آيات من القرآن الكريم

إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا
ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ

ثم تنتهى الى غىّ واثام قلت وما غىّ واثام قال نهران فى أسفل جهنم يسيل فيهما صديد اهل النار وهما اللذان ذكرهما الله تعالى فى كتابه فسوف يلقون غيّاء وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ قرأ ابن كثير «ابو جعفر ويعقوب ابو محمد» وابن عامر يضعّف من التفعيل والباقون من المفاعلة لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ لانضمام المعصية الى الكفر وَيَخْلُدْ قرا ابن عامر وابو بكر يضاعف «١» ويخلد بالرفع على الاستيناف او الحال والباقون بجزمهما بدلا من بلق فِيهِ قرا ابن كثير على أصله وحفص هاهنا خاصة بصلة الضمير المجرور مبالغة فى الوعيد والباقون على ما هو الأصل فى الضمير المجرور إذا سكن ما قبله باختلاس كسرتها مُهاناً اى ذليلا حال اخرج الشيخان عن ابن عباس ان ناسا من اهل الشّرك قتلوا فاكثروا وزنوا فاكثروا ثم أتوا محمدا ﷺ فقالوا ان الّذى تقول وتدعو اليه لحسن لو تخبرنا ان لعملنا كفارة فنزلت والّذين لا يدعون مع الله الها اخر ولا يقتلون النّفس الّتى حرّم الله الّا بالحقّ ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما لّضعف له العذاب يوم القيمة ويخلد فيه مهانا الّا من تاب عن الشرك.
وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً الى قوله تعالى غفورا رحيما ونزلت قل يعبادى الّذين أسرفوا على أنفسهم الاية قال ابن عباس الّا من تاب من ذنبه وأمن بربه وعمل عملا صالحا فيما بينه وبين ربه واخرج البخاري وخيره عن ابن عباس قال لما انزل فى الفرقان والّذين لا يدعون مع الله الها اخر ولا يقتلون النفس الّتى الاية قال مشركوا مكة قد قتلنا النفس بغير الحق ودعونا مع الله الها اخر واتينا الفواحش فنزلت الّا من تاب وقال البغوي أخبرنا عن ابن عباس قال قرانا على عهد رسول الله ﷺ سنتين والّذين لا يدعون مع الله الها اخر الاية ثم نزلت الا من تاب وأمن فما رايت النبي ﷺ فرح بشئ فرحه بها وفرحه بانّا فتحنا لك فتحا مّبينا لّينفر لك الله ما تقدّم من ذنبك وما تاخّر. فان قيل لا يجوز الاستثناء مفصولا فكيف يقال بنزوله بعد سنتين قلنا نزلت هذه الاية أول مرة بغير الاستثناء ثم نزلت تلك الآيات مع الاستثناء فهذه الاية ناسخة للاولى فى المقدار المستثنى فان قيل تقرر فى الأصول ان محل النسخ الاحكام دون الاخبار وهذه الاية اخبار فكيف يمكن نسخه قلنا عدم جواز النسخ فى الاخبار لعدم احتمال التخلف فيها كيلا يلزم الكذب واية الوعيد يجوز نسخه لانه إنشاء للوعيد يحتمل التخلف فيه تفضلا ومغفرة هذه الاية تدل على ان الاستثناء من الإثبات نفى وبالعكس كما يدل على ذلك الاستثناء المفرغ وليس كما قالوا ان

(١) اى قرا ابن عاد يضعّف ويخلد وابو بكر يضاعف ويخلد ابو محمد عفى عنه. -

صفحة رقم 49

المستثنى فى حكم المسكوت عنه والاستثناء تكلم بالباقي بعد الثنيا إذ لو كان كذلك لما جاز نسخ المنطوق بالمسكوت وقوله عملا صالحا منصوب على المفعولية او المصدرية فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ فذهب جماعة الى ان المراد ان يمحو الله سوابق معاصيهم بالتوبة وثبت مكانها لواحق طاعتهم او يبدل الله فى الدنيا ملكة المعصية فى النفس بملكة الطاعة ويوفقه لاضداد ما سلف منهم من المعاصي وهذا معنى ما قال ابن عباس والحسن وسعيد بن جبير ومجاهد والضحاك والسدى يبدل الله بقبائح ما عملوا فى الشرك محاسن الأعمال فى الإسلام فيبدل الله لهم بالشرك التوحيد وبقتل المؤمنين قتل المشركين المحاربين وبالزنى عفة واحصانا وذهب جماعة الى ان المراد ان الله تعالى يبدل سيئاتهم التي عملوها فى الإسلام حسنات يوم القيامة تفضلا وهو قول سعيد بن المسيب ومكحول وعائشة وابى هريرة وسلمان رضى الله عنهم أجمعين ويؤيده حديث ابى ذر قال قال رسول الله ﷺ يؤتى بالرجل يوم القيامة فيقال اعرضوا صغائر ذنوبه فتعرض عليه صغائرها وتخبأ كبائرها فيقال أعملت كذا وكذا وهو يقرّ ليس ينكر وهو مشفق من الكبائر فيقال أعطوه مكان كل سيئة حسنة فيقول ان لى ذنوبا لا أراها هاهنا فلقد رايت رسول الله ضحك حتى بدت نواجذه رواه مسلم واخرج ابن ابى حاتم عن سلمان قال يعطى رجل يوم القيامة صحيفة فيقرا أعلاها فاذا يكاد ليسوء ظنه نظر فى أسفلها فاذا حسناته ثم ينظر فى أعلاها فاذا هى قد بدّلت حسنات واخرج ايضا عن ابى هريرة رضى الله عنه قال ليأتينّ الله بناس يوم القيامة ودوا انهم أكثروا من السيئات قيل من هم قال الذين يبدل الله سيأتهم حسنات فان قيل كيف يتصور تبديل السيئة على هذا المعنى بالحسنة وكيف يثاب على السيئة فان السيئة امر مكروه غير مرضى الله تعالى فكيف يتصور كونه مرضيّا له تعالى فان الله لا يرضى لعباده الكفر والعصيان قلت توجيه ذلك عندى بوجهين أحدهما ان عباد الله الصالحين كلما صدر عنهم ما كتب الله عليهم من العصيان ندموا غاية الندم واستحقروا أنفسهم غاية الاستحقار والتجئوا الى الله تعالى كمال الالتجاء وخافوا عذاب الله مع رجاء المغفرة فاستغفروه حتى صاروا مهبطا لكمال الرحمة بحيث لو لم يذنبوا لم يصيروا بهذه المثابة فعلى هذا صار عصيانهم الذي كان سببا للعقاب سببا للثواب ولو بتوسط الندم والتوبة من هاهنا قال رسول الله ﷺ والّذى نفسى بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء يقوم يذنبون فيستغفرون الله ويغفر لهم

صفحة رقم 50

رواه مسلم من حديث ابى هريرة وقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم استغفروا لماعز بن مالك لقد تاب توبة لو قسمت بين امة لوسعتهم- وقال رسول الله ﷺ لخالد بن الوليد حين سبّ الامرأة الغامدية مهلا يا خالد فو الذي نفسى بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس «١» لغفر له- رواه مسمر فى قصة ماعز والغامدية عن بريدة وهذا ما قيل معصية أولها غفلة وآخرها ندامة خير من طاعة أولها عجب وآخرها رؤية ثانيهما ان الغائصين فى بحار المحبة قد يصدر منهم امور لا يتزن بميزان الشرع ككلمات الشح والسماع والوجد ورهبانية ابتدعوها يجعل الله تعالى هذه الأمور الصادرة منهم كلها حسنات لصدورها عن محبة صرفة ومن هاهنا قال العارف الرومي مثنوى

هر چهـ گيرد علتى علت شود كفر گيرد كاملى ملت شود
كار پاكان را قياس از خود مگير گر چهـ ماند در نوشتن شير شير
او بدل گشت وبدل شد كار او لطف گشت ونور شد هر نار او
ولعل ما ورد فى حديث ابى ذر انه يقال اعرضوا صغائر ذنوبه فيعرض عليه صغائرها ويخبأ عنه كبائرها اشارة الى هذا فان هذه الأمور التي تصدر من الكاملين لغلبة المحبة انما هى بميزان الشرع صغار الذنوب دون كبائرها يجعلها الله تعالى لهم حسنات لكونها ناشية من منابع المحبة واما كبار الذنوب التي صدرن عنهم على سبيل الندرة لما كتب الله تعالى صدورها عنهم فيخبأ عنهم ويغفر ويستر ولا يذكر كما أشير اليه بقوله تعالى وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً يغفر الذنوب جميعا صغائرها وكبائره ابالتوبة وو بلا توبة قلت لعل قوله تعالى والّذين لا يدعون مع الله الها اخر اشارة الى فناء القلب فان المرء بعد فناء قلبه لا يقصد شيئا غير الله ولا يرجوا شيئا الا منه ولا يخاف غيره وكل ما هو مقصود لك فهو معبود لك بل لا يرى غيره موجودا بوجود متاصل والا له هو الموجود بوجود بوجود متاصل يقتضى ذاته وجوده فان قيل أليس المؤمنون عامه قبل الفناء يعتقدون بان الله موجود بوجود يقتضيه ذاته وغيره ليس كذلك قلت بلى يعتقدون ذلك لكن بالاستدلال دون الرؤية والشهود ويشهد على
(١) قوله صاحب مكسوم اى من يأخذ من التجار إذا مر وامسا اى ضريبه باسم العشر (مجمع البحار) وفيه ان المكس أعظم الذنوب وذلك لكثرة مطالبات الناس ومظلماتهم وصرفها فى غير وجهها وفى الحاشية المكس لنقصان وللماكس من العمال من ينقص من حقوق المساكين ولا يعطيها بتمامها قالد البيهقي ١٢ الفقير الدهلوي

صفحة رقم 51
التفسير المظهري
عرض الكتاب
المؤلف
القاضي مولوي محمد ثناء الله الهندي الفاني فتي النقشبندى الحنفي العثماني المظهري
تحقيق
غلام نبي تونسي
الناشر
مكتبة الرشدية - الباكستان
سنة النشر
1412
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية