
قوله ﴿إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ﴾. إذ متعلقة بتشكون. والمعنى: ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة إذ تقول للمؤمنين: ألن يكفيكم، وذلك كله يوم بدر، وذلك أن المسلمين حُدِّثوا أن كرز بن جابر الحارثي بمد المشركين فاغتنموا لذلك، فقيل لهم ﴿أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاَثَةِ ءالاف مِّنَ الملائكة مُنزَلِينَ﴾ ﴿بلى إِن تَصْبِرُواْ﴾ على عدوكم ﴿وَتَتَّقُواْ﴾ أمر دينكم ﴿يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ ءالاف مِّنَ الملائكة مُسَوِّمِينَ﴾ ثم لم يأت كرز، ولم يمددهم الله بخمسة آلاف. وقال أبو أسيد مالك بن ربيعة وكان شاهد بدر وقد ذهب بصره: لو كنت معكم اليوم [ببدر] ومعي بصري لأريتكم الشعب الذي خرجت منه الملائكة، فعلى هذا يكون الله قد أمدهم وفعل بهم ما وعدهم به.
وقال ابن عباس: حدثني رجل من بني غفار قال: أقبلت أنا وابن عم لي حتى أصعدنا في جبل يشرف على بدر، ونحن مشركان ننتظر الواقعة على من تكون. قال: فبينما نحن على الجبل إذ دنت منا سحابة فسمعنا فيها حمحمة الخيل، فسمعت قائلاً يقول: أقدم حيزوم قال: أما ابن عمي فأكشف قناع فلبه فمات مكانه، أما أنا فكدت

أهلك، وتماسكت.
وقال ابن عباس: لم تقاتل الملائكة في يوم من الأيام سوى يوم بدر وإنما كانوا في غيره من الأيام عدداً ومدداً لا يضربون.
وحكى أبو داود المازني وكان شهد بدراً قال: إني لأتبع رجلاً من المشركين يوم بدر لأضربه إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي فعرفت أنه قد قتله غيري.
وحكى ابن عباس عن أبي رافع أنه قال: كنت أسلمت مع العباس بمكة، وكان العباس يكتم إسلامه، وكان قد خرج مع القوم وكنت أجلس في حجرة زمزم أنحت القداح، فوصل إلينا خبر أهل بدر وما نزل بهم، فسرنا، فدخل أبو لهب يجر رجليه حتى جلس على طنب الحجرة، ظهره إلى ظهري فبينما هو جالس إذ قال الناس: هذا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب قد قدم فقال أبو لهب: هلم يا ابن أخي فعندك الخبر، فجلس إليه، والناس قيام عليه، فقال له: أخبرني كيف كان أمر

الناس؟ قال: لا شيء، والله إن كان إلا أن لقيناهم، فمنحناهم أكتافنا يقتلوننا، ويأسروننا كيف شاؤوا! لقينا رجالاً بيضاً على خيل بلق بين السماء والأرض، وما تلين شيئاً، وما يقوم لها شيء، قال أبو رافع: فرفعت طنب الحجرة. ثم قلت: تلك الملائكة.
قال ابن عباس: " أسر أبو اليسر كعبُ بنُ عمرو العباسَ وكان أبو اليسر رجلاً مجموا وكان العباس رجلاً جسيماً فقال رسول الله ﷺ: كيف أسرت العباس؟ فقال: يا رسول الله لقد أعانني عليه رجل ما رأيته قبل ذلك، ولا بعده هيأته كذا وكذا، فقال رسول الله ﷺ: لقد أعانك عليه والله ملك كريم ".
وقيل: إن قوله: ﴿إِذْ تَقُولُ﴾ وما بعده في قصة يوم أحد هو كله وإنما وعدوا يوم بدر بأن يمدهم الله بألف من الملائكة مردفين.
قال قتادة: قوله: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ الله بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾ أي: قليلون. ثم رجع إلى قصة أحد فقال: إذ تقول للمؤمنين الآيات ووعد الله [تعالى] المؤمنين يوم أحد أنهم إن ثبروا واتقوا بعد هذا اليوم أمدهم بخمسة آلاف من الملائكة مسمين ففروا يوم أخد، ولم يتقوا النبي ﷺ [ في أمره، فلم يمدهم بشيء.

وقال ابن زيد: " سألوا النبي ﷺ] فقالوا يا رسول الله: هل يمدنا كما أمدنا يوم بدر؟ وذلك يوم أحد، فقال لهم النبي ﷺ: ﴿ أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاَثَةِ ءالاف مِّنَ الملائكة مُنزَلِينَ﴾ " قال الشعبي وغيره: وعدهم بخمسة آلاف، إن جاءوا من ذلك الفور، فلم يجيئوا ولم يمدهم بخمسة آلاف وأمدهم يوم بدر بألف من الملائكة مردفين، يوم أحد بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين فهم أربعة آلاف وهم اليوم في جنود المسلمين.
ومعنى ﴿مِّن فَوْرِهِمْ هذا﴾ أي: من وجههم هذا.
وقيل: من غضبهم هذا لأنهم غضبوا يوم بدر.
واستدل من قال أنه تعالى قد أمدهم بقوله: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ﴾.
وقال مجاهد: معنى مسومين " معلَّمين مجززة أذناب خيلهم ونواصيها [فيها] الصوف العهن، وذلك التسويم.
وقال قتادة: ذكر لنا أن سيماهم يومئذ الصوف بنواصي خيلهم وأذنابها وأنهم

كانوا على خيل بلق وقد سوم النبي ﷺ أصحابه بالصوف.
وقيل: نزلت الملائكة يوم بدر على خيل بلق عليها عمائم صفر، وكذلك كانت عمامة الزبير.
وهذا كله يوم بدر، على كسر الواو لأنها سومت أنفسها، ومن فتح أضاف تسويمها إلى الله [تعالى ذكره. ومن فتح الواو أيضاً احتج بقوله ﴿مُنزَلِينَ﴾ بإضافة النزول إلى الله] سبحانه فكذلك التسوم، كانوا أنزلوا مسومين.
وقيل: معنى مسومين: مرسلين من سومت الخيل: أرسلتها إلى السائمة. وحكى بعض النحويين سوم الرجل غلامه أرسله، وخلا سبيله فيكون المعنى على هذا مرسلين إلى الكفار وكذلك (قال) الأخفش معناه: مرسلين.
وأكثر الناس على أن معنى مسومين معلمين: من السومة.