قال تعالى: (هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ)، وبين تعالى في آخر الآية أن
فاعل ذلك من الصالحين، والأقرب في مِن أن تكون للتبيين.
وأنهم هم الصالحون، ولذلك قال في الأول (وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
قوله تعالى: (وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (١١٥)
قُرئ بالياء ردَّا إلى قوله: (أُمَّةٌ قَائِمَةٌ).
وقُرئ بالتاء لإِدخال المخاطبين فيهم وتغليبا للخطاب،
وقوله: (فَلَنْ يُكْفَرُوهُ) كقوله: (وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ)
وقوله: (وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ)، كل ذلك تنبيه على
أن عمل المحسنين لا يضيع المدلول بقوله: (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ)، وقوله: (فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ).
وقوله: (إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا).
وأنهم بخلاف الكفار الذين قال فيهم: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ) الآية. وقوله: (هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا) الآية.
وقال الجبّائي: (فَلَنْ يُكْفَرُوهُ) مجاز في هذا الموضع، لأن
وصف الله بانه يشكر مجاز، وقوله ذلك لتصوره الشكر على
وجه واحد، والشكر باعتبار الشاكر والمشكور على ثلاثة أوجه:
شكر الإِنسان لمن فوقه، وذلك بالخدمة والحمد، وشكره لنظيره.
وذلك بالمقابلة، وشكره لمن دونه، وذلك بالإِثابة، ولذلك يمدح
تعالى بأنه شكور، وقال: (وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ)
تنبيهاً أنه يقابله بالشكر الذي هو الثواب، ولعله تصور أن
الشكر لا يكون إلا بالقول، ومن الأدون للأعلى، وذلك فاسد