آيات من القرآن الكريم

وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ ۖ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا ۖ وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ
ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨ ﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ

أحد إنما يُكَلَّمُ ويُعَاتَبُ بِحَسْبِ ما يَخْصُّه، وقالت فرقة: هو إخبار مستأنَفٌ عَنْ حالِ يومِ القيامةِ، وجَاءتْ آيات أُخَرُ تَقْتَضِي السؤالَ، فقالَ الناسُ في هذا: إنها مواطنُ وطوائفُ.
وقِيل غيرُ هذا، ويوم القيامة هو مواطنُ. ثم أخبرَ تعالى عن خُروج قارونَ على قومهِ في زينتِه من الملابِسِ والمَراكِبِ وزينةِ الدنيا وأَكثَرَ النَّاسُ في تحديدِ زينةِ قارونَ وتَعْيِينِها بِمَا لاَ صِحَّةَ لَه فَتَرَكْتُه، وبَاقِي الآيَةِ بَيِّنٌ فِي اغترارِ الجَهَلَةِ والإغْمَارِ مِن النّاس.
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٨٠ الى ٨٢]
وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً وَلا يُلَقَّاها إِلاَّ الصَّابِرُونَ (٨٠) فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ (٨١) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (٨٢)
وقوله سبحانه: وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ... الآية: أخبر تعَالَى عَنْ الذين أوتوا العلم والمعرفةَ باللهِ وبِحَقِّ طاعتِه أَنَّهُمْ زَجَرُوا الأَغْمَارَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا حَالَ قَارُوْنَ وَحَمَلُوهُمْ عَلَى الطَّرِيقَةِ المُثْلَى مِنْ أَنَّ النَّظَرَ والتَّمَنِّي إنَّما يَنْبَغِى أنْ يَكونَ في أمورِ الآخرةِ، وأنَّ حالةَ المؤمنِ العاملِ الذي ينتظرُ ثوابَ اللهِ تعالى خيرٌ مِن حالِ كلِّ ذِي دُنيا.
ثم أخبر تعالى عن هذه النَّزْعَةِ وهذه القوَّةِ في الخير والدينِ أَنَّها «١» لاَ يُلَقَّاها أي: لا يُمَكَّنُ فيها ويُخَوَّلُها إلا الصَّابِرُ عَلى طَاعَةِ الله وعن شهواتِ نفسه وهذا هو جماع الخير كله.
وقال الطبري «٢» : الضمير عائد على الكلمة وهي قوله: ثَوابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً، أي: لا يُلَقَّنُ هذه الكلمة إلا الصابرون وعنهم تصدر، ورُوِيَ في الخسف بقارونَ ودارِه أن موسى عليه السلام لما أمَضَّه فعلُ قارونَ به وتعدّيه عليه استجارَ بالله تعالى وطلب النصرة فأوحى الله إليه، أَني قد أمرتُ الأرض أَنْ تطيعكَ في قارونَ وأتباعه، فقال موسى: يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى الركب، فاستغاثوا: يا موسى يا ٦٠ ب موسى فقال: خذيهم، فأخذتهم شيئاً فشيئاً إلى أن تم الخسفُ بهم/، فأوحى الله إليه:
يا موسى لَوْ بِيَ استغاثوا وإليَّ تابوا لرحمتِهُم. قال قتادةُ وغيره: رُوِيَ أَنه يخسفُ به كل يوم قامةً فهو يتجلجل إلى يوم «٣» القيامة.

(١) في ج: أنهما.
(٢) ينظر: «الطبريّ» (١٠/ ١٠٩).
(٣) أخرجه الطبريّ (١٠/ ١١٢) رقم (٢٧٦٤٤)، وذكره البغوي (٣/ ٤٥٧)، وابن عطية (٤/ ٣٠١)، وابن كثير (٣/ ٤٠١)، والسيوطي (٥/ ٤٥٧).

صفحة رقم 284

ت: وفي الترمذي عن معاذ بن أنس الجهنيّ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «مَنْ تَرَكَ اللَّبَاسَ تَوَاضُعاً لِلَّهِ، وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، دَعَاهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ على رُؤُوسِ الخَلاَئِقِ حتى يُخَيِّرَهُ مِنْ أَيِّ حُلَلِ الإيمَانِ شَاءَ يَلْبَسُهَا» «١». وروى الترمذيُّ عن عَائِشَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: كان لنا قِرَامُ سِتْرٍ فيه تماثيلُ على بابي فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال: «انْزَعِيهِ فَإنَّهُ يُذَكِّرُنِي الدُّنْيَا» «٢»، الحديثَ وروى الترمذيّ عن كعب بن عياض قال: سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلّم يقول: «إنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً، وَفِتْنَةُ أُمَّتِي: المَالُ» «٣» قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح وفيه عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «لَيْسَ لاِبْنِ آدَمَ حَقٌّ فِي سوى هذه الْخِصَالِ: بَيْتٍ يَسْكُنُهُ، وَثَوْبٍ يُوَارِي عَوْرَتَهُ، وجلف الْخَبَزِ والمَاءِ» «٤».
قال النضر بن شميلٍ: «جِلْفُ الخبز» يعني: ليس معه إدام. انتهى. فهذه الأحاديث وأشباهها تزهِّد في زينةِ الدنيا وغضارة «٥» عيشها الفاني.

(١) أخرجه الترمذيّ (٤/ ٦٥٠) كتاب صفة القيامة باب (٣٩) حديث (٢٤٨١)، وأحمد (٣/ ٤٣٩)، والحاكم (٤/ ١٨٣)، وأبو نعيم في «الحلية» (٨/ ٨٤) من طريق أبي مرحوم عبد الرحيم بن ميمون عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه مرفوعا.
وقال الترمذيّ: هذا حديث حسن.
وقال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.
(٢) أخرجه الترمذيّ (٤/ ٦٤٣- ٦٤٤) كتاب صفة القيامة: باب (٣٢) حديث (٢٤٦٨)، والنسائي (٨/ ٢١٣).
كتاب الزينة: باب التصاوير، وأحمد (٦/ ٢٢٦)، والبيهقي (٧/ ٢٦٧) من طريق سعد بن هشام عن عائشة.
وقال الترمذيّ: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه.
(٣) أخرجه الترمذيّ (٤/ ٥٦٩) كتاب الزهد: باب ما جاء أن فتنة هذه الأمة في المال، حديث (٢٣٣٦)، والبخاري في «التاريخ الكبير» (٧/ ٢٢٢)، وأحمد (٤/ ١٦٠)، والحاكم (٤/ ٣١٨)، وابن حبان (٢٤٧٠- موارد)، والطبراني في «الكبير» (١٩/ ١٧٩) رقم (٤٠٤)، والقضاعي في «مسند الشهاب» (٢/ ١٢٤) رقم (١٠٢٢) من حديث كعب بن عياض وقال الترمذيّ: هذا حديث حسن صحيح غريب.
وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وصححه ابن حبان.
(٤) أخرجه الترمذيّ (٤/ ٥٧١- ٥٧٢) كتاب الزهد: باب (٣٠) حديث (٢٣٤١) من طريق حريث بن السائب، قال: سمعت الحسن يقول: حدثني حمران بن أبان عن عثمان بن عفان به.
وقال الترمذيّ: هذا حديث حسن صحيح.
وصححه الحاكم (٤/ ٣١٢) ووافقه الذهبي.
(٥) الغضارة: النعمة والسعة في العيش.
ينظر: «لسان العرب» (٣٢٦٤).

صفحة رقم 285
الجواهر الحسان في تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي
تحقيق
عادل أحمد عبد الموجود
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية