آيات من القرآن الكريم

وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ
ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖ

هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ إيضاح لسوء عاقبة ما هم عليه من التكذيب، يعنى: حثهم على النظر في سوء عواقب المكذبين قبلهم والاعتبار بما يعاينون من آثار هلاكهم وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ يعنى أنه مع كونه بيانا وتنبيهاً للمكذبين فهو زيادة تثبيت وموعظة للذين اتقوا من المؤمنين: ويجوز أن يكون قوله: (قَدْ خَلَتْ) جملة معترضة للبعث على الإيمان وما يستحق به ما ذكر من أجر العاملين، ويكون قوله: (هذا بَيانٌ) إشارة إلى ما لخص وبين من أمر المتقين والتائبين والمصرّين وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا تسلية من اللَّه سبحانه لرسوله صلى اللَّه عليه وسلم وللمؤمنين عما أصابهم يوم أحد وتقوية من قلوبهم، يعنى ولا تضعفوا عن الجهاد لما أصابكم، أى لا يورثنكم ذلك وهنا وجبنا، ولا تبالوا به، ولا تحزنوا على من قتل منكم وجرح وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وحالكم أنكم أعلى منهم وأغلب، لأنكم أصبتم منهم يوم بدر أكثر مما أصابوا منكم يوم أحد. أو وأنتم الأعلون شأنا، لأنّ قتالكم للَّه ولإعلاء كلمته، وقتالهم للشيطان لإعلاء كلمة الكفر، ولأنّ قتلاكم في الجنة وقتلاهم في النار. أو هي بشارة لهم بالعلو والغلبة، أى وأنتم الأعلون في العاقبةَ إِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ)
. إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ متعلق بالنهى بمعنى: ولا تهنوا إن صح إيمانكم على أن صحة الإيمان توجب قوة القلب والثقة بصنع اللَّه وقلة المبالاة بأعدائه. أو بالأعلون، أى إن كنتم مصدّقين بما يعدكم اللَّه ويبشركم به من الغلبة.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٤٠ الى ١٤١]
إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (١٤٠) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ (١٤١)
قرئ (قرح) بفتح القاف وضمها، وهما لغتان كالضعف والضعف. وقيل: هو بالفتح الجراح، وبالضم ألمها. وقرأ أبو السمال (قرح) بفتحتين. وقيل القرح والقرح كالطرد والطرد.
والمعنى: إن نالوا منكم يوم أحد فقد نلتم منهم قبله يوم بدر، ثم لم يضعف ذلك قلوبهم ولم يثبطهم عن معاودتكم بالقتال، فأنتم أولى أن لا تضعفوا. ونحوه (فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ) وقيل: كان ذلك يوم أحد، فقد نالوا منهم قبل أن يخالفوا أمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. فإن قلت: كيف قيل (قَرْحٌ مِثْلُهُ) وما كان قرحهم يوم أحد مثل قرح المشركين؟
قلت: بلى كان مثله، ولقد قتل يومئذ خلق من الكفار. ألا ترى إلى قوله تعالى: (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ).
وَتِلْكَ الْأَيَّامُ تلك مبتدأ، والأيام صفته. ونُداوِلُها خبره، ويجوز أن يكون (تِلْكَ

صفحة رقم 418

الْأَيَّامُ)
مبتدأ وخبراً، كما تقول: هي الأيام تبلى كل جديد. والمراد بالأيام: أوقات الظفر والغلبة، نداولها: نصرفها بين الناس نديل تارة لهؤلاء وتارة لهؤلاء، كقوله وهو من أبيات الكتاب:

فَيَوْماً عَلَيْنَا وَيَوماً لَنَا وَيَوْماً نُسَاءُ وَيَوما نُسَرّ «١»
ومن أمثال العرب: الحرب سجال. وعن أبى سفيان أنه صعد الجبل يوم أحد فمكث ساعة ثم قال: أين ابن أبى كبشة، أين ابن أبى قحافة، أين ابن الخطاب. فقال عمر: هذا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وهذا أبو بكر، وها أنا عمر. فقال أبو سفيان يوم بيوم والأيام دول والحرب سجال. فقال عمر رضى اللَّه عنه: لا سواء، قتلانا في الجنة، وقتلاكم في النار. فقال: إنكم تزعمون ذلك فقد خبنا إذن وخسرنا «٢»، والمداولة مثل المعاورة. وقال:
يَرِدُ المِيَاهَ فَلَا يَزَالُ مُدَاوِلا فِى النَّاسِ بَيْنَ تَمَثُّلٍ وَسَمَاعِ «٣»
يقال: داولت بينهم الشيء فتداولوه وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا فيه وجهان: أحدهما أن يكون المعلل محذوفا معناه: وليتميز الثابتون على الإيمان منكم من الذين على حرف، فعلنا ذلك وهو من باب التمثيل. بمعنى: فعلنا ذلك فعل من يريد أن يعلم من الثابت على الإيمان منكم من غير الثابت، وإلا فاللَّه عز وجل لم يزل عالما بالأشياء قبل كونها. وقيل: معناه وليعلمهم علماً يتعلق به الجزاء،
(١).
فلا وأبى الناس لا يعلمون فلا الخير خير ولا الشر شر فيوم علينا ويوم لنا
ويوم نساء ويوم نسر
للنمر بن تولب، وهو من أبيات الكتاب. و «لا» زائدة قبل القسم، لأنه في الغالب لنفى شيء. وقيل: إشارة إلى اتضاح القضية المقسم عليها وعدم احتياجها إلى قسم، لكنه إنما يظهر في مثل قوله تعالى: (فَلا أُقْسِمُ) حيث أبرز في صورة النفي المعتادة: و «الناس» مبتدأ خبره «لا يعلمون» ثم بين ذلك بقوله: فليس الخير الذي زعموا أنه خير، خيراً كما زعموا. وليس الشر الذي زعموه شراً كما زعموا. أو ليس الخير خيراً دائماً، وليس الشر شراً دائماً. فيوم علينا نخذل فيه. ويوم لنا ننصر فيه، ويوم نساء فيه، ويوم نسر فيه. وروى بنصب اليوم. والمعنى:
فيوما تدور الدائرة علينا، ويوما تكون الدولة لنا. ونساء يوما، ونسر يوما. وكل جملتين من هذه الجمل واقعتان موقع البيان مما قبلهما. وفي البيت الثاني: لف ونشر مرتب، وذلك حسن.
(٢). أخرجه أحمد والحاكم والطبراني والبيهقي في الدلائل. من رواية ابن أبى الزناد عن أبيه عن ابن عباس أن أبا سفيان قال يوم أحد فذكره. قلت: وأصله في الصحيح من غير هذا الوجه بغير هذا السياق.
(٣).
فلأهدين مع الرياح قصيدة منى محبرة إلى القعقاع
ترد المياه فلا تزال تداولا في الناس بين تمثل وسماع
المحبرة: المحسنة. والقعقاع اسم الممدوح، وهو في الأصل الشيء اليابس الصلب. ترد تلك القصيدة المياه، خصها لكثرة الناس عليها وتغنيهم بالأشعار عندها، أى ترد مواضع المياه فلا تزال متداولة في الناس، أو فلا تزال ذات تداول، أو فلا تزال تتداول تداولا بين الناس دائرة بين تمثل، أى إنشاد لها بأن يضربها الناس أمثالا لأحوالهم، وبين استماع لها لحسنها. وروى يرد المياه فلا يزال مداولا الخ فذكر ضمير القصيدة لأنها بمعنى الشعر.

صفحة رقم 419
الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي الزمخشريّ، جار الله، أبو القاسم
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
الطبعة
الثالثة - 1407 ه
عدد الأجزاء
4
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية