آيات من القرآن الكريم

يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَٰئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ
ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ ﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷ

أجمع منهم. وأنزل كتابه المجيد الذي صار كتاب جميع المسلمين المقدس في كل أقطار الدنيا بلغتهم. وجعل مهبط وحيه في قلب جزيرتهم ومهدهم قبلة يتجه إليها جميع مسلمي الأرض في صلواتهم اليومية العديدة ومحجّا يحجون إليه سنويا من جميع أقطار الأرض أبد الدهر وجعلهم وسطا ليكونوا شهداء على الناس كما جاء في آيتي سورتي البقرة والحج [١٤٣ و ٧٨] ولا يمكن إلّا أن يكون ذلك لحكمة اختصاصية للعرب والله تعالى أعلم.
ولقد أورد الطبري في سياق الآية حديثا رواه بطرقه عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: «سمعت رسول الله ﷺ يقول: ألا إنكم وفيتم سبعين أمة أنتم آخرها وأكرمها على الله». وروى الحديث الترمذي بسند حسن بفرق يسير في بدئه وهو:
«تتمون سبعين أمة... » «١». والكلام النبوي موجه للعرب لأول مرة فيكون فيه تدعيم لما قلناه مساق في سياق الآية والله تعالى أعلم.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١١٣ الى ١١٥]
لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (١١٣) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٤) وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (١١٥)
. (١) لن يكفروه: لن يجحد لهم عملهم وسيقابلون عليه بما يستحق.
من المؤولين من اعتبر جملة لَيْسُوا سَواءً مستقلة عن ما بعدها.
واعتبروا الجملة التالية لها كلاما مستأنفا مستقلا عنها. ومنهم من اعتبر هذه الجملة متصلة بالجملة التالية لها. وأصحاب القول الأول أوّلوا الجملة بأنها في صدد تقرير كون المسلمين وأهل الكتاب الموصوفين بالآيات السابقة لا يصح أن يكونوا

(١) انظر التاج، ج ٤ ص ٧٣، والحديث في تفسير الآية ووارد في فصل التفسير في كتاب التاج.

صفحة رقم 214

سواء. ثم استؤنف الكلام لتقرير كون من أهل الكتاب من هو صالح يتّصف بما جاء في الآيات من صفات. ولو أن ما يفعله هذا الفريق لن يجحد من الله تعالى الذي هو العليم بالمتقين. وأصحاب القول الثاني أوّلوا الآيتين بأنهما في صدد الاستدراك لتقرير كون أهل الكتاب ليسوا سواء. فإذا كان منهم الفاسق المعتدي الذي وصف في الآيات السابقة ضمن الصالح المتقي المؤمن بآيات الله والمتعبّد لله والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر والمسارع في الخيرات.
ويتبادر لنا أن القول الثاني هذا هو الأوجه والأكثر اتساقا مع روح الآيات ومقامها ومع السياق السابق واللاحق. والله تعالى أعلم.
تعليق على الآية لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ... والآيتين التاليتين لها
روى المفسرون كسبب لنزول الآيات أنه لما أسلم عبد الله بن سلام وجماعة آخرون من يهود قالت أحبار اليهود وأهل الكفر منهم ما آمن بمحمد إلّا شرارنا ولو كانوا من خيارنا ما تركوا دين آبائهم فأنزل الله الآيات. كما رووا أنها في وصف حالة أربعين من أهل نجران وثلاثين من الحبشة وثمانية من الروم كانوا نصارى فآمنوا برسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
والروايات لم ترد في الصحاح، ويتبادر لنا أن الآيات استمرار في السياق وتعقيب عليه. فقد جاء في الآيات السابقة أن أهل الكتاب وإن كان أكثرهم فاسقين فإن منهم مؤمنين أيضا ثم أخذت تحمل على الفاسقين وتهوّن من شأنهم فجاءت الآيات تستدرك وتستثني من الحملة الفئة المؤمنة وتذكر مظاهر إيمانهم وإخلاصهم وعملهم الصالح. ونظم الآيات ومضمونها يلهمان هذا بقوة حين الإمعان فيها.
وهذا لا ينفي أن تكون الآيات قد قصدت الذين آمنوا بالرسالة المحمدية من أهل الكتاب الذين ذكرت آيات عديدة مكية ومدنية خبر إيمانهم على ما ذكرناه في

صفحة رقم 215
التفسير الحديث
عرض الكتاب
المؤلف
محمد عزة بن عبد الهادي دروزة
الناشر
دار إحياء الكتب العربية - القاهرة
سنة النشر
1383
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية