
ويكتنّون به من الحر والبرد، ويريدون من الطعام ما يسد عنهم الجوع، ويقويهم على عبادة ربهم، لا يلبسون للجمال، ولا يأكلون للذة.
وقال عون بن عبد الله الإسراف أن تأكل مال غيرك بغير حق. وقيل: الإقتار: التقصير عما يجب عليك ﴿وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً﴾، النفقة بالعدل.
وقال مجاهد: لو أنفق رجل ماله كله في حلال، أو طاعة الله لم يكن مسرفاً، ولو أنفق درهماً في حرام لكان مسرفاً.
قال سفيان الثوري: لم يضعوه في غير حقه، ولم يقصروا به عن حقه، وكل نفقة في معصية الله فهي سرف، وإن قلت، وكل نفقة في غير معصية الله فليست بسرف، وإن كثرت.
قوله تعالى: ﴿والذين لاَ يَدْعُونَ مَعَ الله إلها آخَرَ﴾.
أي: والذين يخلصون لله العبادة، والدعاء، ولا يقتلون النفس التي حرم الله قتلها

إلا بالحق، وهو كفر بعد إسلام، أو زنى بعد إحصان، أو قتل نفس فيقتل بها، ولا يزنون فيأتون ما حرم الله.
ثم قال تعالى ذكره: ﴿وَمَن يَفْعَلْ ذلك يَلْقَ أَثَاماً﴾، أي: من يفعل / العبادة لغير الله أو يقتل نفساً بغير حق، أو يزني يلق عذاب الآثام أي: عقابها، وعقابها: مضاعفة العذاب، والتخليد في النار مهاناً. قال مجاهد وعكرمة: الآثام: واد في جهنم. وسيبويه وغيره من النحويين: يقدرونه بمعنى يلق جزاء الآثام.
قال تعالى: ﴿إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فأولئك يُبَدِّلُ الله سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً﴾، الآية وروي: أن هذه الآية نزلت في قوم من المشركين، أرادوا الدخول في الإسلام، وقد عملوا في الكفر أشياء من هذه الذنوب فخافوا ألا ينفعهم مع ما سلف من ذنوبهم. فنزلت هذه

الآية، ونزل: ﴿قُلْ ياعبادي الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ﴾ [الزمر: ٥٣] الآية، ونزلت: ﴿إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ﴾، فهي مخصوصة فيمن أسلم، وقد كان عمل هذه الكبائر في حال كفره، ويدل على أن هذا الاستثناء في الكفار قوله ﴿إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ﴾، فقرن الإيمان مع التوبة.
وقيل: هذه الآية منسوخة بالتي في النساء قاله زيد بن ثابت وذكر أن آية النساء التي نزلت بعد آية الفرقان بستة أشهر.
وقال الضحاك: بين السورتين ثماني حجج. وذكره تعالى للإيمان مع التوبة يدل على أنه محكم في الكفار، وآية النساء إنما هي في المؤمنين: يقتلون المؤمنين

فكلاهما محكم غير منسوخ في وجه النظر.
وعن ابن عباس أنه قال: قرأنا هذه الآية: ﴿والذين لاَ يَدْعُونَ مَعَ الله إلها آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النفس التي حَرَّمَ الله إِلاَّ بالحق﴾، الآية، بسنتين حتى نزلت: ﴿إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً﴾، الآية قال: فما علمت رسول الله ﷺ فرح بشيء فرحه بها، وبسورة: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا﴾ [الفتح: ١].
ثم قال تعالى: ﴿فأولئك يُبَدِّلُ الله سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ﴾، قال ابن عباس: معناه: كانوا قبل إيمانهم على السيئات، فرعب الله بهم عن ذلك، فحولهم إلى الحسنات، فأبدلهم الله مكان السيآت حسنات. أي: مكان عمل الحسنات.
وعن ابن عباس أنه قال: يبدل بكل مكان سيئة عملها حسنة يعملها في الدنيا.
وقيل معناه: أولئك يبدل الله قبائح أعمالهم في الشرك بمحاسن الأعمال في

الإسلام فيبدله بالشرك إيماناً.
قال ابن جبير: نزلت في وحشي وأصحابه. قالوا: كيف لنا بالتوبة، وقد عبدنا الأوثان وقتلنا المؤمنين، ونكحنا المشركات؟ فأنزل الله تعالى ﴿إِلاَّ مَن تَابَ﴾، الآية.
فأبدلهم الله بعبادة الأوثان عبادة الله، وبقتالهم المؤمنين: قتالهم المشركين، وينكاح المشركات نكاح المؤمنات.
وروي عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي ﷺ قال: " يعطى العبد كتابه بيمينه، فيقرأ سيآته، ويقرأ الناس حسناته ثم يحول صحيفته، فيحول الله سيآته حسنات، فيقرأ هو حسناته ويقرأ الناس من سيئاته حسنات، فيقول الناس: ما كان لهذا العبد من سيئة، قال: ثم يعرف بعمله، ثم يغفر الله له ".
وعن ابن عباس: أبدلوا بالشرك إيماناً، وبالقتل إمساكاً، وبالزنا إحصاناً.

وقال ابن المسيب: روى عطاء عن ابن عباس: تصير سيآتهم حسنات لهم يوم القيامة.
وروى أبو ذر: أن النبي ﷺ قال: " إني لأعرف آخر أهل النار خروجاً من النار، وآخر أهل الجنة دخولاً الجنة. ثم ثال: يؤتى برجل يوم القيامة فيقال: نَحُّوا كِبارَ ذنوبه، وسلوه عن صغارها، قال: فيقال له: عملت كذا في يوم كذا، وعملت كذا في يوم كذا، قال: فيقول: يا رب لقد عملت أشياء ما أراها هنا، قال: فضحك رسول الله ﷺ حتى بدت نواجذه. قال: فيقال له: فإن لك مكان كل سيئة حسنة ".