آيات من القرآن الكريم

وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَىٰ هَارُونَ
ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ ﮥﮦﮧﮨﮩ ﮫﮬﮭﮮﮯﮰ ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ ﯜﯝﯞﯟﯠﯡ ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ ﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳ ﯵﯶﯷﯸﯹ ﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄ ﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖ ﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ

ومُلكه. والثالث: انه اسم للسُّورة، قاله مجاهد. والرابع: أنه اسم من أسماء القرآن، قاله قتادة، وأبو روق. وما بعد هذا قد سبق تفسيره «١» إِلى قوله: أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ والمعنى: لعلّك قاتل نفسك لتركهم الإِيمان.
ثم أخبر أنه لو أراد أن يُنزل عليهم ما يضطرهم إِلى الإِيمان لفعل، فقال: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ وقرأ أبو زرين، وأبو المتوكل: «إِن يَشَأْ يُنَزِّلْ» بالياء فيهما، عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ جعل الفعل أولاً للأعناق، ثم جعل «خاضعين» للرجال، لأن الأعناق إِذا خضعت فأربابها خاضعون. وقيل:
لمّا وصف الأعناق بالخضوع، وهو من صفات بني آدم، أخرج الفعل مخرج الآدميّين كما بيّنّا في قوله تعالى: وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ «٢»، وهذا اختيار أبي عبيدة. وقال الزجاج: قوله: «فظلَّت» معناه: فتَظَلُّ، لأن الجزاء يقع فيه لفظ الماضي في معنى المستقبل، كقولك: إِن تأْتني أكرمتُكَ، معناه:
أُكْرِمْكَ وإِنما قال: «خاضعِين» لأن خضوع الأعناق هو خضوع أصحابها، وذلك أن الخضوع لمَّا لم يكن إِلا بخضوع الأعناق، جاز أن يخبر عن المضاف إِليه، كما قال الشاعر:

رَأتْ مَرَّ السّنِينَ أخَذْنَ مِنِّي كمَا أخَذَ السِّرَارُ مِنَ الهِلالِ «٣»
فلما كانت السّنون لا تكون إِلا بمَرٍّ، أخبر عن السنين، وإِن كان أضاف إِليها المرور. قال: وجاء في التفسير أنه يعني بالأعناق كبراءَهم ورؤساءَهم. وجاء في اللغة أن أعناقهم جماعاتهم يقال: جاءني عُنُق من الناس، أي: جماعة. وما بعد هذا قد سبق تفسيره «٤» إلى قوله: أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ يعني المكذِّبين بالبعث كَمْ أَنْبَتْنا فِيها بعد أن لم يكن بها نبات مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ قال ابن قتيبة: من كل جنس حسن. وقال الزجاج: الزوج: النوع، والكريم: المحمود.
قوله تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ الإِنبات لَآيَةً تدل على وحدانية الله وقُدرته وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ أي: ما كان أكثرهم يؤمِن في عِلْم الله، وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ المنتقِم من أعدائه الرَّحِيمُ بأوليائه.
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ١٠ الى ٢٢]
وَإِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ (١١) قالَ رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (١٢) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ (١٣) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (١٤)
قالَ كَلاَّ فَاذْهَبا بِآياتِنا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (١٥) فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ (١٧) قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (١٨) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (١٩)
قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (٢٠) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٢١) وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ (٢٢)
قوله تعالى: وَإِذْ نادى المعنى: واتل هذه القصة على قومك. قوله تعالى: أَنْ يُكَذِّبُونِ ياء
(١) المائدة: ١٥، والكهف: ٦. [.....]
(٢) يوسف: ٤.
(٣) البيت لجرير، كما في ديوانه ٤٢٦ و «اللسان» - خضع- و «تفسير القرطبي» ١٣/ ٨٧.
(٤) الأنبياء: ٢.

صفحة رقم 335

«يكذّبون» محذوفة، ومثلها أَنْ يَقْتُلُونِ «١» «سيهدين» «٢» «فهو يهدين» «٣» «ويسقين» «٤» «فهو يشفين» «٥» «ثم يحيين» «٦» «كذّبون» «٧» «وأطيعون» «٨» فهذه ثماني آيات أثبتهن في الحالين يعقوب.
قوله تعالى: وَيَضِيقُ صَدْرِي أي: بتكذيبهم إِيّاي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي للعُقدة التي كانت بلسانه.
وقرأ يعقوب: «ويَضيقَ» «ولا يَنطلقَ» بنصب القاف فيهما، فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ المعنى: ليُعينني، فحُذف، لأن في الكلام دليلاً عليه. وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ وهو القتيل الذي وكزه فقضى عليه والمعنى:
ولهم عليَّ دعوى ذَنْب فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ به قالَ كَلَّا وهو ردع وزجر عن الإِقامة على هذا الظن والمعنى: لن يقتلوك لأنّي لا اسلِّطهم عليك، فَاذْهَبا يعني: أنت وأخوك بِآياتِنا وهي: ما أعطاهما من المعجزة إِنَّا يعني نفسه عزّ وجلّ مَعَكُمْ فأجراهما مجرى الجماعة مُسْتَمِعُونَ نسمع ما تقولان وما يجيبونكما به.
قوله تعالى: نَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ
قال ابن قتيبة: الرسول يكون بمعنى الجميع، كقوله:
هؤُلاءِ ضَيْفِي «٩» وقوله: ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا «١٠». وقال الزجاج: المعنى: إِنْا رِسالةُ ربِّ العالَمين، أي: ذوو رسالة ربِّ العالمين، قال الشاعر:

لقَدْ كَذَبَ الوَاشُونَ ما بُحْتُ عِنْدَهُم بِسرٍّ وَلا أرْسَلْتُهُمْ بِرَسُولِ «١١»
أي: برسالة.
قوله تعالى: أَنْ أَرْسِلْ المعنى: بأن أرسل مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ أي: أَطْلِقْهم من الاستعباد، فأَتَياه فبلَّغاه الرسالة، ف قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً أي: صبيّاً صغيراً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ وفيها ثلاثة أقوال. أحدها: ثماني عشرة سنة، قاله ابن عباس. والثاني: أربعون سنة، قاله ابن السائب. والثالث:
ثلاثون سنة، قاله مقاتل، والمعنى: فجازيْتَنا على ان ربَّيناك أن كفرت نعمتنا، وقتلت منّا نفساً، وهو قوله: وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ وهي قتل النفس. قال الفراء: وإِنما نُصِبَت الفاء، لأنها مرة واحدة، ولو أُريد بها مثل الجِلسة والمِشية جاز كسرها.
وفي قوله: وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ قولان «١٢» : أحدهما: من الكافرين لنعمتي، قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير، وعطاء، والضحاك وابن زيد. والثاني: من الكافرين بالهك، كنتَ معنا على ديننا الذي تعيب، قاله الحسن، والسدي. فعلى الاول: وأنت من الكافرين الآن. وعلى الثاني: وكنت. وفي قوله: وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ ثلاثة أَقوال: أحدها: من الجاهلين، قاله ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن
(١) الشعراء: ١٤.
(٢) الشعراء: ٦٢.
(٣) الشعراء: ٧٨.
(٤) الشعراء: ٧٩.
(٥) الشعراء: ٨٠.
(٦) الشعراء: ٨١.
(٧) الشعراء: ١١٧.
(٨) الشعراء: ١٠٨.
(٩) الحجر: ٦٨.
(١٠) الحج: ٥.
(١١) البيت لكثير عزة، كما في «اللسان» - رسل-. [.....]
(١٢) قال الطبري رحمه الله ٩/ ٤٣٧: وأشبه الأقوال بتأويل الآية أن يقال: من الكافرين لنعمتي، لأن فرعون لم يكن مقرا لله بالربوبية وإنما كان يزعم أنه هو الرب، فغير جائز أن يقول لموسى إن كان موسى عنده على دينه يوم قتل القتيل. إلا أن يقول قائل: إنما أراد: وأنت من الكافرين يومئذ يا موسى على قولك اليوم فيكون ذلك وجها يتوجه.

صفحة رقم 336
زاد المسير في علم التفسير
عرض الكتاب
المؤلف
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي
تحقيق
عبد الرزاق المهدي
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية