
الإقامة على مُشَاقَّتِه.
وقوله تعالى: ﴿وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ﴾ فيه وجهان لأصحاب المعاني:
أحدهما: أنهم يبادرونها خوف الفَوْتِ بالموت (١). والآخر: [يعملونها] (٢) غير متثاقلين (٣) فيها (٤).
والسُّرْعة محمودةٌ، بخلاف العَجَلَة؛ وذلك أنَّ (السرعة): التقدم فيما ينبغي أن تتقدم (٥) فيه. ونقيضها مذموم، وهو: (الإبطاء) (٦).
و (العَجَلَة) مذمومة، وهي: التقدم فيما لا ينبغي أن تتقدم (٧) فيه (٨). ونقيضها: (الأَنَاة) (٩)، وهي محمودة.
١١٥ - قوله تعالى: ﴿وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ﴾ موضع ﴿يَفْعَلُوا﴾: جزم بالشرط، وجوابه: ﴿فَلَنْ يُكْفَرُوهُ﴾.
وفيهما قراءتان (١٠):
(٢) ما بين المعقوفين في (أ)، (ب): (يعلمونها). والمثبت من: (ج).
(٣) في (ب): (متشاقين).
(٤) لم أقف على من قال بهذا القول، ممن سبق المؤلف.
(٥) في (ب): (يتقدم).
(٦) انظر: "اللسان" ٤/ ١٩٩٤ (سرع)، "بصائر ذوي التمييز" ٣/ ٢١٤.
(٧) في (ب): يتقدم.
(٨) قال الفيروز آبادي: (والعجلة من مقتضيات الشهوة؛ فلذلك ذُمَّت في جميع القرآن، حتى قيل: إن العجلة من الشيطان. وقوله -تعالى-: ﴿وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى﴾ [طه: ٨٤]، ذُكر أن عجلته -وإن كانت مذمومة- فالذي دعا إليها أمرٌ محمود، وهو: طلب رضا الله). "بصائر ذوي التمييز" ٤/ ٢٣.
(٩) في (ب): (الإناء).
(١٠) قرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم بالياء في ﴿يَفعَلُوا﴾ و ﴿يُكفَرُوهُ﴾.
وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبي بكر عن عاصم، وابن عامر، بالتاء فيهما. وورد عن أبي عمرو القراءة بالياء، والتاء.
انظر: "السبعة" ٢١٥، "الحجة" للفارسي: ٣/ ٧٣، "النشر" ٢/ ٢٤١.

الياءُ؛ للكناية عن الأُمَّةِ القائمة، ثم سائر الخلق داخل في هذا الشرط.
ومن قرأ بالتَّاء؛ فلأن نظائره جاءت بالتَّاء؛ مخاطبة لجميع الخلائق، من غير تخصيص قوم دون قوم؛ كقوله: ﴿وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ١٩٧]، ﴿وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ﴾ (١) [البقرة: ٢٧٢].
ومعنى ﴿فَلَنْ يُكْفَرُوهُ﴾: فلن تعدموا (٢) ثوابه، ولن تُجحَدوا جزاءَه (٣) وسُمِّيَ منعُ الجزاء على عمل الخير كفرًا؛ لأنه بمنزلة الجَحْدِ له، والسَّتْر (٤)؛ لئلا يقع الجزاء عليه. ولمَّا جعل ثواب الطاعة من الله تعالى
وقد أورد هذه الآية في هذا الموضع -في سياق بيان وجه القراءة بالتاء- الفارسيُّ في "الحجة" ٣/ ٧٣ - وهو من مصادر المؤلف في كتابه هذا-، وكذا أوردها مكيُّ في "الكشف" ١/ ٣٥٤.
(٢) في (ب): (تقدموا).
وقوله: (ولن تعدموا ثوابه ولن تجحدوا جزاءه): بنصها في "تفسير الثعلبي" ٣/ ١٠٣أ.
(٣) في (ج): (جزاه). انظر: "تفسير الطبري" ٤/ ٥٧.
(٤) أصل معنى كلمة (كفر): السَّتْر والتغطية. انظر: (كفر) في "تهذيب اللغة" ٤/ ٣١٦٠. "مقاييس اللغة" ٥/ ١٩١.
وعبارة الطبري في بيان معنى الآية: (فلن يغطي على ما فعلوا من خير، فيتركوا بغير مجازاة، ولكنهم يشكرون على ما فعلوا من ذلك فيجزل لهم الثواب). "تفسيره" ٤/ ٥٧، وانظر: "المحرر الوجيز" ٣/ ٢٨٠.