
طير من الطيور ولم يخف عليه غيبته ساعة ثم غاية شفقته على الرعية أحال النقص والتقصير الى نفسه فقال (ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ) وما قال ما للهدهد لم أره لرعاية مصالح الرعية وتأديبهم قال (أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ) يعنى من الذين غابوا عنى بلا اذنى وفى حياة الحيوان الهدهد منتن الريح طبعا لانه يبنى افحوصه فى الزبل وهذا عام فى جنسه وان بخر المجنون بعرف الهدهد ابرأه ولحمه إذا بخر به معقود عن المرأة او مسحور ابرأه وفى الفتاوى الزينية سئل عن أكل الهدهد أيجوز أم لا أجاب نعم يجوز انتهى. ثم هدده ان لم يكن عذر لغيبته فقال لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً العذاب الايجاع الشديد وعذبه تعذيبا اكثر حبسه فى العذاب اى لاعذبنه تعذيبا شديدا كنتف ريشه والقائه فى الشمس او حيث النمل تأكله او جعله مع ضده فى قفص وقد قيل أضيق الشجون معاشرة الاضداد او بالتفريق بينه وبين الفه بالفارسية [جفت] وقيل لازوجنه بعجوز كما فى انسان العيون او لا لزمنه خدمة اقران [يا از خدمت خودش بر آنم] كما قال فى التأويلات لاعذبنه بالطرد عن الحضرة والاسقاط عن عينى الرضى والقبول وفى الاسئلة المقحمة ما معنى هذا الوعيد لمن لم يكن مكلفا بشىء والجواب هذا الوعيد بعذاب تأديب وغير المكلف يؤدب كالدابة والصبى وكان يلزمه طاعته فاستحق التأديب على تركها وفى التأويلات النجمية يشير الى ان الطير فى زمانه كانت فى جملة التكليف ولها وللمسخرين لسليمان من الحيوان والجن والشياطين تكاليف تناسب أحوالهم ولهم فهم وادراك واحوال كاحوال الإنسان فى قبول الأوامر والنواهي معجزة لسليمان عليه السلام أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ لتعتبر به أبناء جنسه او حتى لا يكون له نسل وفى التأويلات او لاذبحنه فى شدة العذاب واصل الذبح شق حلق الإنسان أَوْ لَيَأْتِيَنِّي أصله ليأتيننى بثلاث نونات حذفت النون التي قبل ياء المتكلم بِسُلْطانٍ مُبِينٍ بحجة تبين عذره: وبالفارسية [يا بيايد بمن بحجتي روشن كه سبب غيبت او كردد] يشير الى ان حفظ المملكة يكون بكمال السياسة وكمال العدل فلا يتجاوز عن جرم المجرمين ويقبل منهم العذر الواضح بعد البحث عنه والحلف فى الحقيقة على أحد الأولين على عدم الثالث فكلمة او بين الأولين للتخيير وفى الثالث للترديد بينه وبينهما- حكى- انه لما أتم بناء بيت المقدس خرج للحج واقام بالحرم ما شاء وكان يتقرب كل يوم طول مقامه بخمسة آلاف ناقة وخمسة آلاف بقرة وعشرين الف شاة ثم عزم على المسير الى اليمن فخرج من مكة صباحا يؤم سهيلا فوافى صنعاء اليمن وقت الزوال وذلك مسيرة شهر فرأى أرضا حسناء أعجبته خضرتها فنزل يصل فلم يجد الماء وكان الهدهد دليل الماء حيث يراه تحت الأرض كما يرى الماء فى الزجاجة ويعرف قربه وبعده فيدل على موضعه بان ينقره بمنقاره فيجيىء الشياطين فيسلخون الأرض كما يسلخ الإهاب عن المذبوح ويستخرجون الماء فتفقده لذلك واما انه يوضع الفخ ويغطى بالتراب فلا يراه حتى يقع فيه فلان القدر إذا جاء يحول دون البصر وقد كان حين نزل سليمان ارتفع الهدهد الى الهواء لينظر الى عرصة الدنيا فرأى هدهد آخر اسمه عنفير واقفا فانحط اليه اى فى الهواء فوصف له ملك سليمان وما سخر له من كل شىء ووصف له صاحبه ملك بلقيس وان تحت يدها اثنى عشر
صفحة رقم 337
الف قائد تحت يد كل قائد مائة الف فذهب معه لينظر فما رجع الا بعد العصر وذلك قوله تعالى فَمَكَثَ المكث ثبات مع انتظار غَيْرَ بَعِيدٍ اى زمانا غير مديد يشير الى ان الغيبة وان كانت موجبة للعذاب الشديد وهو الحرمان من سعادة الحضور ومنافعه ولكنه من امارات السعادة سرعة الرجوع وتدارك الفائت وذكر انه أصابه من موضع الهدهد شمس فنظر فاذا موضعه خال فدعا عريف الطير وهو النسر فسأله عنه فلم يجد علمه عنده ثم قال لسيد الطير وهو العقاب علىّ به فارتفعت فنظرت فاذا هو مقبل فقصدته فناشدها الله تعالى وقال بحق الذي قواك وأقدرك الا رحمتنى فتركته وقالت ثكلتك أمك ان نبى الله حلف ليعذبنك قال أو ما استثنى قالت بلى قال أو ليأتينى بعذر مبين فلما قرب من سليمان ارخى ذنبه وجناحيه يجرهما على الأرض تواضعا له فلما دنا منه أخذ عليه السلام برأسه فمده اليه فقال يا نبى الله اذكر وقوفك بين يدى الله فارتعد سليمان [وكفته اند كه با هدهد كفت چهـ كويى كه پر وبالت بكنم وترا بآفتاب گرم افكنم هدهد كفت دانم كه نكنى كه اين كار صيادانست نه كار پيغمبر آن سليمان كفت كلوت ببرم كفت دانم كه نكنى كه اين كار قصابانست نه كار پيغمبران كفت ترا با ناجنس در قفص كنم كفت اين هم نكنى كه اين كار نا جوانمردانست و پيغمبران نا جوانمرد نباشند سليمان كفت اكنون تو بكوى كه با تو چهـ كنم كفت عفو كنى ودر كذار كه عفو كار پيغمبران وكريمانست] فعفا عنه ثم سأله فَقالَ أَحَطْتُ الإحاطة العلم بالشيء من جميع جهاته بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ اى علما ومعرفة وحفظته من جميع جهاته وذلك لانه كان مما لم يشاهده سليمان ولم يسمع خبره من الجن والانس يشير الى سعة كرم الله ورحمته بان يختص طائرا بعلم لم يعلمه نبى مرسل وهذا لا يقدح فى حال النبي والرسول بان لا يعلم علما غير نافع فى النبوة فان النبي عليه السلام كان يستعيذ بالله منه فيقول (أعوذ بك من علم لا ينفع) والحاصل ان الذي أحاط به الهدهد كان من الأمور المحسوسة التي لا تعد الإحاطة بها فضيلة ولا الغفلة عنها نقيصة لعدم توقف إدراكها الا على مجرد احساس يستوى فيه العقلاء وغيرهم وفى الاسئلة المقحمة هذا سوء ادب فى المخاطبة فكيف واجهه بمثله وقد احتمله والجواب لانه عقبه بفائدة والخشونة المصاحبة لفائدة قد يحتملها الأكابر انتهى. ثم أشار الى انه بصدد اقامة خدمة مهمة له كما قال وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ [وآمدم بتو از شهر سبا كه مآرب كويند] بِنَبَإٍ يَقِينٍ بخبر خطير محقق لا شك فيه يشير الى ان من شرط المخبر ان لا يخبر عن شىء الا ان يكون متيقنا فيه سيما عند الملوك. وسبأ منصر على انه اسم لحى باليمن سموا باسم أبيهم الأكبر وهو سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان قالوا اسمه عبد الشمس لقب به لكونه أول من سبى ثم سمى مدينة مأرب بسبأ وبينها وبين صنعاء مسيرة ثلاثة ايام وقيل ان سبأ أول من تتوج من ملوك اليمن وكان له عشرة من البنين تيامن منهم ستة وتشاءم منهم اربعة: يعنى [چهار از ايشان در شام مسكن داشتند لخم وجذام وعامله وغسان وشش در يمن كنده وأشعر وأزد ومذحج وانمار] قالوا يا رسول الله وما انمار قال (والد خثعم وبجيلة) وقال فى المفردات سبأ اسم مكان تفرق اهله ولهذا يقال ذهبوا أيادي سبأ اى تفرقوا
صفحة رقم 338