آيات من القرآن الكريم

وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا ۖ إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
ﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ

وقال الكلبي: ﴿وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ لا أنه ولدنا (١).
١٠ - وقوله: ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا﴾ قال أكثر المفسرين: ﴿فَارِغًا﴾ من كل شيء من هم الدنيا والآخرة إلا هم موسى وذكره؛ وهذا قول ابن عباس في جميع الروايات، ومجاهد ومقاتل وعكرمة وقتادة والحسن وسعيد بن جبير والكلبي (٢)، واختيار الفراء وأبي إسحاق؛ قال الفراء: ﴿فَارِغًا﴾ لهمِّ موسى، فليس يخلط همّ موسى شيء (٣).
وقال محمد بن إسحاق، وعبد الرحمن بن زيد: ﴿فَارِغًا﴾ من الوحي الذي أوحى الله إليها، والعهد الذي عهده إليها أن يرده عليها؛ وذلك أنها لما رأت موسى يرفعه موج، ويخفضه آخر جزعت، وأتاها الشيطان فوسوس لها، وقال: لو قتله فرعون كان للآخرة، وقد توليت قتله بالإلقاء في اليم. ثم لما أتاها الخبر بأن موسى وقع في يد آل فرعون (٤)، قالت: قد

(١) ذكره عنه الثعلبي ٨/ ١٤١ ب. وذكر الوجهين الفراء. "معاني القرآن" ٢/ ٣٠٣. وفي "تنوير المقباس" ٣٢٤: بنو إسرائيل لا يعلمون أنه ليس منا، ويقال: وهم لا يشعرون أن هلاكهم على يديه. والقول الأول الذي عليه أكثر المفسرين هو الأقرب. والله أعلم.
(٢) نسب الثعلبي ٨/ ١٤١ ب هذا القول لأكثر المفسرين. وذكره البخاري عن ابن عباس معلقًا بصيغة الجزم ٨/ ٥٠٦. وأخرجه عنه الحاكم ٢/ ٤٤١، رقم ٣٥٢٩. وأخرجه عبد الرزاق ٢/ ٨٨، عن قتادة، وأبي عمران الجوني. وهو في "تفسير مقاتل" ٦٣ ب. و"تنوير المقباس" ٣٢٣. وأخرجه أبو يعلى ٥/ ١٢، من طريق سعيد بن جبير. وهو جزء من الحديث الطويل حديث الفتون، الذي سبق الحديث عنه قريبا.
(٣) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٣٠٣. و"معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٣٤. واختاره ابن الأنباري، في كتابه "الأضداد" ٢٩٩.
(٤) أخرجه عنهما وعن الحسن ابن جرير ٢٠/ ٣٦، وأخرجه ابن أبيِ حاتم ٩/ ٢٩٤٦ عن ابن إسحاق فقط. وذكره عن الحسن وأبو إسحاق وابن زيد الثعلبي ٨/ ١٤١ ب.

صفحة رقم 339

وقع في يد عدوه الذي فررت به منه، فأنساها عظيم البلاء ما كان من عهد الله إليها. وهذا أيضًا قول مرضيّ.
وقال أبو عبيدة: ﴿فَارِغًا﴾ من الحزن، لعلمها أنه لم يقتل، ولم يغرق (١).
قال ابن قتيبة: وهذا من أعجب التفسير، كيف يكون فؤادها فارغًا من الحزن في وقتها ذاك، والله تعالى يقول: ﴿لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا﴾ وهل يربط إلا على قلب الجازع المحزون؟ قال: والعرب تقول للجبان، والخائف: فؤاده هواء. لأنه لا يعي عزمًا، ولا صبرًا، وقد خالفه المفسرون إلى الصواب؛ فقالوا: ﴿فَارِغًا﴾ من كل شيء إلا من أمر موسى؛ كأنها لم تهتم بشيء مما يهتم به الحيُّ إلا أمرَ ولدها. انتهى كلامه (٢).
ووجه قول المفسرين ما ذكر؛ وهو: أن قلبها صار فارغًا من الصبر والعزم، وإنما قال المفسرون: إلا (٣) من ذكر موسى، لدلالة باقي الآية عليه؛ وهو قوله -عز وجل-: ﴿إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ﴾ قال ابن عباس في رواية عطاء: كادت تخبر أن هذا (٤) الذي وجدتموه في التابوت هو ابني.

(١) "مجاز القرآن" ٢/ ٩٨. وذكر هذا القول ابن الأنباري، "الأضداد" ٢٩٨، عن بعض أهل اللغة، ولم يسمه، وجعل هذا الاختلاف مما يفسر من القرآن تفسيرين متضادين، وذكر القولين النيسابوري، "وضح البرهان" ٢/ ١٤٦، وصدر القول الثاني بـ: قيل.
(٢) "غريب القرآن" ٣٢٨. ويشهد له ما ذكره الفراء بإسناده عن فضالة بن عبيد -رضي الله عنه- أنه قرأ: ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا﴾ من الفزع. "معاني القرآن" ٢/ ٣٠٣، وذكر هذه القراءة ابن جرير ٢٠/ ٣٧، ورد قول أبي عبيدة بقوله: وهذا لا معنى له؛ لخلافه قول جميع أهل التأويل.
(٣) كلمة: إلا، ساقطة من نسخة: (ب).
(٤) هذا، ساقطة من نسخة: (ب).

صفحة رقم 340

وقال في رواية عكرمة، وسعيد بن جبير: كادت تقول (١): وابناه، من شدة وجْدِها به (٢).
وقال مقاتل: خشيت عليه الغرق، وكادت تصيح شفقة عليه، فذلك قوله: ﴿إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ﴾ تقول: إن همت لتشعر أهل مصر بموسى أنه ولدها (٣).
وعن مُغِيثِ بن سُمَيّ: كادت تقول: أنا أمه (٤).
وقال أبو إسحاق: إن كادت لتظهر أنه ابنها (٥).
وقال الفراء: ﴿إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ﴾ يعني: باسم موسى أنه ابنها؛ وذلك أن صدرها ضاق بقول آل فرعون: هو ابن فرعون، فكادت تبدي به؛ أي: تظهره (٦).
وهذا معنى قول الكلبي (٧)؛ فالكناية من ﴿بِهِ﴾ تعود على اسم موسى على قول هؤلاء؛ وهو الصحيح. وسبب الإبداء مختلَف فيه، فعند بعضهم:

(١) تقول، ساقطة من نسخة: (ب).
(٢) رواية عكرمة أخرجها ابن أبي حاتم ٩/ ٢٩٤٧، والثعلبي ٨/ ١٤١ب ورواية سعيد ابن جبير أخرجها ابن جرير ٢٠/ ٣٧، وابن أبي حاتم ٩/ ٢٩٤٧، والحاكم ٢/ ٤٤١، رقم: ٣٥٢٩. ولم أجد رواية عطاء.
(٣) "تفسير مقاتل" ٦٣ ب.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم ٩/ ٢٩٤٧.
مغيث بن سُمي، الأوزاعي، أبو أيوب الشامي، ثقة، روى عن عمر -رضي الله عنه- مرسلاً، وروى عن ابن عمر وطائفة، وروى عنه: زيد بن واقد، وعبد الرحمن بن يزيد، وغيرهم. "الكاشف" ٣/ ١٤٧، و"تقريب التهذيب" ٩٦٤.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٣٤.
(٦) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٣٠٣. و"تفسير ابن جرير" ٢٠/ ٣٨.
(٧) ذكره عنه الثعلبي ٨/ ١٤١ ب. وهو في "تنوير المقباس" ٣٢٣.

صفحة رقم 341

وَجْدًا به. وعند مقاتل: شفقةً عليه من الغرق. وعند الكلبي ضيق صدرها (١) بما تسمع من قولهم: موسى بن فرعون (٢).
ويقال أبدى الشيء، ودخلت الباء هاهنا؛ لأنه أريد بالإبداء: الإخبار والإشعار، يدل على هذا ما روي في حرف عبد الله: إن كادت لتشعر به (٣).
﴿لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا﴾ بالصبر واليقين والإيمان؛ قاله ابن عباس ومقاتل وقتادة (٤).
قال الزجاج: ومعنى الربط على القلب: إلهام الصبر وتشديده وتقويته (٥). وذكرنا هذا عند قوله: ﴿وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ﴾ [الأنفال: ١١] (٦).
وقوله: ﴿لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ أي: من المصدقين بوعد الله حين قال لها: ﴿إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ قاله مقاتل والمفسرون (٧).

(١) في النسخ الثلاث: ضيق صدر.
(٢) ذكره عنه الثعلبي ٨/ ١٤١ ب.
(٣) ذكر هذه القراءة الفراء ٢/ ٣٠٣.
(٤) أخرجه عبد الرزاق ٢/ ٨٨، عن قتادة. وكذا ابن جرير ٢٠/ ٣٨، وابن أبي حاتم ٩/ ٢٩٤٧. و"تفسير مقاتل" ٦٣ ب.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٣٤. وذكره القاضي عبد الجبار في "متشابه القرآن" ٥٤٣.
(٦) قال الواحدي: معنى الربط في اللغة: الشد، ذكرنا ذلك في قوله: ﴿وَرَابِطُوا﴾ [آل عمران: ٢٠٠] ويقال لكل من صبر على أمر: ربط قلبه، كأنه حبس قلبه عن أن يضطرب، ويقال: رجل رابط الجأش؛ قال الأصمعي: هو الذي يربط نفسه يكفها بجرأته وشجاعته.
(٧) "تفسير مقاتل" ٦٣ ب. وأخرجه ابن جرير ٢٠/ ٣٨، وابن أبي حاتم ٩/ ٢٩٤٧، عن سعيد بن جبير والسدي. و"تفسير الثعلبي" ٨/ ١٤٢ أ.

صفحة رقم 342
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية