
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَأصْبح﴾ قيل: وَأصْبح أَي: صَار، وَيُقَال: هُوَ على حَقِيقَته، واستعماله فِي هَذَا الْموضع على طَرِيق الْمجَاز، وَمَعْنَاهُ: أَصبَحت أم مُوسَى وفؤادها فَارغًا، وَاخْتلف القَوْل فِي قَوْله ﴿فَارغًا﴾ الْأَكْثَرُونَ على أَن المُرَاد بِهِ فَارغًا من كل شَيْء إِلَّا من ذكر مُوسَى والوجد عَلَيْهِ، هَذَا قَول ابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَمُجاهد
صفحة رقم 124
﴿فَارغًا إِن كَادَت لتبدي بِهِ لَوْلَا أَن ربطنا على قَلبهَا لتَكون من الْمُؤمنِينَ (١٠) وَقَالَت لأخته قصيه فبصرت بِهِ عَن جنب وهم لَا يَشْعُرُونَ (١١) وحرمنا عَلَيْهِ المراضع من﴾ وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك وَغَيرهم.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن قَوْله: ﴿فَارغًا﴾ أَي: فَارغًا من الْحزن عَلَيْهِ لعلمها بِصدق وعد الله تَعَالَى، وَهَذَا قَول أبي عُبَيْدَة، وَأنكر القتيبي وَغَيره هَذَا القَوْل، وَقَالُوا: كَيفَ يَصح هَذَا وَالله تَعَالَى يَقُول: ﴿إِن كَادَت لتبدي بِهِ لَوْلَا أَن ربطنا على قَلبهَا﴾ ؟ وَالْقَوْل الثَّالِث: " فَارغًا " أَي: نَاسِيا للوحي الَّذِي أنزل عَلَيْهَا، والعهد الَّذِي أَخذ عَلَيْهَا بألا تحزني من شدَّة البلية عَلَيْهِ، وَهَذَا معنى قَول الْحسن، وَقُرِئَ فِي الشاذ: " فَزعًا "، وَقد بَينا أَن معنى قَوْله: ﴿فَأصْبح﴾ أَي: صَار، وأنشدوا فِي هَذَا شعرًا:
(مضى الْخُلَفَاء بِالْأَمر الرشيد | وأصبحت المذمة للوليد) |
وَقَوله: ﴿لَوْلَا أَن ربطنا على قَلبهَا﴾ أَي: بِالصبرِ، وَقيل: بِالْإِيمَان بالوعد، وَقيل: بالعصمة.
وَقَوله: ﴿لتَكون من الْمُؤمنِينَ﴾ أَي: من المصدقين، صفحة رقم 125