آيات من القرآن الكريم

فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ
ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠ ﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧ ﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱ ﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛ ﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭ

الوازِع «١» ومنه قولُ الشاعر: [الطويل]
على حِينَ عَاتَبْتُ المَشِيبَ عَلَى الصِّبَا... فَقُلْتُ: أَلَمَّا أَصْحُ وَالشَّيْبُ وَازِعُ «٢»
أي: كافٌّ، وهَكَذا نقل ابنُ العربيِّ «٣» عن مَالكٍ فقال: يُوزَعُونَ أي: يُكَفَّونَ.
قال ابن العربي «٤» : وقد يكُونُ بمعنى يُلهَمُونَ من قوله «أَوْزِعْنِي أن أَشكُرَ نعمَتَكَ» أي: ألهمني، انتهى من «الإحكام».
[سورة النمل (٢٧) : الآيات ١٨ الى ٢٤]
حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٨) فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ (١٩) وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ (٢٠) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٢١) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (٢٢)
إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ (٢٣) وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ (٢٤)
وقولُه تَعَالَى: فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها التبسمُ هو ضِحْكُ الأنبيَاءِ في غالِبِ أمْرهم لا يَليقُ بهم سِوَاهُ، وكان تَبَسُّمُه سروراً بنعمَةِ الله تَعالى عَلَيهِ في إسماعِهِ وتفهيمهِ.
وفي قول النملة: وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ثناءٌ على سليمانَ وجنودِه يتضمنُ تنزيهِهم عن تعمدِ القبيحِ. ثم دعا سليمانُ عليه السلام ربَّه أنْ يُعينَه ويُفَرِّغَهُ لشُكرِ نعمتهِ، وهذا معنى إيزاعِ الشُّكرِ، وقال الثعلبيُّ وغيرَه: «أوزِعْنِي» معناه: ألهِمْنِي، وكذلك قال العراقيّ: أَوْزِعْنِي ألهمني، انتهى.

(١) ذكره ابن عطية (٤/ ٢٥٣).
(٢) البيت للنابغة الذبياني في «ديوانه» ص (٣٢) و «الأضداد» ص (١٥١) و «جمهرة اللغة» ص (١٣١٥) و «خزانة الأدب» (٢/ ٤٥٦)، (٣/ ٤٠٧)، (٦/ ٥٥٠)، (٥٥٣) و «الدرر» (٣/ ١٤٤) و «سرّ صناعة الإعراب» (٢/ ٥٠٦) و «شرح أبيات سيبويه» (٢/ ٥٣) و «شرح التصريح» (٢/ ٤٢) و «شرح شواهد المغني» (٢/ ٨١٦)، (٨٨٣) و «الكتاب» (٢/ ٣٣٠)، و «لسان العرب» (٨/ ٣٩٠) (وزع)، (٩/ ٧٠) (خشف) و «المقاصد النحويّة» (٣/ ٤٠٦)، (٤/ ٣٥٧) وبلا نسبة في «الأشباه والنظائر» (٢/ ١١١) و «الإنصاف» (١/ ٢٩٢) و «أوضح المسالك» (٣/ ١٣٣) و «رصف المباني» ص (٣٤٩) و «شرح الأشموني» (٢/ ٣١٥)، (٣/ ٥٧٨) و «شرح شذور الذهب» ص (١٠٢) و «شرح ابن عقيل» ص (٣٨٧) و «شرح المفصّل» (٣/ ١٦، ٤/ ٥٩١، ٨/ ١٣٧) و «مغني اللبيب» ص (٥٧١) و «المقرب» (١/ ٢٩٠، ٢/ ٥١٦) و «المنصف» (١/ ٥٨) و «همع الهوامع» (١/ ٢١٨).
واستشهد فيه بقوله: «على حين»، حيث يجوز في «حين» الإعراب وهو الأصل، والبناء لأنّه أضيف إلى مبنيّ، وهو الفعل الماضي «عاتب».
(٣) ينظر: «أحكام القرآن» (٣/ ١٤٥٠).
(٤) ينظر: «أحكام القرآن» (٣/ ١٤٥٠).

صفحة رقم 246

وقوله تعالى: وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ... الآية، قالت فرقةٌ: ذلك بحسْبِ ما تقتَضِيه العنايةُ بالمَمْلَكَةِ والتَّهمُّمِ بكل جُزْءٍ منها، وهذا ظاهر الآيةِ أنَّه تَفَقَّدَ جميعَ الطيرِ، وقالت فِرقةٌ: بل تَفَقَّدَ الطيرَ لأَنَّ الشَّمْسَ دَخَلَتْ مِنْ مَوضِعِ الهُدْهُدِ فكان ذلك سببَ تفقدِ الطيرِ ليَبِينَ مِنْ أين دَخَلَتِ الشمسُ، وقال عبدُ اللهِ بن سلاَم: إنما طلبَ الهدهدَ لأنه احتاجَ إلى معرفةِ الماءِ على كَم هو مِنْ وَجهِ الأرضِ لأنه كانَ نَزَلَ في مفازةٍ عَدِمَ فيها الماءَ، وأن الهُدْهُدَ كان يَرَى بَاطِنَ الأرضِ وظاهرَها فكان يخبرُ سليمانَ بموضع الماءِ، ثم كانتِ الجنُّ تُخْرجُه في ساعةٍ، وقيل غير هذا والله أعلم بما صح من ذلك. ثم توعد- عليه السلام- الهدهدَ بالعذابِ فروي عن ابن عباس وغيره: أن تعذيبَه للطير كانَ بنتفِ ريشِه «١». والسلطانُ:
الحجةُ حيث وقع في القرآن [العظيم] قاله ابن «٢» عباس. وفعلَ سليمانُ هذا بالهدهدِ إغلاظاً على العاصينَ وعِقَاباً على إخلاله بنبوته ورتبته، والضميرُ في فَمَكَثَ يحتملُ أن يكونَ لسليمانَ أو للهدهدِ، وفي قراءة ابن مسعود «٣» «فتمكث ثم جاء فقال» وفي قراءة أُبَيِّ «٤» «فتمكث ثم قال أحطت».
ت: وهاتان القراءتان تُبَيِّنَانِ أن الضميرَ في «مكث» للهدهدِ وهو الظاهرُ أيضاً في قراءة الجماعة، ومعنى مكثَ: أقامَ.
وقوله: غَيْرَ بَعِيدٍ يعني: في الزمن.
وقوله: أَحَطْتُ أي: عَلِمْتُ.
وقرأ الجمهورُ «٥» «سبأٍ» بالصرف على أنه اسمُ رجل وبه جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلّم من حديث فروةَ بن مسيك وغيره، سُئِلَ- عليه السلامُ- عَنْ سَبَإٍ فَقَالَ: «كَانَ رَجُلاً لَهُ عَشَرَةٌ مِنَ الْوَلَدِ تَيَامَنَ مِنْهُمْ سِتَّةٌ وَتَشَاءَمَ أرْبَعَة» «٦». ورواه الترمذي من طريقِ فروة بن

(١) أخرجه الطبريّ (٩/ ٥٠٦) رقم (٢٦٩١١)، وذكره ابن عطية (٤/ ٢٥٥)، وابن كثير (٣/ ٣٦٠)، والسيوطي (٥/ ١٩٧)، وعزاه لعبد الرزاق، والفريابي، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن المنذر، والحاكم عن ابن عباس.
(٢) أخرجه الطبريّ (٩/ ٥٠٧) رقم (٢٦٩٢٤)، وذكره ابن عطية (٤/ ٢٥٥)، والسيوطي (٥/ ١٩٧)، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير عن عكرمة، قال: قال ابن عباس.
(٣) ينظر: «المحرر الوجيز» (٤/ ٢٥٥).
(٤) ينظر: «المحرر الوجيز» (٤/ ٢٥٥).
(٥) ينظر: «المحرر الوجيز» (٤/ ٢٥٥)، و «البحر المحيط» (٧/ ٦٣).
(٦) أخرجه الترمذيّ (٥/ ٣٦١) كتاب التفسير: باب ومن سورة سبأ، حديث (٣٢٢٢) من حديث فروة بن مسيك.
وقال الترمذيّ: هذا حديث حسن غريب.
وسيأتي تخريجه بأوسع من هنا في سورة سبأ.

صفحة رقم 247
الجواهر الحسان في تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي
تحقيق
عادل أحمد عبد الموجود
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية