
يُمِدُّهُ) (١)، وما كان على جهة الزيادة، قيل فيه: (مَدَّةُ، يَمُدُّهُ، مَدًّا) (٢)، ومنه قوله: ﴿وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ﴾ (٣).
١٢٥ - قوله تعالى: ﴿بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا﴾ الآية. ﴿بَلَى﴾: تصديق لوعد الله. ومضى الكلامُ فيه (٤) إذا وقع في ابتداء الآية.
وقوله تعالى: ﴿إِنْ تَصْبِرُوا﴾ (٥). أي: على لقاء العدو.
(٢) في "تفسير الثعلبي": (مدَّه يمده مدادًا).
ذكر الرَّاغبُ أن أكثر ما جاء (الإمداد) في المحبوب، و (المد) في المكروه. فمن (الإمداد) قوله تعالى: ﴿وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ﴾ [الطور: ٢٢]، و ﴿وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ﴾ [نوح: ١٢].
ومن (المد) قوله تعالى: ﴿وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [البقرة: ١٥]، وقوله: ﴿وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّ﴾ [مريم: ٧٩].
وقد نقل الطبري عن يونس الجرْمي ذلك، وبيَّن أن ما كان منها متعلقًا بالشر وبمعنى أنك تركته، فهو: (مددت)، وما كان في الخير، وبمعنى أنك أعطيته، فهو: (أمددت). ونقل عن بعض نحوي الكوفة -ولم يسم أحدا منهم-: أنَّ كل زيادة أحدثت في الشيء من نفسه، فهي: (مَدَدت)؛ كقولنا: (مدَّ النهر، ومدَّه نهرٌ آخر غيرُه) حيث يتصل به، فيصير منه.
وكل زيادة أحدثت في الشيء من غيره، فهي: (أمدَدْت)؛ كقولنا: (أمددت الجيش بمدد).
انظر: "تفسيرالطبري" ١/ ١٣٥، و"مفردات ألفاظ القرآن" ٧٦٣ (مدد)، و"تفسير الثعلبي" ٣/ ١١١ ب، و"بصائر ذوي التمييز" ٤/ ٤٨٩.
(٣) سورة لقمان: ٢٧. وتمامها: ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾.
(٤) في (ج): (في).
(٥) في (ج): ﴿إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا﴾.

﴿وَتَتَّقُوا﴾ معصية الله، ومخالفة النبي - ﷺ - (١).
﴿وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا﴾ قال ابنُ عبَّاس -في رواية العَوْفي- (٢): مِن وجههم هذا. وهو قول: الحسن (٣)، وقتادة (٤)، والربيع (٥)، والسّدِّي (٦)، وابن زيد (٧).
وقال (٨) في رواية باذان: من غَضَبِهم هذا (٩). وهو قول: مجاهد (١٠)، والضَّحَّاك (١١).
وأصل الفَوْرِ: غَلَيانُ القِدْرِ. يقال: (فارت القِدْرُ، تَفُورُ فَوْرًا)، وهو
(٢) قوله في: "تفسير الطبري" ٤/ ٨٠، و"تفسير ابن أبي حاتم" ٣/ ٧٥٣، و"تفسير الثعلبي" ٣/ ١١٢ أ، و"تفسير البغوي" ٢/ ١٠٠، و"زاد المسير" ١/ ٤٥١.
(٣) قوله في المصادر السابقة.
(٤) قوله في المصادر السابقة.
(٥) قوله في: "الطبري" ٤/ ٨٠، و"ابن أبي حاتم" ٣/ ٧٥٣، و"الثعلبي" ٣/ ١١٢ ب.
(٦) قوله في المصادر السابقة.
(٧) قوله في: "تفسير الطبري" ٤/ ٨٠، و"تفسير الثعلبي" ٣/ ١١٢ب.
(٨) أي: ابن عباس.
(٩) ورد هذا القول في "تفسير الطبري" ٤/ ٨٠، و"تفسير ابن أبي حاتم" ٣/ ٧٥٣، و"تفسير الثعلبي" ٣/ ١١٢ أ، و"النكت والعيون" ١/ ٤٢١، ولكن هذه المصادر نسبت هذا القول لأبي صالح باذان، وليس في الأثر أنه رفعه لابن عباس.
(١٠) قوله، في "تفسيره" ١٣٥، و"تفسير الطبري" ٤/ ٨١، و"ابن أبي حاتم" ٣/ ٧٥٣، و"الثعلبي" ٣/ ١١٢ أ، و"البغوي" ٢/ ١٠٠، و"زاد المسير" ١/ ٤٥١.
(١١) قوله في المصادر السابقة، عدا الأول.

غليانها عند شدة الحَمْي (١). ومنه: فَوْرُ الغَضَبِ؛ لأنه كَفَوْرِ القِدْرِ بالحَمْي. ومنه، يقال: (جاء على الفَوْر)؛ أي: على ابتداء الحَمْي، قبل أن تَبْرُدَ نَفْسُه عنه (٢).
وقوله تعالى: ﴿مُسَوِّمِينَ﴾ مَنْ فَتَحَ الواو (٣)، معناه: مُعْلَمِين، قد سُوِّمُوا، فهم مُسَوَّمِين.
والسُّوْمَة: العَلاَمَةُ يُفْرَقُ بها الشيءُ مِن غَيْرِه. ومضى شيءٌ من هذا في قوله: ﴿وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ﴾ (٤).
وهذه (٥) العَلامَةُ يُعْلِمُها الفارسُ يوم اللقاء؛ ليُعْرَفَ بها.
قال عنترة (٦):
فَتَعَرَّفوني إنَّنِي أنا ذِلكُم | شاكٍ سِلاحي في الحوادِثِ مُعْلَمُ (٧) |
(٢) انظر: المصادر السابقة، و"تفسير الطبري" ٤/ ٨١، و"تفسير الثعلبي" ٣/ ١١٢ أ.
(٣) هي قراءة: نافع، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: ﴿مُسَوِّمِينَ﴾. انظر: "السبعة": ٢١٦، و"حجة القراءات": ١٧٣.
(٤) [سورة آل عمران: ١٤]. وانظر: "تهذيب اللغة": ٢/ ١٦٠١ (سوم).
(٥) من قوله: (هذه) إلى نهاية بيت الشعر الآتي: نقله بنصه عن "الحجة" للفارسي ٣/ ٧٦. غير أنه ليس في "الحجة": (قال عنترة) وإنما: (قال) فقط دون نسبة لقائل.
(٦) تقدمت ترجمته.
(٧) البيت: ليس لعنترة، وإنما هو لطريف بن تميم العنبري. وقد ورد منسوبًا له في: "كتاب سيبويه" ٣/ ٤٦٦، ٤/ ٣٧٨، و"الأصمعيات" ١٢٨، و"البيان والتبيين" ٣/ ٩٣، و"الاختيارين" ١٨٩، و"العقد الفريد" ٣/ ٢٠٨، و"الاقتضاب في شرح أدب الكتاب" ٣/ ٤٠٨، و"شرح أدب الكاتب"، للجواليقي ٢٨٤، و"الكامل" لابن الأثير ١/ ٣٦٧، و"معاهد التنصيص" ١/ ٢٠٤، و"شرح شواهد شرح الشافية" (مطبوع مع شرح الشافية) ٤/ ٣٦٨. =

ومَن كَسَرَ الواو (١)، نَسَبَ الفِعْلَ إليهم؛ لِمَا جاء في الخبر: أن النبي - ﷺ - قال يوم بدر: "سَوَمُوا، فإن الملائكة قد سَوَّمَتْ" (٢).
وقد روي البيت في بعض المصادر بـ (فتوسَّموني) بدلا من: (فتعرفوني)، و (ذاكم) بدلًا من (ذلكم) وفي بعضها: (شاكي السلاح)، وفي "الكامل"، لابن الأثير: (لا تنكروني إنني داء لكم..). وقبل هذا البيت:
أوَ كلما وردت عكاظ قبيلةٌ | بعثوا إليَّ عريفهم يَتَوَسَّمُ |
وقوله: (شاك سلاحي)؛ أي: لسلاحي شوكة وله حد. وأصله: (شائك)، فقُلِب إلى: شاكٍ وقيل: أصله: (شاككٌ) من: الشكَّة، وهي: السلاح. وقيل غير ذلك. وينطق (شاكٍ) -في البيت- بالضم، أو بالكسر، مع التنوين. وقوله: (مُعْلَم)، أي: يُعلِم نفسه بعلامة في الحرب؛ ليُعرَف بها. انظر: "الاقتضاب": ٣/ ٤٠٩.
(١) هي قراءة: ابن كثير، وأبي عمرو، وعاصم، ﴿مُسَوِّمِينَ﴾. انظر: "السبعة" ٢١٦، و"حجة القراءات" ١٧٣.
(٢) الحديث أخرجه: ابن أبي شيبة في: "المصنف" ٧/ ٣٥٥ رقم (٣٦٦٥٧) وأبو عمرو الدوري في "جزء فيه قراءات النبي - ﷺ -" ٨٠، وأخرجه الطبري في "تفسيره" ٤/ ٨٢.
وأوردته الكتب التالية، غير مسند: "تفسير الثعلبي" ٣/ ١١٢ ب، و"تفسير البغوي" ٢/ ٩٩، ١٠٠، و"زاد المسير" ١/ ٤٥٢، و"الدر المنثور" ٢/ ١٢٥. والحديث مرسل؛ لأنه من رواية عمير بن إسحاق، قال: (.. قال رسول الله - ﷺ -) وذكره. =

قال ابن عباس: كانت الملائكة قد سَوَّمت يوم بدر بالصُّوف الأبيض في نواصي الخيل، وأذنابها (١).
وقال الربيعُ (٢)، وهشامُ بن عُرْوة (٣): كانت عليهم عمائم صُفْرٌ،
وأخرج الواقدي في "المغازي": ١/ ٧٥ - ٧٦ عن محمود بن لبيد، قال: قال رسول الله - ﷺ -: "إن الملائكة قد سَوَّمت فسَوِّموا، فأعْلَموا بالصوت في مغافرهم وقلانسهم".
وأخرجه ابن سعد في "الطبقات" ٢/ ١٦ ولم يسنده، وأورده المتقي الهندي في: "كنز العمال": ١٠/ ٤٠٣ رقم (٢٩٩٦٤) وزاد نسبة إخراجه لابن النجار.
ومحمود بن لييد بن عقبة بن رافع الأوسي الأشهلي، أبو نعيم المدني. قال عنه ابن حجر: (صحابي صغير، وجل روايته عن الصحابة، مات سنة ٩٦، وقيل: ٩٧، وله تسع وتسعون سنة). "تقريب التهذيب": ٥٢٢ (٦٥١٧).
(١) في (ب): (وأذناها). وفي (ج): (وأذانها).
ولم أقف على قول ابن عباس بهذا اللفظ، وإنما الذي ورد عنه، قوله: (فإنهم [أي: الملائكة] أتوا محمدًا النبي - ﷺ - مسومين بالصوف، فسوَّم محمد وأصحابه أنفسهم وخيلهم على سيماهم بالصوف).
أخرجه الطبري ٤/ ٨٣، وابن أبي حاتم ٣/ ٧٥٤، وانظر: "النكت والعيون" ١/ ٤٢٢.
(٢) لم أقف على مصدر قوله هذا. والذي في "تفسير الطبري" ٤/ ٨٣ قوله: (كانوا يومئذ على خيل بُلْق) وكذا ورد في "تفسير الثعلبي" ٣/ ١١٢ ب.
(٣) قوله في: "مصنف ابن أبي شيبة" ٧/ ٣٦١ رقم (٣٦٦٩٢)، و"تفسير الطبري" ٤/ ٨٣، و"ابن أبي حاتم" ٣/ ٧٥٥، و"المستدرك" ٣/ ٣٦١، و"تفسير الثعلبي" =

وروي عن علي (١) وابن عباس (٢): كانت عليهم عمائمُ بِيضٌ، قد أرسلوها بين أكتافهم.
قال المفسرون: فصبر المسلمون يوم بَدْرٍ، واتَّقوا اللهَ، فأَمَدَّهم (٣) الله
وهشام، هو: أبو المنذر، ابن عُرْوة بن الزبير بن العوام الأسدي. إمام ثقة حافظ حجة، مشهور بالورع والصلاح. توفي بغداد سنة (١٤٥هـ) أو (١٤٦هـ).
انظر: "الجرح والتعديل" ٩/ ٦٣، و"الميزان" ٥/ ٤٢٦، ٤٢٧، و"التهذيب" ٤/ ٢٧٥، و"شذرات الذهب" ١/ ٢١٨.
(١) قوله في "سيرة ابن هشام" ٢/ ٢٧٤ ولفظه عنده: (العمائم تيجان العرب، وكانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيضاء، أرخوها على ظهورهم، إلا جبريل فإنه كانت عليه عمامة صفراء).
وأخرج ابن أبي حاتم عنه قوله: (كان سيما الملائكة يوم بدر الصوف الأبيض)، وفي رواية أخرى عنده: (كان سيما الملائكة أهل بدر الصوف الأبيض، وكان سيما الملائكة -أيضًا- في نواصي الخيل). "تفسيره" ٢/ ٥٢٥.
وورد في "مصنف ابن أبي شيبة" بنفس السند الذي عند ابن أبي حاتم، ولكن لفظه: (كان سيما أصحاب رسول الله - ﷺ -..) وذكره
وأورده الثعلبي في "تفسيره" ٣/ ١١٢ ب، بنفس لفظ المؤلف، حيث قال: (وقال علي ابن أبي طالب وابن عباس..) وذكره، وكذا أورده البغوي في "تفسيره": ٢/ ١٠١، وأورده المتقي الهندي في "كنز العمال" ٢/ ٣٧٨ رقم (٤٢٩٩) بنفس لفظ ابن أبي حاتم، وزاد نسبته لابن المنذر.
(٢) قوله في: "سيرة ابن هشام" ٢/ ٢٧٤، و"تفسير الثعلبي" ٣/ ١١٢ ب، و"تفسير البغوي" ٢/ ١٠١، و"تفسير ابن كثير" ١/ ٤٣٢، وورد في "الدر المنثور" ٢/ ١٢٥، وزاد نسبة إخراجه للطبراني.
(٣) في (ب): (فأيديهم).