
الذَّنْب: التُّلُوُّ للشيء. (ذنَبَه، يذْنِبهُ، ذنْبًا): إذا تلاه. و (الذَّنُوبُ): الدَّلْو؛ لأنها تالية للحبل في الجذب، وأصله من (الذَّنَبِ)؛ لأنه تالٍ لصاحبه (١).
فالذَّنْب: الجُرْم (٢)؛ لأن تبعته تتلو صاحبه من استحقاق الذم (٣).
وقوله تعالى: ﴿شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾. إنما سُمِّي عقابًا؛ لأنه يعقب الذنب.
١٢ - قوله تعالى: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾. قال ابن عباس في رواية عكرمة، وسعيد بن جبير، وأبي صالح (٤)، وعطاء (٥): يعني يهود المدينة (٦).
(٢) في (ج): (والحرم).
(٣) في (ج)، (د): (الدم).
(٤) هو: باذام، أو باذان، مولى أم هانىء. تقدمت ترجمته.
(٥) (عطاء): غير مقروءة في: (ج).
(٦) أثر ابن عباس هذا برواية عكرمة وسعيد بن جُبير في: "سنن أبي داود": برقم (٣٠٠١) كتاب "الخراج" باب: كيف كان إخراج اليهود من المدينة "تفسير الطبري" ٣/ ١٩٢، "سيرة ابن هشام" ٢/ ١٧٩، "تفسير الثعلبي" ٣/ ١٢ أ، "أسباب النزول" للواحدي: ص ١٠٠ - ١٠١، "تفسير البغوي" ٢/ ١٣، "لباب النقول" للسيوطي ص ٥١. وورد من رواية الكلبي عن أبي صالح في "تفسير الثعلبي" ٣/ ١٢ أ، "أسباب النزول" للواحدي ص ١٠٠، "تفسير البغوي" ٢/ ١٣. أما رواية عطاء عن ابن عباس، فلم أهتد إلى مصدرها. ونص الأثر في: "سنن أبي داود": (لما أصاب رسولُ الله - ﷺ - قريشًا يوم بدر، وقدم المدينة، جَمَع اليهود في سوق بني قينقاع، فقال: "يا معشَرَ يهودَ، أسلموا قبل أن يصيبكم مثلُ ما أصاب قريشا"
قالوا: يا محمدُ، لا يغرَّنَّكَ من نفسك أنك قتلت نفرًا من قريش كانوا أغمارًا لا يعرفون القتال، إنك لو قاتلتنا لعرفتَ أنَّا نحن الناس، وأنك لم تلق مثلنا، فأنزل الله عز وجل في ذلك ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ﴾

وقال مقاتل (١): هم مشركو مكة. واللفظ يحتمل الفريقين جميعًا. يدل على ذلك قوله: ﴿مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ﴾ [البقرة: ١٠٥] فَفَسَّرَ ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ بالقبيلين، وكذلك قوله: ﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ﴾ [البينة: ١].
وقوله تعالى: ﴿سَتُغْلَبُونَ﴾. يقال: غَلَبَ، غَلَبةً، وغَلَبًا. والغَلَبة أكثر (٢).
قال الفرَّاء (٣): وكان قوله: ﴿مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ﴾ [الروم: ٣]، حُذفت منها الهاء لمَّا أُضيفت (٤)، كما قال: ﴿وَإِقَامِ الصَّلَاةِ﴾ [النور: ٣٧] فحُذفت منها الهاء للإضافة. وفيه قراءتان: الياء والتاء (٥)، وكذلك قوله: ﴿تُحْشَرُونَ﴾. فمن قرأ بالتاء: فللمخاطبة. ويدل (٦) على حُسن (٧) التاء (٨): قوله تعالى (٩): ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ﴾ [النور: ٣].
(٢) انظر: (غلب) في: كتاب "العين": ٤/ ٤٢٠ "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٦٨٢، "اللسان" ٦/ ٣٢٧٨.
(٣) في "معاني القرآن" ٢/ ٣١٩.
(٤) في (ب)، (د): (أضيف).
(٥) في (د): (التاء والياء). قرأ حمزة والكسائي من السبعة بالياء، وقرأ الباقون بالتاء. انظر: "الحجة" للفارسي ٣/ ١٧، "المبسوط" لابن مهران ١٤٠، "حجة القراءات" لابن زنجلة ١٥٤ - ١٥٥، وكتاب "الإقناع" لابن الباذش ٢/ ٦١٨.
(٦) في (د): (يدل).
(٧) في (ج): (صحة).
(٨) من قوله: (ويدل على..) إلى (.. ولم يقل غضوا): نقله عن "الحجة" للفارسي ٣/ ١٨ بتصرف واختصار.
(٩) من قوله: (تعالى..) إلى (.. صحة الياء): ساقط من: (ج).

ومن قرأ بالياء، فالمعنى: بلِّغهم أنهم سيُغلَبون. ويدل على صحة الياء: قوله: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا﴾ [الجاثية: ١٤]، وقوله: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ [النور: ٣٠]، ولم يقل: (غُضُّوا).
قال الفرَّاء (١): مَن (٢) قرأ بالتاء: جعل اليهود والمشركين (٣) داخلين في الخطاب، ثم يجوز في هذا المعنى: الياء، والتاء؛ كما تقول في الكلام: (قل لعبد الله إنه قائم، وإنك قائم) (٤).
وفي حرف عبد الله (٥): (قل للذين كفروا إن ينتَهوا (٦) يُغفَر لكم (٧) ما قد سلف) (٨).
ومن قرأ بالياء: فإنه ذهب إلى مخاطبة اليهود، وإلى أن الغلبة تقع على المشركين، كأنه قيل: (قل يا محمد لليهود: سَيُغلَبُ المُشركون، ويُحشَرون) فليس يجوز في هذا المعنى (٩) إلَّا الياء؛ لأن المشركين غَيبٌ.
وقال غير الفرَّاء (١٠): جعل المخاطبة للفريقين أحسن؛ لجواز وقوع
(٢) في (ج): (ومن).
(٣) في (ج): (المشركين واليهود).
(٤) (وإنك قائم): ساقط م: ن (ج).
(٥) هو عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
(٦) في (ب): (تنتهوا).
(٧) في (ج): (د): (لهم).
(٨) انظر هذه القراءة، في "المحرر الوجيز" ٦/ ٣٠٠، "البحر المحيط" ٤/ ٤٩٤، ووردت فيه: (تنتهوا). والقراءة المتواترة: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [الأنفال: ٣٨].
(٩) في (ج): (الموضع).
(١٠) القائل هو: أبو علي الفارسي في "الحجة" ٣/ ١٩، ونقله المؤلف عنه بتصرف.

(الذين كفروا) عليهما ولأنهما جميعًا مغلوبان: فاليهود غُلِبوا بوضع الجِزْيِ (١) عليهم، والمشركون غُلِبوا بالسيف.
وقال صاحب النظم (٢): من قرأ بالتاء، فالأمر واقع على هذه اللفظة بعينها، أي (٣): قل لهم هذا القول، ومن قرأ بالياء، فالأمر واقع على المعنى دون اللفظ أي قل لهم ما يكون هذا معناه، وإن لم تكن هذه اللفظة بعينها (٤).
قال مقاتل (٥): لما نزلت هذه الآية، قال النبي - ﷺ - للكفار يوم بدر: "إن الله غالبكم وحاشركم إلى جهنم".
وقوله تعالى: ﴿وَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾ قال مجاهد (٦): بئس ما مَهَدوا لأنفسهم.
وقال الحسن (٧): بئس القرار.
وقيل (٨): بئس الفراش المُمَهَّدُ لهم. وقال ابن عباس في رواية
(٢) هو: أبو علي، الحسن بن حييى بن نَصْر الجُرْجاني، وكتابه "نظم القرآن".
(٣) من قوله: (أي..) إلى (.. هذه اللفظة بعينها) ساقطة من (د).
(٤) وانظر في توجيه القراءة بالتاء والياء: "الحجة في القراءات السبع" لابن خالويه ص ١٠٦، "الكشف" لمكي ١/ ٣٣٥.
(٥) قوله في "تفسيره" ١/ ٢٥٦، "تفسير الثعلبي" ٣/ ١٢ أ.
(٦) انظر: "تفسير مجاهد": ١/ ١٢٢، "تفسير الطبري" ٣/ ١٩٣، "تفسير ابن أبي حاتم" ٢/ ٦٠٤.
(٧) لم أهتد إلى مصدر قوله.
(٨) ممن قال بذلك: الزجاج في "معاني القرآن" ١/ ٣٨٠.