
الحال لِمَا قبله. وهذه الواو، يُسَمُّون (١) النحويون: (واو الصرف)، والذي بعدها يُنْصَبُ (٢) على خلافِ ما قبلها. كما تقول العربُ: (لا تأكل السَّمَكَ، وتَشْرَبَ اللَّبَنَ (٣))؛ أي: لا تجمع بينهما، ولا تأكلِ السَّمَكَ، في حال شُرْبِكَ اللَّبَنَ.
قال: وقَرَأ الحَسَنُ: ﴿وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾ -بالكسر- (٤)، وهو جزمٌ بالعطف على الأول، وليس بحالٍ لما قبله.
وهذه الآية خطابٌ للذين انهزموا يوم أحد، فقيل لهم: أَحَسِبتم أنْ تدخلوا الجَنَّةَ، كما دَخَلَ الذين قُتِلوا، وبَذَلُوا مُهَجَهُم (٥) لِرَبِّهم، وثَبَتُوا على أَلَمِ الجِرَاح والضَّرْبِ، مِن غير أنْ تَسْلُكُوا (٦) طَرِيقهم، وتصبروا صَبْرَهُمْ.
١٤٣ - قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ﴾ الآية.
قال الحسن (٧)، ومجاهد (٨)،..................
(٢) في (ب): (نصب).
(٣) في (ب): (الماين).
(٤) انظر قراءة الحسن في: "معاني القرآن"، للفراء ١/ ٢٣٥، "تفسير الطبري" ٤/ ١٠٨، وهي -كذلك- قراءة: يحيى بن يعمر، وابن حيوة، وعمرو بن عبيد، انظر: "المحرر الوجيز" ٣/ ٤١.
وقرأها عبدُ الوارث عن أبي عمرو بن العلاء بالرفع: (ويعلمُ)، وهي إما على الاستئناف، وهو الأظهر، أو على أن الواو للحال.
انظر: "الكشاف" ١/ ٤٦٧، و"المحرر الوجيز" ٣/ ٣٤٤، و"الدر المصون" ٣/ ٤١١.
(٥) في (ب): (جهدهم).
(٦) في (ج): (يسلكوا).
(٧) قوله، في: "تفسير الطبري" ٤/ ١٠٩، و"تفسير ابن أبي حاتم" ٣/ ٧٧٦.
(٨) قوله، في: "تفسيره" ١٣٧، و"تفسير الطبري" ٤/ ١٠٩، و"تفسير ابن أبي حاتم" =

وقتادة (١)، والرَّبِيع (٢)، والسُدِّي (٣)، ومحمد بن إسحاق (٤): كانوا يَتَأسَّفُون (٥) على ما فاتهم مِن [بَدْر] (٦)، ويَتَمَنَّون يوما مع رسول الله - ﷺ -، ويقولون: لَنَفْعَلَنَّ ولَنَفْعَلَنَّ، ثم انهزموا يوم أُحُد، واستحقوا العِتَاب (٧).
وقوله تعالى: ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ﴾. يعني: مِن قَبْلِ يوم أُحُد.
وقوله تعالى: ﴿فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ﴾ أي: رأيتم أسبابَهُ، وما يتولَّدُ منه الموتُ (٨)؛ كالسَّيْفِ، والأَسِنَّةِ، ونحوِها (٩).
وقوله تعالى: ﴿وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾.
قال الأخفش (١٠): هو تَوْكيدٌ (١١) لقوله: ﴿فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ﴾.
وقال أبو إسحاق (١٢): المعنى: فقد رأيتموه، وأنتم بُصَرَاء؛ كما
(١) قوله، في: "تفسير عبد الرزاق" ١/ ١٣٤، و"الطبري" ٤/ ١٠٩، و"ابن أبي حاتم" ٣/ ٧٧٦، وأورده السيوطي فى "الدر" ٢/ ١٤١ وزاد نسبته إلى عبد بن حميد.
(٢) قوله، في: المصادر السابقة.
(٣) قوله، في: "تفسير الطبري" ٤/ ١١٠، و"تفسير ابن أبي حاتم" ٣/ ٧٧٦.
(٤) قوله في: "سيرة ابن هشام" ٣/ ٦٤، والمصادر السابقة.
(٥) في (ج): (يأسفون).
(٦) ما بين المعقوفين مطموس في (أ)، والمثبت من (ب)، (ج).
(٧) في (ج): (العقاب).
(٨) في (أ): (وما يتولد منه الموت منه)، وفي (ب): (وما يتولد الموت منه)، والمثبت من (ج).
(٩) انظر: "معاني القرآن"، للفراء ١/ ٢٣٦، و"تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ١/ ١٠٦، و"تفسير الطبري" ٤/ ١٠٨.
(١٠) قوله في "معاني القرآن" له ١/ ٢٣٦، وهو معنى قوله.
(١١) في (ب): (تأكيد).
(١٢) في "معاني القرآن"، له ١/ ٤٧٣. نقله عنه بنصه.

تقول: (رأيت كذا وكذا)، وليس في عينيك (١) عِلَّة (٢)؛ أي: قد رأيته رؤيةً حقيقية، وهو راجع إلى معنى التوكيد.
وقال غيره (٣): لِئَلَّا يُتَوَهَّم رؤية القَلْبِ؛ كما يقال: (رأيته عِيَانًا)، و (سمعته بأذني)؛ لئلا يتوهم سَمْع العِلْمِ.
وقيل (٤): ﴿وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾؛ أي: تَتَأَمَّلُون الحالَ في ذلك، كيف هي؟ (٥)
(٢) ورد في مخطوطات "معاني القرآن" -كما ذكر محققه-: (علمه)، ورأى المحقق أنها لا تناسب ما بعدها؛ ولذا أثبَتَها (عَمَه)، وفسرها في الحاشية بـ (العَمَى). وليس كما قال؛ لأن (العَمَه) هو: التَّحَيُّرُ في منازعة أو طريق، والتردد في الضلال. انظر: (عمه) في: "اللسان" ٥/ ٣١١٤، و"القاموس" ١٢٥٠.
وأرى أن صوابها كما أثْبَتَ المؤلف هنا، وإنما صُحِّفت في أصول مخطوطات "معاني القرآن". وقد وردت (عِلَّة) في "بحر العلوم" ١/ ٣٠٥ حيث نقل قول الزجاج.
(٣) لم أهتد إلى القائل.
(٤) لم أهتد إلى القائل.
(٥) قال الطبري: ﴿فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ﴾ يعني: فقد رأيتموه بمرأى منكم ومنظر؛ أي: بقرب منكم). "تفسيره" ٤/ ١٠٩. وحكى الزجاجُ قولًا، ولم يعزه لقائل، فقال: (وقال بعضهم: وأنتم تنظرون إلى محمد - ﷺ -). "معاني القرآن" ١/ ٤٧٣، وانظر: "غرائب التفسير" للكرماني ١/ ٢٧١. وقد أورده ابنُ عطيَّة، وضَعَّفَه. انظر: "المحرر" ٣/ ٣٤٦.
وقال أبو الليث: (وأنتم تنظرون إلى السيوف التي فيها الموت). "بحر العلوم" ١/ ٣٠٥ وأورد هذا القولَ ابنُ الجوزي في "زاد المسير" ١/ ٤٦٨، وعزاه إلى أبن عباس. وعن ابن إسحاق: (تنظرون إليهم). "سيرة أبن هشام" ٣/ ٦٤، و"تفسير الطبري" ٤/ ١١٠، و"تفسير ابن أبي حاتم" ٣/ ٧٧٧.