آيات من القرآن الكريم

وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَىٰ هَارُونَ
ﮥﮦﮧﮨﮩ ﮫﮬﮭﮮﮯﮰ ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ ﯜﯝﯞﯟﯠﯡ ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ ﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳ ﯵﯶﯷﯸﯹ ﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄ ﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖ

يا سيد الرسل «إِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى» من الشجرة كما مر في الآية ١٢ من سورة طه فقال له «أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» ١٠ أنفسهم بالكفر وبني إسرائيل بالعسف،
ثم بين هؤلاء القوم بقوله اعني «قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ» ١١ عقوبة الله فيؤمنوا به ويتركوا الإسرائيليين، وقد ذكرهم الله في هذه القصة علهم ينتبهوا من سباتهم فيخافوا العاقبة فيؤمنوا به «قالَ رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ ١٢ وَيَضِيقُ صَدْرِي» بتكذيبهم «وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي» بسبب العقدة العائقة عن الفصاحة في النطق، وتقدم في الآية ٢٨ من طه أنها في قوة التكلم لا في الجارحة نفسها وقد بينا هناك ماهيتها وسببها «فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ» ١٣ يعينني على التبليغ بمهابته وقوة نطقه «وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ» بقتل القبطي منهم «فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ» ١٤ به قصاصا، وستأتي قصته مفصلة في الآية ١٤ من سورة القصص الآتية، «قالَ كَلَّا» لا يقتلونك ولا يضربونك أبدا فأنا حافظك منهم (نذكر بأن كلمة كلّا هذه المفيدة للزجر والردع كررت في القرآن العظيم ثلاثا وثلاثين مرة منها ما يجوز الوقف عليها ومنها ما لا يجوز) «فَاذْهَبا» اليه أنت وأخوك لأني آزرتك به حسب طلبك متلبسين ومتقوين «بِآياتِنا» التي هي النبوة والرسالة وبرهانهما اليد والعصا وهما أول ما أعطيهما موسى عليه السلام «إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ» ١٥ ما تقولانه له وما يقوله لكم، وقد أجراهما في الخطاب مجرى الجماعة تعظيما لشأنهما وجريا على لغة العرب المنزل هذا القرآن عليهم وإليهم ثم قال لهماَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا»
لهِ نَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ»
١٦ إليك لم يئن الضمير هنا لأن معنى رسول هنا مرسل الله ورسالته، فإن كان بمعنى مرسل فلا بد من التثنية، وإن كان بمعني الرسالة وهو كذلك هنا فيكون وصفا والوصف يستوى فيه الواحد والجماعة، وهو معروف عند العرب قال كثير:

لقد كذب الواشون ما فهت عندهم بشيء ولا أرسلتهم برسول
أي برسالة وقال العباس بن مرداس صاحب علم حضرة الرسول، دفين دمشق، وقد سميت المحلة باسم (سنجقدار) صاحب العلم باللغة التركية وأداة النسبة فيها

صفحة رقم 258

فارسية، وضريحه أمام الجامع المسمى بجامع السنجقدار هناك وهو معروف تغمده الله برحمته ورضي عنه:

ألا من مبلغ عنى خفافا رسولا بيت أهلك منتهاها
أي رسالة بدليل تأنيث الضمير وهذا أظهر من الأول، وما قيل إن المراد بالرسول هنا موسى فقط، لأن هرون كان ردء له أي تبعا، يأباه سياق الآية بعد وسياقها قبل مما لا يخفى، أما من قال إنهما كالرسول الواحد لاتفاقهما واعتمادهما في الشريعة فله وجه، وما جرينا عليه أوجه، وقال لهما قولا له يا فرعون إن الله ربّنا وربّك أمرنا أن نبلغك «أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ» ١٧ فذهبا اليه وبلغاه فعرف فرعون موسى، لأنه نشأ في بيته، ولقد خاطبه ف «قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً» الوليد من قرب عهده بالولادة وكان كذلك حين صار الى فرعون كما مر في الآية ٣٨ من سورة طه المارة «وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ» ١٨ تحت رعايتنا وبينّت في الآية ٢١ من سورة طه مقدار هذه السنين وما بعدها «وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ» من قتلك أحد رجالنا وهي حادثة معروفة لم ننسها بعد «وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ» ١٩ لنعمتي يا موسى وحق تربتى، وتأتينا الآن بلا خوف ولا جزع وتزعم أنك رسول الله إليّ «قالَ فَعَلْتُها إِذاً» أي ذلك الوقت وأقر بالقتل ثقة بقول الله له حين قال آنفا (فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ، قالَ كَلَّا) ثم قيد فعل القتل بما يدفع كونه قادحا بالنبوة بقوله: «وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ» ٢٠ الجاهلين لأنه كان دون الثالثة عشرة من عمره، ففي هذا السن لا يؤاخذ على الجريمة وهو كذلك، أي ذلك وقع من زمن صباوتي قبل استكمال عقلي فضلا عن أني لم أتعمد قتله، لأني وكزته بيدي بقصد الارتداع من التعدي على الإسرائيلي، ولم أعلم أن تلك الوكزة تفضي لموته «فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ» ان تقتلون به مع أني لا أستوجب القتل، ولكن علمت أنكم لا تفرقون بين المستحق من غيره خاصة في بني إسرائيل، لأنكم لا تدينون بدين سماوي وإن شريعتكم بحسب هوى أنفسكم، لذلك هربت منكم، وإني حقيقة تربيت في بيتك ولك عليّ حق التربية وأعترف بنعمتك علي، ولهذا أوصاني ربي أن أستعمل معك اللين جزاء لحقك،

صفحة رقم 259
بيان المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني
الناشر
مطبعة الترقي - دمشق
الطبعة
الأولى، 1382 ه - 1965 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية