آيات من القرآن الكريم

وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ ۖ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا ۖ وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ
ﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ

قوله: ﴿وَأَصْبَحَ الذين تَمَنَّوْاْ مَكَانَهُ بِالأَمْسِ﴾ أي: صار أولئك الذين تمنوا ما رُزق من المال والزينة يتندمون على ذلك التمني، والعرب تعبِّر عن الصيرورة بأصبح وأمسى وأضحى، تقول: أصبح فلانٌ عالماً، وأضحى معدماً، وأمسى حزيناً، والمعنى صار ذلك زاجراً لهم عن حب الدنيا ومخالفة موسى وداعياً إلى الرضا بقضاء الله وقسمته.
قوله: ﴿وَيْكَأَنَّ الله.... وَيْكَأَنَّ﴾ فيه مذاهب منها: أن وَيْ كلمة رأسها وهي اسم فعلٍ معناها أعجب أي أنا والكاف للتعليل، و «أنْ» وما في حيّزها مجرورة بها، أي: أعجب لأنَّه لا يفلح الكافرون، وسمع كما أنَّه لا يعلم غفر الله له، وقياس هذا القول أن يوقف على «وَيْ» وحدها، وقد فعل ذلك الكسائي، إلا أنه ينقل عنه أنه يعتقد في الكلمة أن أصلها «وَيْلَكَ» كما سيأتي، وهذا ينافي وقفه، وأنشد سيبويه:

٤٠٢٠ - وَيْ كَأَنْ مَنْ يَكُنْ لَهُ نَشَبٌ يُحْ بَبْ وَمَنْ يَفْتَقِرْ يَعِشْ عَيْشَ ضُرٍّ
الثاني: قال بعضهم «كَأَنَّ» هنا للتشبيه إلا أنه ذهب منها معناه، وصارت للخبر والتقين، وأنشد:

صفحة رقم 297

٤٠٢١ - كَأَنَّنِي حِينَ أُمْسِي لاَ يُكَلِّمُنِي مُتَيَّمٌ يَشْتَهِي مَا لَيْسَ مَوْجُودا
وهذا أيضاً يناسبه الوقف على «وَيْ».
الثالث: أن «وَيْكَ» كلمة برأسها والكاف حرف خطاب، وأنَّ معمولة لمحذوف، أي: اعلم أنَّه لا يفلح، قال الأخفش، وعليه قوله:
٤٠٢٢ - وَلَقَدْ شَفَى نَفْسِيَ وَأَبْرَأَ سُقْمَهَا قِيلُ الفَوَارِسِ وَيْكَ عَنْتَرَ أَقْدِمِ
وحقه أن تقف على «وَيْكَ» وقد فعله أبو عمرو بن العلاء.
الرابع: أن أصلها «وَيْلَكَ» فَحُذِفَ، وإليه ذهب الكسائي ويونس وأبو حاتم،

صفحة رقم 298

وحقهم أن يقفوا على الكاف كما فعل أبو عمرو، ومن قال بهذا استشهد بالبيتين المتقدمين، فإنه يحتمل أن يكون الأصل فيهما «وَيْلَكَ» فحذف ولم يرسم في القرآن إلا «وَيْكَأَنَّ» «وَيْكَأَنَّهُ» متصلة في الموضعين. فعامَّة القرَّاء اتبعوا الرسم، والكسائي وقف على «وَيْ» وأبو عمرو على «وَيْكَ» وهذا كله في وقف الاختيار دون الاختبار كنظائر تقدمت.
الخامس: أنَّ وَيْكَأَنَّ كلها كلمة مستقلة بسيطة ومعناها «أَلَمْ تَرَ». وربَّما نقل ذلك عن ابن عباس، ونقل الكسائي والفراء أنها بمعنى: أما ترى إلى صنع الله، قال الفراء: هي كلمة تقرير، وذكر أنه أخبره من سمع أعرابية تقول لزوجها: أين ابنك؟ قال: وَيْ كأنَّه وراء البيت، يعني: أما ترينه وراء البيت، وحكى ابن قتيبة أنها بمعنى: رحمة لك في لغة حمير.
قوله: ﴿لولاا أَن مَّنَّ الله﴾ قرأ الأعمش «لَوْلاَ مَنَّ» بحذف «أنْ» وهي مرادة، لأن لولا هذه لا يليها إلا المبتدأ، وعنه «مَنُّ» برفع لانون وجر الجلالة، وهي واضحة.
قوله: لَخِسَفَ «قرأ حفص:» لَخَسَفَ «مبنياً للفاعل أي الله تعالى، والباقون ببنائه للمفعول، و» بِنَا «هو القائم مقام الفاعل، وعبد الله وطلحة لا نُخُسِفَ بِنَا أي: المكان، وقيل:» بِنَا «هو القائم مقام الفاعل كقولك: انقطع بنا، وهي عبارة رديئة وقيل: الفاعل: ضمير المصدر أي: لا نخفسف الانخساف وهي عنه أيضاً، وعن

صفحة رقم 299

عبد الله» لَتُخُسِّفَ «بتاء من فوق وتشديد السين مبنياً للمفعول، وبنا قائم مقامه.
قوله:»
وَيْكَأَنَّ «كلمة مستعملة عند التنبيه للخطاب وإظهار التندم، فلما قالوا: ﴿ياليت لَنَا مِثْلَ مَآ أُوتِيَ قَارُونُ﴾ [القصص: ٧٩] ثم شاهدوا لاخسف تنبهوا لخطئهم، ثم قالوا: كأنه ﴿يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ بحسب مشيئته وحكمته لا لكرامته عليه، ويضيق على من يشاء لا لهوان من يضيِّق عليه، بل لحكمته وقضائه ابتلاء وفتنة، قال سيبويه: سألت الخليل عن هذا الحرف، فقال:» وَيْ «مفصولة من» كَأَنَّ «وأن القو تنبهوا وقالوا متندمين على ما سلف منهم.
قوله تعالى:»
تِلْكَ الدَّارُ «مبتدأ وصفته، و» نَجْعَلُهَا «هو الخبر، ويجوز أن يكون» الدَّارُ «هو الخبر» نجعَلُهَا «خبراً آخر، وحال والأولى أحسن، وهذا تعظيم لها وتفخيم لشأنها، يعني: تلك التي سمعت بذكرها وبلغك وصفها ﴿لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأرض وَلاَ فَسَاداً﴾ ليفيد أن كلاً منها مستقل في بابه لا مجموعهما، ﴿والعاقبة لِلْمُتَّقِينَ﴾.

صفحة رقم 300
اللباب في علوم الكتاب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو حفص سراج الدين عمر بن علي بن عادل الحنبلي الدمشقي النعماني
تحقيق
عادل أحمد عبد الموجود
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت / لبنان
سنة النشر
1419 - 1998
الطبعة
الأولى، 1419 ه -1998م
عدد الأجزاء
20
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية