
ذلك الذي ذكر من هذه الصفات بسبب أنهم يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء معتقدين أنهم على غير حق فيما يفعلون، إذ يقتلون رجالا يقولون ربنا الله، وفي هذا تشنيع عليهم وأى تشنيع؟! وما جرأهم على ذلك إلا فعل المعاصي واستمرارهم عليها، فإنه يجعل الرّان على قلوبهم ويفضى بهم إلى الوقوع في الكبائر كالكفر وقتل الأنبياء.
ونسبة القتل إلى المعاصرين من اليهود كما قلنا لأنهم منتسبون إلى من فعل هذا الفعل وراضون عنه، بل معتزون بهذا النسب، على أنهم حاولوا قتل النبي صلّى الله عليه وسلّم مرارا.
المؤمنون من أهل الكتاب [سورة آل عمران (٣) : الآيات ١١٣ الى ١١٥]
لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (١١٣) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٤) وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (١١٥)
المفردات:
قائِمَةٌ: مستقيمة عادلة، مأخوذ من قولك: أقمت العود فقام، بمعنى استقام. آناءَ اللَّيْلِ: جمع آن، والمراد: ساعات الليل. يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ: يبادرون إلى فعل الخيرات. يُكْفَرُوهُ: يمنعوه ثوابه.

المناسبة:
لما وصف أهل الكتاب بأن منهم المؤمنين، ومنهم الفاسقين ثم بين حالهم ومآلهم خاصة اليهود، كان من العدل أن يبين حال المؤمنين منهم وإن كانوا قلة.
المعنى:
ليس أهل الكتاب متساوين في أصل الاتصاف بالقبائح، بل منهم من تقدمت صفته. ومنهم أمة مستقيمة على طاعة الله، ثابتة على أمره، من صفاتهم أنهم يتلون آيات الله ويقرءون القرآن خاصة في ساعات الليل وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً (٧٨ الإسراء).
ففي صلاة الليل والتهجد يكثرون من قراءة القرآن وحدهم، حيث ينام الكون كله وحارسه لا ينام- سبحانه وتعالى- وهم يؤمنون بالله واليوم الآخر إيمانا صادقا خالصا لا شبهة فيه ولا نفاق معه، إيمانا بكل ما يجب الإيمان به.
فهم قد كملوا أنفسهم بالقرآن وتلاوته، والإيمان وحلاوته، ثم أرادوا لسمو أنفسهم وطهارة ضميرهم أن يكملوا غيرهم بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، ويبادروا إلى فعل الخيرات بسرعة وبلا إمهال، وهكذا شأن المؤمنين أمثال عبد الله بن سلام ومن على شاكلته، أولئك عند الله من الصالحين الذين صلح حالهم وعلت درجاتهم.
وفي هذا رد على اليهود حيث زعموا أن من آمن منهم هم شرارهم لا خيارهم، إذ لو كان فيهم خير لما آمنوا.
وما يفعلون من الطاعات فلن يحرموا ثوابه، ولن يمنعوا جزاءه. والله شكور عليم بالمتقين، فلن ينسى ولا يهمل، وليس ممن يجهل الجزاء، وهو القادر على كل شيء، البصير بكل عمل.