَهُ فَبعث عُثْمَان فَكَانَت بيعَة الرضْوَان بَعْدَمَا ذهب عُثْمَان إِلَى مَكَّة فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِيَدِهِ الْيُمْنَى فَضرب بهَا على يَده فَقَالَ هَذِه يَد عُثْمَان اذْهَبْ بهَا الْآن مَعَك
الْآيَة ١٥٣