
قَوْله تَعَالَى: ﴿بلَى إِن تصبروا﴾ يَعْنِي: بلَى وَعدكُم إِن تصبروا على لِقَاء الْعَدو، ﴿وتتقوا﴾ أَي: وتحذروا مُخَالفَة الرَّسُول ﴿ويأتوكم من فورهم هَذَا﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس وَالْحسن وَأكْثر الْمُفَسّرين: مَعْنَاهُ: ويأتوكم من وُجُوههم هَذَا، وَقيل مَعْنَاهُ: من غضبهم هَذَا؛ لأَنهم إِنَّمَا رجعُوا للحرب يَوْم أحد من غضبهم ليَوْم بدر.
صفحة رقم 353
﴿آلَاف من الْمَلَائِكَة مسومين (١٢٥) وَمَا جعله الله إِلَّا بشرى لكم ولتطمئن قُلُوبكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْر إِلَّا من عِنْد الله الْعَزِيز الْحَكِيم (١٢٦) ليقطع طرفا من الَّذين كفرُوا أَو يكبتهم فينقلبوا﴾
﴿يمددكم ربكُم بِخَمْسَة آلَاف﴾ لم يرد بِهِ خَمْسَة آلَاف سوى مَا ذكر من ثَلَاثَة آلَاف؛ لأَنهم أَجمعُوا على أَن عدد الْمَلَائِكَة يَوْمئِذٍ خَمْسَة آلَاف، وَهَذَا نَظِير قَوْله تَعَالَى: ﴿بِالَّذِي خلق الأَرْض فِي يَوْمَيْنِ﴾، ثمَّ قَالَ بعده: ﴿وَجعل فِيهَا رواسي من فَوْقهَا وَبَارك فِيهَا وَقدر فِيهَا أقواتها فِي أَرْبَعَة أَيَّام﴾ وَلم يرد بِهِ أَرْبَعَة أَيَّام سوى ذَلِك الْيَوْمَيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ بعده: ﴿فقضاهن سبع سموات فِي يَوْمَيْنِ﴾ وَأَجْمعُوا على أَن خلق الْكل كَانَ فِي سِتَّة أَيَّام لَا فِي ثَمَانِيَة أَيَّام، بل أَرَادَ بِهِ أَرْبَعَة أَيَّام مَعَ ذَلِك الْيَوْمَيْنِ كَذَا هَذَا.
﴿من الْمَلَائِكَة مسومين﴾ يقْرَأ بِفَتْح الْوَاو، وَالْمرَاد بِهِ المعلمين، وَيقْرَأ بِكَسْر الْوَاو فَيكون فعل التسويم: من الْمَلَائِكَة، والتسويم الْإِعْلَام بالعلامة، وَهُوَ من السومة، وَالسَّمَاء: وَهُوَ الْعَلامَة، وَاخْتلفُوا فِي عَلامَة الْمَلَائِكَة يَوْمئِذٍ كَيفَ كَانَت؟ قَالَ عُرْوَة بن الزبير: كَانَت الْمَلَائِكَة على خيل يلق عَلَيْهِم عمائم صفر.
وَقَالَ الْحسن: كَانَت عمائم بيض مُرْسلَة خلف الظُّهُور. وَقَالَ مُجَاهِد: كَانُوا قد أعلمُوا من الصُّوف على أَذْنَاب الْخَيل ونواصيها؛ وَذَلِكَ سنة فِي خلق الشجعان، وَقد قَالَ: " سوموا فَإِن الْمَلَائِكَة قد سومت ".