
قوله: ﴿فَمَكَثَ﴾ : قرأ عاصم بفتحِ الكافِ. والباقون بضمِّها. وهما لغتان. إلاَّ أنَّ الفتحَ أشهرُ، ولذلك جاءت الصفة على «ماكِث» دون مَكِيْث. واعْتُذِر عنه بأنَّ فاعِلاً قد جاء لفَعُل بالضمِّ نحو: حَمُض فهو حامِض، وخَثُرَ فهو خاثِرٌ، وفَرُهَ فهو فارِهٌ.
قوله: ﴿غَيْرَ بَعِيدٍ﴾ يجوزُ أَنْ يكونَ صفةً للمصدرِ أي: مُكْثاً غيرَ بعيدٍ، وللزمان أي: زماناً غيرَ بعيدٍ، وللمكان أي: مكاناً غيرَ بعيدٍ. والظاهرُ أنَّ الضمير في «مكث» للهُدْهُدِ. وقيل: لسليمان عليه السلام.

قوله: ﴿مِن سَبَإٍ﴾ : قرأ البَزِّيُّ وأبو عمروٍ بفتحِ الهمزةِ، جعلاه اسماً للقبيلة، أو البُقْعَةِ، فَمَنَعاه من الصرفِ للعَلَمِيَّةِ والتأنيث. وعليه قولُه:
٣٥٥٤ - مِنْ سَبَأَ الحاضرينَ مَأْرِبَ إذ | يَبْنُون مِنْ دونِ سَيْلِها العَرِما |
٣٥٥٥ - الوارِدُون وتَيْمٌ في ذُرا سَبَأٍ | قد عَضَّ أعناقََهم جِلْدُ الجواميسِ |

الحق وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ} [غافر: ٧٥] وفي الحديث: «الخيلُ مَعْقُوْدٌ بنواصِيها الخيرُ».
وقال آخر:
٣٥٥٦ - للهِ ما صَنَعَتْ بنا | تلك المَعاجِرُ والمحَاجِرْ |

غيرُه: إنَّ الترِديدَ عبارةٌ عن رَدِّ أعجاز البيوت على صدورِها، أو رَدِّ كلمةٍ من النصفِ الأولِ إلى النصف الثاني. فمثالُ الأولِ قولُه:
٣٥٥٧ - سَريعٌ إلى ابنِ العَمِّ يَلْطِمُ وَجْهَه | وليس إلى داعي الخَنا بسَريعِ |
٣٥٥٨ - والليالي إذا نَأَيْتُمْ طِوالٌ | والليالي إذا دَنَوْتُمْ قِصَارُ |
وعن الأعمش «مِنْ سَبْءِ» بهمزةٍ مكسورةٍ غير منونةٍ. وفيها إشكالٌ؛ إذ لا وجهَ للبناء. والذي يظهر لي أنَّ تنوينَها لا بدَّ أَنْ يُقْلَبَ ميماً وصلاً ضرورةَ ملاقاتِه للباء، فسمعها الراوي، فظنَّ أنه كَسَر مِنْ غيرِ تنوينٍ. ورُوِيَ عن أبي عمروٍ «مِنْ سَبَا» بالألفِ صريحةً كقولِهم: «تَفَرَّقُوا أَيْدِيْ سَبا». وكذلك قُرِىء «بنَبَا» بألفٍ خالصةٍ، وينبغي أَنْ يكونا لقارِىءٍ واحدٍ.
و «سَبَأ» في الأصلِ اسمُ رجلٍ مِنْ قَحْطانَ، واسمه عبد شمس، وسَبَأُ صفحة رقم 596

لقبٌ له. وإنما لُقِّبَ به لأنه أولُ مَنْ سبى، وَوُلِدَ له عشرةُ أولادٍ، تيامَنَ ستةٌ وهم: حِمْيَرُ وكِنْدَةُ والأَزْدُ وأَشْعَرُ وَخَثْعَمُ وبُجَيْلَةُ، وتشاءَمَ أربعةٌ وهم: لَخْمٌ وجُذامُ وعامِلَةُ وغَسَّانُ.
صفحة رقم 597