من العارفين من ترك الدعوى والإقبال الى المولى وبذل الروح فى طريقه- حكى- عن حاتم الأصم انه قال لقينا الترك وكان بيننا صولة فرمانى تركى بوهق فاقبلنى عن فرسى ونزل عن دابته وقعد على صدرى وأخذ بلحيتي هذه الوافرة واخرج من خفه سكينا ليذبحنى قال فوحق سيدى ما كان قلبى عنده ولا عند سكينه وانا ساكت متحير أقول سيدى أسلمت نفسى إليك ان قضيت على ان يذبحنى هذا فعلى الرأس والعين اما انا لك وملكك فبينا انا اخاطب سيدى وهو قاعد على صدرى إذ رماه بعض المسلمين بسهم فما اخطأ حلقه فسقط عنى فقمت انا اليه فاخذت السكين من يده فذبحته بها فيا هؤلاء لتكن قلوبكم عند السيد حتى ترون من عجائب لطفه مالا ترون من الآباء والأمهات واعلموا ان من صبر واستسلم ظفر ومن فرّ اتبع فلم يتخلص ونعم العون الصبر عند الشدائد
تحمل چوزهرت نمايد نخست
ولى شهد كردد چودر طبع رست
ز علت مدار اى خردمند بيم
چوداروى تلخت فرستد حكم
ثبتنا الله وإياكم وَما مُحَمَّدٌ هو المستغرق لجميع المحامد لان الحمد لا يستوجبه الا الكامل والتحميد فوق الحمد فلا يستحقه الا المستولى على الأمد فى الكمال وأكرم الله نبيه وصفيه باسمين مشتقين من اسمه جل جلاله محمد واحمد إِلَّا رَسُولٌ- روى- ان رسول الله ﷺ لما خرج الى الشعب من أحد فى سبعمائة رجل جعل عبد الله بن جبير على الرجالة وكانوا خمسين راجلا وقال (اقيموا بأصل الجبل وادفعوا عنا بالنبل لا يأتوننا من خلفنا ولا تنتقلوا من مكانكم حتى أرسل إليكم فلا نزال غالبين ما دمتم فى مكانكم) فجاء المشركون ودخلوا فى الحرب مع النبي عليه السلام وأصحابه حتى حميت الحرب فاخذ رسول الله ﷺ سيفا وقال (من يأخذه بحقه) فأخذه ابو دجانة فقاتل فى نفر من المسلمين قتالا شديدا وقاتل على بن ابى طالب حتى التوى سيفه وقاتل سعد بن ابى وقاص رضى الله عنه وكان النبي عليه السلام يقول لسعد (ارم فداك ابى وأمي) فحمل هو وأصحابه على المشركين فانزل الله نصره عليهم فهزموا المشركين فلما نظر الرماة الى قوم هاربين اقبلوا على النهب بترك مركزهم فقال لهم عبد الله بن جبير لا تبرحوا مكانكم فقد عهد إليكم نبيكم فلم يلتفتوا الى قوله فجاؤا لاجل الغنيمة فبقى عبد الله بن جبير مع ثمانية نفر فخرج خالد بن الوليد مع خمسين ومائتى فارس من المشركين من قبل الشعب وقتلوا من بقي من الرماة ودخلوا خلف اقفية المسلمين فهزموهم ورمى ابن قميئة النبي عليه السلام بحجر فكسر رباعيته وشجه وفيه يقول حسان بن ثابت
ألم تر ان الله أرسل عبده
ببرهانه والله أعلى وامجد
وشق له من اسمه ليجله
فذو العرش محمود وهذا محمد
وتفرق عنه أصحابه وحمل ابن قميئة لقتل النبي عليه السلام فذب عنه مصعب بن عمير صاحب الراية يومئذ فقتله ابن قميئة ورجع فظن انه كان قتل النبي عليه السلام فقال قتلت محمدا وصرخ صارخ ألا ان محمدا قد قتل وكان ذلك إبليس فرجع أصحابه منهزمين متحيرين فاقبل انس بن النضر عم انس بن مالك الى عمر بن الخطاب رضى عنه وطلحة بن عبد الله فى رجال
صفحة رقم 103
من المهاجرين والأنصار فقال لهم ما يحبسكم قالوا قتل محمد ﷺ فقال ما تصنعون فى الحياة بعده موتوا كراما على مامات عليه نبيكم ثم اقبل نحو العدو فقاتل حتى قتل قال كعب بن مالك انا أول من عرف رسول الله ﷺ من المسلمين رأيت عينيه من تحت المغفر تزهران ينادى بأعلى صوته (الىّ عباد الله الىّ عباد الله) فاجتمعوا اليه فلامهم رسول الله على هزيمتهم فقالوا يا رسول الله فديناك بآبائنا وأمهاتنا أتانا خبر سوء فرعبت قلوبنا له فولينا مدبرين فوبخهم الله تعالى بقوله وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ كسائر الرسل قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ فسيخلوا كما خلوا وكما ان اتباعهم بقوا متمكسين بدينهم بعد خلوهم فعليكم ان تتمسكوا بدينه بعد خلوه لان الغرض من بعثة الرسول الرسالة والزام الحجة لا وجوده بين اظهر قومه أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ انكار لارتدادهم وانقلابهم عن الدين بخلوه عليه السلام بموت او قتل بعد علمهم بخلو الرسل قبله وبقاء دينهم متمسكا به وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ بادباره عما كان يقبل عليه رسول الله ﷺ من امر الجهاد وغيره فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ بما فعل من الانقلاب شَيْئاً اى شيأ من الضرر وانما يضر نفسه بتعريضها للسخط والعذاب والله منزه عن النفع والضرر وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ اى الثابتين على دين الإسلام الذي هو أجل نعمة وأعز معروف سموا بذلك لان الثبات عليه شكر له وإيفاء لحقه وفيه ايماء الى كفران المنقلبين. ولما توفى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم اضطرب المسلمون فمنهم من دهش ومنهم من اقعد فلم يطق القيام ومنهم من اعتقل لسانه فلم يطق الكلام ومنهم من أنكر موته بالكلية حتى غفل عمر رضى الله عنه عن هذه الآية الكريمة عند وفاته ﷺ وقام فى الناس فقال ان رجالا من المنافقين يزعمون انه عليه السلام توفى ان رسول الله ﷺ مامات ولكنه ذهب الى ربه كما ذهب موسى بن عمران فغاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع والله ليرجعن رسول الله ﷺ ولأقطعن أيدي رجال وأرجلهم يزعمونه ان رسول الله مات ولم يزل يكرر ذلك الى ان قام ابو بكر فحمد الله واثنى عليه ثم قال ايها الناس من كان يعبد محمدا فان محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فان الله حى لا يموت ثم تلا وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قال الراوي والله لكأن الناس لم يعلموا ان هذه الآية نزلت على رسول الله ﷺ حتى تلاها ابو بكر رضى الله عنه فاستيقن الناس كلهم بموته ﷺ وكانت الجمادات تتصدع من ألم مفارقة الرسول فكيف بقلوب المؤمنين ولما فقده الجذع الذي يخطب عليه قبل اتخاذ المنبر حن اليه وصاح كما يصيح الصبى فنزل اليه فاعتنقه فجعل يهدى كما يهدى الصبى الذي يسكن عند بكائه وقال (لو لم اعتنقه لحن الى يوم القيامة) ما امرّ عيش من فارق الأحباب خصوصا من كانت رؤيته حياة الألباب ولما نقل النبي عليه السلام جعل يتغشاه الكرب فقالت فاطمة رضى الله عنها كرب أبتاه فقال لها ليس على أبيك كرب بعد اليوم فلما مات قالت يا أبتاه أجاب ربا دعاه يا أبتاه جنة الفردوس مأواه فلما دفن قالت فاطمة يا انس أطابت أنفسكم ان تحثوا على نبيكم التراب وعاشت فاطمة بعد موته ﷺ سته أشهر ثم ماتت
صفحة رقم 104
قال الامام فى قوله تعالى وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ فيه لطيفة دقيقة وهى ان هؤلاء اعترفوا بكونهم مسيئين حيث قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا فى أمرنا فلما اعترفوا بذلك سماهم الله محسنين كأنه تعالى يقول لهم إذا عرفت بإساءتك وعجزك فانا اصفك بالإحسان وأجعلك حبيبا لنفسى حتى يعلم انه لا سبيل للعبد الى الوصول الى حضرة الله الا بإظهار الذلة والمسكنة والعجز
كنون بايدت عذر تقصير كفت
نه چون نفس ناطق ز كفتن بخفت
تو پيش از عقوبت در عفو كوب
كه سودى ندارد فغان زير چوب
- حكى- ان آصف بن برخيا أذنب ذنبا يوما من الأيام فأتى سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام فقال له ادع الله ان يغفر لى فدعا فغفر له ثم فعل ثانيا فغفر له بدعائه ثانيا ثم وثم الى ان اوحى الله الى سليمان عليه السلام ان لا أجيب دعوتك فى حقه ان عاد بعد فلم يمكث ان فعل مرة اخرى فجاء الى سليمان عليه السلام لكى يدعو فاخبره بان الله لا يغفر له فرفع الرجل العصا وخرج الى الصحراء وضرب العصا الى الأرض ورفع يده وقال يا رب أنت أنت وانا انا أنت العائد بالمغفرة وانا العائد بالمعصية انا الضعيف المجرم وأنت الغفور الرحيم ان لم تعصمنى من الذنوب فلأعودن ثم لأعودن كررها حتى غشى عليه فاوحى الله تعالى الى سليمان عليه السلام ان قل لابن خالتك ان عدت فأغفر لك ثم اغفر لك ثم اغفر لك ثم اغفر لك وانا الغفار
كنونت كه چشمست اشكى ببار
زبان دردهانست عذرى بيار
فرا شو چوبينى در صلح باز
كه ناگه در توبه كردد فراز
مرو زير بار گنه اى پسر
كه حمال عاجز بود در سفر
فلا يغرنك الشيطان بتزيين الدنيا عليك فانك تعلم فناءها. واوحى الله الى داود عليه السلام [انى منزلك وذريتك الى دار بنيتها على اربعة اركان. أحدها ان أخرب ما تعمرون. والثاني ان اقطع ما تصلون. والثالث ان أميت ما تلدون. والرابع ان افرق ما تجمعون] ومن الله العصمة والتوفيق الى سواء الطريق يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا نزلت فى قول المنافقين للمؤمنين عند الهزيمة ارجعوا الى دينكم وإخوانكم ولو كان نبيا لما غلب وقتل فقال تعالى يا ايها المؤمنون إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا وهم المنافقون وصفوا بالكفر قصدا الى مزيد التنفير عنهم والتحذير من طاعتهم يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ يدخلوكم فى دينهم أضاف الرد إليهم لدعائهم اليه والارتداد على العقب علم فى انتكاس الأمر ومثل فى الحور بعد الكور فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ كرامة الدنيا وسعادة الآخرة اما الاولى فلان أشق الأشياء على العقلاء فى الدنيا الانقياد للعدو والتذلل له واظهار الحاجة اليه واما الثانية فلانه يحرم من الثواب المؤيد ويقع فى العذاب المخلد بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ اى ليسوا انصاركم حتى تطيعوهم بل الله ناصركم لا غيره فاطيعوه واستغنوا به عن موالاتهم وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ فخصوه بالطاعة والاستعانة سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ وهو ما قذف فى قلوبهم من الخوف يوم أحد حتى تركوا القتال ورجعوا من غير سبب ولهم القوة والغلبة. والرعب خوف يملأ القلب بِما أَشْرَكُوا بِاللَّهِ اى بسبب اشراكهم به تعالى فانه من موجبات خذلانهم ونصر المؤمنين
صفحة رقم 108
عليهم ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ اى باشراكه سُلْطاناً اى حجة وبرهانا وما مفعول بوقوع أشركوا عليه اى آلهة ليس على اشراكها حجة ولم ينزل عليهم به سلطانا واصل السلطان القوة فسلطان الملك قوته وسلطان المدعى حجته وبها يقوى على دفع المبطل. وفيه إيذان بان المتبع فى الباب هو البرهان السماوي دون الآراء والأهواء الباطلة وَمَأْواهُمُ اى ما يأوون اليه فى الآخرة النَّارُ لا ملجألهم غيرها وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ والمخصوص بالذم محذوف اى النار وفى جعلها مثواهم بعد جعلها مأواهم نوع رمز الى خلودهم فيها فان المثوى مكان الاقامة المنبئة عن المكث واما المأوى فهو المكان الذي يأوى اليه الإنسان. والاشارة ان الله تعالى هو الذي يلقى الرعب والامن والرغبة والرهبة وغير ذلك فى قلوب العباد كما قال عليه السلام (قلوب العباد بيد الله يقلبها كيف يشاء) وقال (ما من قلب إلا بين إصبعين من أصابع الرحمن ان شاء اقامه وان شاء ازاغه) فعلى العبد ان يتضرع الى الله ويسأل منه الغلبة على النفوس الكافرة خصوصا النفس الامارة فانه ان اتبع هواها وأطاعها فى مشتهاها ترده الى أسفل سافلين البشرية فينقلب خاسرا
نمى تازد اين نفس سركش چنان
كه عقلش تواند كرفتن عنان
كه با نفس وشيطان بر آيد بزور
مصاف پلنگان نيايد ز مور
قال الشيخ ابو على الروذبارى قدس سره دخلت الآفة من ثلاثة. سقم الطبيعة.
وملازمة العادة. وفساد الصحبة. فقيل له ما سقم الطبيعة قال أكل الحرام. فقيل وما ملازمة العادة قال النظر والاستماع بالحرام والغيبة. فقيل فما فساد الصحبة قال كلما هاج فى النفس شهوة تتبعها ومن لم يصحبه فى هذا الباب توفيق من ربه كان متروكا فى ظلمة نفسه ألا ترى الى قوله تعالى بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ اى يخرجكم من ظلمات البشرية الى أنوار الربوبية فمن اتبع هواه وجعله مولى لنفسه فكيف يصاحبه الخروج من الظلمات وانما سببه ان ينقطع العبد الى مولاه الحقيقي ولا يعبد الا إياه- حكى- عن الأصمعي انه قال ان فتى جميلا خرج فى سفر له فوقع فى فلاة من الأرض وصاحبته امرأة فعشقته فقالت ايها الفتى هل تحسن شيأ من الشعر قال نعم قالت قل فانشد
ولست من النساء وسن منى
ولا أبغي الفجور الى الممات
فلا لا تطمعى فيما لدينا
ولو قد طال سير فى الفلاة
فان الله يبصر فوق عرش
ويغضب للفعال الموبقات
قالت دعنا من شعرك هل تقرأ شيأ من القرآن قال نعم قالت قل فقرأ قول الله تعالى الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ قالت دعنى من قراءتك هذه فرجعت وهى خائبة فانظر الى حال الفتى وتوقيه عن شهوته كيف صبر عن المعصية والله يحب الصابرين
جوان چست مى بايد كه از شهوت بپرهيزد
كه پيرست رغبت را خود آلت بر نمى خيزد
ولذلك قال بعض المشايخ من لم يكن فى بدايته صاحب مجاهدة لم يجد من هذه الطريقة شمة وذلك لان الزهد بعد الأربعين بارد لا يثمر نفعا كثيرا ولا يغرنك هذا الخبر ويحملك على
صفحة رقم 109