
لفعل ما فشرفه لتمام وجود ذلك الفعل منه كالفرس للعدو فى الكرّ والفرّ والسيف للعمل والأعضاء خصوصا اللسان للشكر ومتى لم يوجد فيه المعنى الذي لاجله أوجد كان ناقصا فالانسان القاصر فى عباداته كالانسان الناقص فى أعضائه وآلاته واعلم ان رسول الله ﷺ قد دعا جميع الناس الى الله تعالى والى توحيده وطاعته فاجاب من أجاب وهم اهل السعادة وأولهم الصحابة رضى الله عنهم واعرض من اعرض وهم اهل الشقاوة وأقدمهم الكفرة والمنافقون المعاصرون له عليه السلام ولما هربوا من باب الله تعالى بترك إطاعة رسوله وأصروا عليه عاقبهم الله تعالى عاجلا ايضا حيث قتلوا فى الوقائع وأصيبوا بما لا يخطر ببالهم فانظر كيف أدركهم الله تعالى فلم يعجزوه كما أدرك الأمم السالفة العاصية نسأل الله تعالى ان يجعلنا فى حصين عصمته ويتغمدنا برحمته ويحرسنا بعين عنايته يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا- روى- ان غلاما لاسماء بنت ابى مرثد دخل عليها فى وقت كراهته فنزلت والخطاب للرجال المؤمنين والنساء المؤمنات جميعا بطريق التغليب لِيَسْتَأْذِنْكُمُ هذه اللام لام الأمر والاستئذان طلب الاذن والاذن فى الشيء اعلام بإجازته والرخصة فيه: والمعنى بالفارسية [بايد كه دستورى طلبند از شما] الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ من العبيد والجواري وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ اى الصبيان القاصرون عن درجة البلوغ المعهود والتعبير عن البلوغ بالاحتلام لكونه اظهر دلائله وبلوغ الغلام صيرورته بحال لو جامع انزل قال فى القاموس الحلم بالضم والاحتلام الجماع فى النوم والاسم الحلم كعنق انتهى وفى المفردات ليس الحلم فى الحقيقة هو العقل لكن فسروه بذلك لكونه من مسببات العقل وتسمى البلوغ بالحلم لكونه جديرا صاحبه بالحلم مِنْكُمْ اى من الأحرار ثَلاثَ مَرَّاتٍ ظرف زمان ليستأذن اى ليستأذنوا فى ثلاثة اوقات فى اليوم والليلة لانها ساعات غرة وغفلة ثم فسر تلك الأوقات بقوله مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ لظهور انه وقت القيام عن المضاجع وطرح ثياب النوم ولبس ثياب اليقظة ومحله النصب على انه بدل من ثلاث مرات وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ اى ثيابكم التي تلبسونها فى النهار وتخلعونها لاجل القيلولة وهى النوم نصف النهار مِنَ الظَّهِيرَةِ بيان للحين وهى شدة الحر عند انتصاف النهار قال فى القاموس الظهيرة حد انتصاف النهار وانما ذلك فى القيظ والتصريح بمدار الأمر اعنى وضع الثياب فى هذا الحين دون الاول والآخر لما ان التجرد عن الثياب فيه لاجل القيلولة لقلة زمانها ووقوعها فى النهار الذي هو مظنة لكثرة الورود والصدور ليس من التحقق والاطراد بمنزلة ما فى الوقتين فان تحقق التجرد واطراده فيهما امر معروف لا يحتاج الى التصريح به وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ الآخرة ضرورة انه وقت التجرد عن اللباس والالتحاف باللحاف وهو كل ثوب تغطيت به ثَلاثُ عَوْراتٍ خبر مبتدأ محذوف اى هن ثلاثة اوقات كائنة لَكُمْ يختل فيها التستر عادة والعورة الخلل الذي يرى منه ما يراد ستره وسميت الأوقات المذكورة عورات مع انها ليست نفس العورات بل هذه اوقات العورات على طريق تسمية الشيء باسم ما يقع فيه مبالغة فى كونه محلا له لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ اى على المماليك والصبيان جُناحٌ
صفحة رقم 175
اثم فى الدخول بغير استئذان لعدم ما يوجبه من مخالفة الأمر والاطلاع على العورات بَعْدَهُنَّ اى بعد كل واحدة من تلك العورات الثلاث وهى الأوقات المتخللة بين كل وقتين منهن فالاستئذان لهؤلاء مشروع فيها لا بعدها ولغيرهم فى جميع الأوقات طَوَّافُونَ اى هم يعنى المماليك والأطفال طوافون عَلَيْكُمْ للخدمة طوافا كثيرا والطواف الدوران حول الشيء ومنه الطائف لمن يدور حول البيت حافا ومنه استعير الطائف من الجن والخيال والحادثة وغيرها بَعْضُكُمْ طائف عَلى بَعْضٍ اى هم يطوفون عليكم للخدمة وأنتم تطوفون للاستخدام ولو كلفهم الاستئذان فى كل طوفة اى فى هذه الأوقات الثلاثة وغيرها لضاق الأمر عليهم فلذا رخص لكم فى ترك الاستئذان فيما وراء هذه الأوقات كَذلِكَ اشارة الى مصدر الفعل الذي بعده والكاف مقحمة اى مثل ذلك التبيين يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ الدالة على الاحكام اى ينزلها مبينة واضحة الدلالات عليها لا انه تعالى بينها بعد ان لم تكن كذلك وَاللَّهُ عَلِيمٌ مبالغ فى العلم بجميع المعلومات فيعلم أحوالكم حَكِيمٌ فى جميع أفاعيله فيشرع لكم ما فيه صلاح أمركم معاشا ومعادا- روى- عن عكرمة ان رجلين من
اهل العراق سألا ابن عباس رضى الله عنهما عن هذه الآية فقال ان الله ستير يحب الستر وكان الناس لم يكن لهم ستور على أبوابهم ولا حجال فى بيوتهم فربما فاجأ الرجل ولده او خادمه او يتيم فى حجره ويرى منه ما لا يحبه فامرهم الله تعالى ان يستأذنوا الثلاث ساعات التي سماها ثم جاء باليسر وبسط الرزق عليهم فاتخذوا الستور والحجال فرأى الناس ان ذلك قد كفاهم عن الاستئذان الذي أمروا به ففيه دليل على ان الحكم إذا ثبت لمعنى فاذا زال المعنى زال الحكم فالتبسط فى اللباس والمعاش والسكنى ونحوها مرخص فيه إذا لم يؤد الى كبر واغترار قال عمر رضى الله عنه إذا وسع الله عليكم فوسعوا على أنفسكم. ويقال اليسار مفسدة للنساء لاستيلاء شهوتهن على عقولهن وفى الحديث (ان الله يحب ان يرى اثر نعمته على عبده) يعنى إذا آتى الله عبده نعمة من نعم الدنيا فليظهرها من نفسه وليلبس لباسا نظيفا يليق بحاله ولتكن نيته فى لبسه اظهار نعمة الله عليه ليقصده المحتاجون لطلب الزكاة والصدقات وليس لبس الخلق مع اليسار مع التواضع وفى الآية رخصة اتخاذ العبيد والإماء للخدمة لمن قام بحقهم وبيان ان حق الموالي عليهم الخدمة وفى الحديث (حسنة الحر بعشر وحسنة المملوك بعشرين) يضاعف له الحسنة وهذا لمن احسن عبادة الله ونصح لسيده اى أراد له خيرا واقام بمصالحه على وجه الخلوص كذا فى شرح المشارق قال فى نصاب الاحتساب وينبغى ان يتخذ الرجل جارية لخدمة داخل البيت دون العبد البالغ لان خوف الفتنة فى العبد اكثر من الأحرار الأجانب لان الملك يقلل الحشمة والمحرمية منتفية والشهوة داعية فلا يأمن الفتنة. وقيل من اتخذ عبد الخدمة داخل البيت فهو كسحان بالسين المهملة اى اعرج او مقعد. وابتاع بعض المشايخ غلاما فقيل بورك لك فيه فقال البركة مع من قدر على خدمة نفسه واستغنى عن استخدام غيره فخفت مؤونته وهانت تكاليفه وكفى سياسة العبد والمرء فى بيته بمنزلة القلب وقلما تنتفع خدمة الجوارح

الا بخدمة القلب ودلت الآية على ان من لم يبلغ وقد عقل يؤمر بفعل الشرائع وينهى عن ارتكاب القبائح فانه تعالى أمرهم بالاستئذان فى الأوقات المذكورة وفى الحديث (مروهم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم على تركها وهم أبناء عشر) وانما يؤمر بذلك ليعتاده ويسهل عليه بعد البلوغ ولذا كره إلباسه ذهبا او حريرا لئلا يعتاده والإثم على الملبس كما فى القهستاني: قال الشيخ سعدى قدس سره
بخردى درش زجر وتعليم كن | به نيك وبدش وعده وبيم كن |
پسر چون زده بر كذشته سنين | ز نامحرمان كو فراتر نشين |
بر پنبه آتش نشايد فروخت | كه تا چشم بر هم زنى خانه سوخت |