
١٠ - وبعد أن أخبر الله سبحانه عن حال من لقيه موسى عليه السلام خبَّر عن حال من فأرقه بقوله: ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى﴾؛ أي: صار قلب أم موسى ﴿فَارِغًا﴾؛ أي: خاليًا عن كل شيء إلا من ذكر موسى وهمَّه، و ﴿أَصْبَحَ﴾ هنا بمعنى صار (١)، والفؤاد القلب، لكن يقال له: فؤاد إذا اعتُبر فيه معنى التفؤد؛ أي: التحرق والتوقد، كما في "المفردات"، و"القاموس"، فالفؤاد من القلب، كالقلب من الصدر، يعني الفؤاد وسط القلب وباطنه الذي يحترق بسبب المحبة ونحوها، وقال بعضهم: الصدر معدن نور الإِسلام، والقلب معدن نور الإيقان، والفؤاد معدن نور البرهان، والنفس معدن القهر والامتحان، والروح معدن الكشف والعيان، والسر معدن لطائف البيان اهـ.
أي: صار فؤاد أم موسى صفرًا من العقل، وخاليًا من اللهم لما غشيها من الخوف والحيرة حين سمعت بوقوع موسى في يد فرعون، دل عليه الربط الآتي، فإنه تعالى قال في وقعة بدر: ﴿وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ﴾ إشارة إلى نحو قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ فإنه لم تكن أفئدتهم هواء؛ أي: خالية فارغة عن العقل والفهم لفرط الحيرة.
وقيل معناه (٢): ناسيًا للوحي الذي أوحى الله - عز وجل - إليها حين أمرها أن تُلقيه في اليم، ولا تخاف ولا تحزن، والعهد الذي عهد إليها أن يرده إليها، ويجعله من المرسلين، فجاءها الشيطان، وقال: كرهت أن يقتل فرعون ولدك فيكون لك أجره وثوابه، وتولَّيتَ أنت قتله، وألقيته في البحر وأغرقته، ولما أتاها الخبر بأن فرعون أصابه في النيل قالت: إنه قد وقع في يد عدوه الذي فررت منه، فأنساها عظم البلاء ما كان من عهد الله إليها، والمعنى الأول أولى، وقال أبو عبيدة: فارغًا من الحزن إذ لم يُغرق، وهذا فيه بُعدٌ، وتُبْعِدُهُ القراءات الشواذُّ التي في اللفظة.
(٢) الخازن.

وقرأ فضالة بن عبيد الأنصاري (١)، والحسمن، ويزيد بن قطيب، وأبو زرعة بن عمرو بن جرير، ومحمد بن السميقع، وأبو العالية، وابن محيصن: ﴿فزعًا﴾ بالفاء والزاي والعين المهملة من الفزع؛ أي: خائفًا وجلًا.
وقرأ ابن عباس: ﴿قرعًا﴾ بالقاف المفتوحة والراء المهملة المكسورة والعين المهملة، من قرع رأسه إذا انحسر شعره، كأنه خلا من كلا شيء إلا من ذكر موسى، وقيل: ﴿قرعًا﴾ من القارعة، وهي الهم العظيم، وقرأ بعض الصحابة ﴿فزغًا﴾ بالفاء المكسورة والزاي الساكنة والغين المنقوطة، ومعناه ذاهبًا هدرًا تالفًا من الهم والحزن، وقرأ الخليل بن أحمد ﴿فُرُغًا﴾ بضم الفاء والراء.
﴿إِنْ﴾؛ أي: إنها، فإن شأنية ﴿كَادَتْ﴾؛ أي: قاربت (٢) من ضعف البشرية وفرط الاضطراب ﴿لَتُبْدِي بِهِ﴾؛ أي: لتظهر بموسى، وأنه ابنُها، وتُفشي سرها، وأنها ألقته في النيل، قال في "كشف الأسرار": الباء زائدة؛ أي: تُبديه، أو المفعول مقدر؛ أي: تُبدي القول به؛ أي: بسبب موسى.
﴿لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا﴾ أي: شددنا عليه بالصبر والثبات بتذكير ما سبق من الوعد، وهو رده إليها، وجعله من المرسلين، ﴿لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾؛ أي: من المصدقين بما وعدها الله بقوله: ﴿إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ﴾ ولم يقل من المؤمنات تغليبًا للذكور، وفيه إشارة إلى أن الإيمان من مواهب الحق، إذ المبني على الموهبة وهو الوحي أولًا، ثم الربط بالتذكير ثانيًا موهبة، وجواب لولا محذوف، تقديره: لولا أن ربطنا على قلبها لأبدت به، واللام في قوله: ﴿لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ متعلق بربطنا، وهذا شبيه بقوله: ﴿وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾.
والمعنى: أي أنها حين سمعت بوقوعه في يد فرعون طار عقلها شُعاعًا لما دهمها من الجزع والحزن، وتوقع الهلاك الذي لا مندوحة منه جريًا على عادته مع أنداده ولداته، ولولا أن عصمناها، وثبتنا قلبها لأعلنت أمرها، وأظهرت أنه
(٢) روح البيان.