آيات من القرآن الكريم

إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ

وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ وقيل: الإسراف إنما هو الإنفاق في المعاصي، فأما في القرب فلا إسراف. وسمع رجل رجلا يقول: لا خير في الإسراف. فقال: لا إسراف في الخير. وعن عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه أنه شكر عبد الملك بن مروان حين زوّجه ابنته وأحسن إليه، فقال: وصلت الرحم وفعلت وصنعت، وجاء بكلام حسن، فقال ابن لعبد الملك: إنما هو كلام أعدّه لهذا المقام، فلما كان بعد أيام دخل عليه والابن حاضر، فسأله عن نفقته وأحواله فقال: الحسنة بين السيئتين، فعرف عبد الملك أنه أراد ما في هذه الآية فقال لابنه: يا بنىّ، أهذا أيضا مما أعدّه؟ وقيل: أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، كانوا لا يأكلون طعاما للتنعم واللذة، ولا يلبسون ثوبا للجمال والزينة، ولكن كانوا يأكلون ما يسدّ جوعتهم ويعينهم على عبادة ربهم، ويلبسون ما يستر عوراتهم ويكنهم من الحرّ والقرّ «١».
وقال عمر رضى الله عنه: كفى سرفا أن لا يشتهى رجل شيئا إلا اشتراه فأكله «٢». والقوام:
العدل بين الشيئين لاستقامة الطرفين واعتدالهما. ونظير القوام من الاستقامة: السواء من الاستواء. وقرئ: قواما، بالكسر، وهو ما يقام به الشيء. يقال: أنت قوامنا، بمعنى ما تقام به الحاجة لا يفضل عنها ولا ينقص، والمنصوبان أعنى بَيْنَ ذلِكَ قَواماً: جائز أن يكونا خبرين معا، وأن يجعل بين ذلك لغوا، وقواما مستقرا. وأن يكون الظرف خبرا، وقواما حالا مؤكدة. وأجاز الفراء أن يكون بَيْنَ ذلِكَ اسم كان، على أنه مبنى لإضافته إلى غير متمكن، كقوله:
لم يمنع الشّرب منها غير أن نطقت «٣»
وهو من جهة الإعراب لا بأس به، ولكن المعنى ليس بقوى لأنّ ما بين الإسراف والتقتير قوام لا محالة، فليس في الخبر الذي هو معتمد الفائدة فائدة.
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٦٨ الى ٧٠]
وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً (٦٨) يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً (٦٩) إِلاَّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (٧٠)

(١). قوله «والقر» أى البرد. (ع)
(٢). أخرجه عبد الرزاق في التفسير عن ابن عيينة عن رجل عن الحسن عن عمر بن الخطاب وهذا منقطع من طريقه. رواه الثعلبي. ورواه أحمد في الزهد عن إسماعيل عن يونس عن الحسن كذلك ورواه ابن ماجة وأبو يعلى والبيهقي في الشعب من طريق نوح بن ذكوان عن الحسن عن أنس رضى الله عنه مرفوعا والأول أصح
(٣). تقدم شرح هذا الشاهد بالجزء الثاني صفحة ٤٢٢ فراجعه إن شئت اه مصححه.

صفحة رقم 293

حَرَّمَ اللَّهُ أى حرّمها. والمعنى: حرّم قتلها. وإِلَّا بِالْحَقِّ متعلق بهذا القتل المحذوف.
أو بلا يقتلون، ونفى هذه المقبحات العظام على الموصوفين بتلك الخلال العظيمة في الدين، للتعريض بما كان عليه أعداء المؤمنين من قريش وغيرهم، كأنه قيل: والذين برأهم الله وطهرهم مما أنتم عليه. والقتل بغير الحق: يدخل فيه الوأد وغيره. وعن ابن مسعود رضى الله عنه قلت: يا رسول الله، أىّ الذنب أعظم؟ قال: «أن تجعل لله ندّا وهو خلقك» قلت: ثم أىّ؟ قال «أن تقتل ولدك خشية أن يأكل معك» قلت: ثم أى؟ قال «أن تزانى حليلة جارك» «١» فأنزل الله تصديقه. وقرئ: يلق فيه أثاما. وقرئ: يلقى، بإثبات الألف، وقد مر مثله. والآثام: جزاء الإثم، بوزن الوبال والنكال ومعناهما. قال:

جزي الله ابن عروة حيث أمسى عقوقا والعقوق له أثام «٢»
وقيل هو الإثم. ومعناه: يلق جزاء أثام. وقرأ ابن مسعود رضى الله عنه: أياما «٣»، أى شدائد. يقال: يوم ذو أيام: لليوم العصيب. يُضاعَفْ بدل من يلق، لأنهما في معنى واحد، كقوله:
متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا تجد حطبا جزلا ونارا تأجّجا «٤»
وقرئ: يضعف، ونضعف له العذاب، بالنون ونصب العذاب. وقرئ بالرفع على الاستئناف أو على الحال، وكذلك يَخْلُدْ وقرئ: ويخلد، على البناء للمفعول مخففا ومثقلا، من الإخلاد والتخليد. وقرئ: وتخلد، بالتاء على الالتفات يُبَدِّلُ مخفف ومثقل، وكذلك سيئاتهم. فإن قلت: ما معنى مضاعفة العذاب وإبدال السيئات حسنات؟ قلت: إذا ارتكب المشرك معاصى مع الشرك عذب على الشرك وعلى المعاصي جميعا، فتضاعف العقوبة لمضاعفة المعاقب عليه. وإبدال السيئات حسنات: أنه يمحوها بالتوبة، ويثبت مكانها الحسنات: الإيمان، والطاعة، والتقوى. وقيل: يبدّلهم بالشرك إيمانا، وبقتل المسلمين: قتل المشركين، وبالزنا:
عفة وإحصانا.
(١). متفق عليه من رواية أبى وائل عن عمرو بن شرحبيل عنه.
(٢). العقوق- بالفتح-: كثير العقوق بالضم، وهو منع بر الوالدين وقطع صلتهما، والأثام- كالوبال-: جزاء الإثم. وقيل: هو الإثم، فسمي به مسببه وهو الجزاء، ومفعول جزى الثاني محذوف. وعقوقا خبر أمسى.
والعقوق: مبتدأ، أى: لا بد العقوق من جزاء سيء عظيم.
(٣). قوله «أياما» وفي الصحاح «الأيام» الدخان. (ع)
(٤). تقدم شرح هذا الشاهد بالجزء الأول صفحة ٣٣١ فراجعه إن شئت اه مصححه.

صفحة رقم 294
الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي الزمخشريّ، جار الله، أبو القاسم
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
الطبعة
الثالثة - 1407 ه
عدد الأجزاء
4
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية