آيات من القرآن الكريم

وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ

والخلاصة- إنه سيلحقهم سخطنا فى الدنيا، وسينالهم الذل والصغار، وسيكون مصيرهم فى الآخرة سعيرا وحميما وغساقا، جزاء وفاقا، إنهم كذبوا بآياتنا كذابا.
[سورة النور (٢٤) : الآيات ٥٨ الى ٦٠]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٨) وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٩) وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللاَّتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٦٠)
تفسير المفردات
ما ملكت أيمانكم: يشمل العبيد والإماء أي الذكران والإناث، الحلم: بسكون اللام وضمها أي وقت البلوغ إما بالاحتلام، وإما ببلوغ الخامسة عشرة سنة من حلم بفتح اللام، تضعون: أي تخلعون، الظهيرة: وقت اشتداد الحرّ حين منتصف النهار، والعورات: أي الأوقات التي يختل فيها تستركم، من قولهم: أعور الفارس: إذا اختلت حاله. جناح: أي إثم وذنب، طوافون عليكم: أي يطوفون عليكم للخدمة والمخالطة الضرورية، القواعد: واحدها قاعد، وهى العجوز، لا يرجون نكاحا: أي لا يطمعن فيه لكبر سنهن، والتبرج: التكلف فى إظهار ما يخفى من الزينة، من قولهم: سفينة بارج، إذا كان لا غطاء عليها.

صفحة رقم 129

المعنى الجملي
بعد أن نهى فيما سلف عن دخول الأجانب فى البيوت إلا بعد الاستئذان والتسليم على أهلها، وبين أن فى ذلك الخير كل الخير لهم، فإن لم يجدوا فيها أحدا رجعوا لما لذلك من كبير الأثر فى المجتمع الإسلامى، بصيانة الآداب العامة، ومنع القيل والقال، وحفظ الأعراض والأنساب.
استثنى فى هذه الآيات دخول الأقارب بعضهم على بعض، ودخول المملوكين على سادتهم، وبين أن الاستئذان لا يكون فى جميع الأوقات، بل فى ثلاث أوقات هى عورات لأرباب البيوت، لما فيها من رفع الكلفة وقلة التحفظ فى الستر، ثم ذكر أن النساء الطاعنات فى السن إذا لم يطمعن فى الزواج فلا حرج عليهن إذا لم يستعملن الزينة، وعليهن أن يتعففن جهد الطاقة.
روى أن سبب نزول الآية «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعث وقت الظهيرة إلى عمر رضى الله عنه غلاما من الأنصار يقال له مدلج، وكان عمر نائما فدقّ عليه الباب ودخل، فاستيقظ وجلس، فانكشف منه شىء، فقال: لوددت أن الله تعالى نهى آباءنا وأبناءنا وخدمنا عن الدخول علينا فى هذه الساعة إلا بإذن، فانطلق معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فوجد الآية قد نزلت فخرّ ساجدا»
وهذا أحد موافقات رأيه الصائب رضى الله عنه للوحى.
وقيل إن السبب ما روى من أن أسماء بنت أبى مرشد دخل عليها غلام كبير لها فى وقت كرهت دخوله فيه، فأتت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت: إن خدمنا وغلماننا يدخلون علينا فى حال نكرهها فنزلت الآية.
الإيضاح
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ: مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ، وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ، وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ

صفحة رقم 130

الْعِشاءِ)
أي لا يدخل أيها المؤمنون فى بيوتكم عبيدكم وإماؤكم ثلاث مرات فى ثلاثة أوقات من ساعات ليلكم ونهاركم إلا بإذن: قبل صلاة الفجر لأنه وقت القيام من المضاجع وطرح ثياب النوم وليس ثياب اليقظة، وكل ذلك مظنة انكشاف العورة، وحين تخلعون ثيابكم التي تلبسونها وقت الظهيرة، ومن بعد صلاة العشاء، لأنه وقت خلع ثياب اليقظة ولبس ثياب النوم.
وخص هذه الأوقات الثلاثة، لأنها ساعات الخلوة ووضع الثياب والالتحاف باللحاف.
وهكذا حكم حال الذين لم يبلغوا الحلم من أطفالكم.
ثم علل طلب الاستئذان بقوله:
(ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ) أي لأن هذه الأوقات الثلاثة ثلاث عورات لكم يختل فيها التستر عادة.
وبعد أن بين حكم هذه الأوقات الثلاث بين حكم ما عدا ذلك فقال:
(لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ) أي ليس عليكم معشر- أرباب البيوت ولا على الذين ملكت أيمانكم من الرجال والنساء ولا على الذين لم يبلغوا الحلم من أطفالكم- حرج ولا إثم فى غير هذه العورات الثلاث.
والخلاصة- لا حرج ولا إثم على الناس أن يدخل عليهم مماليكهم البالغون وصبيانهم الصغار بغير استئذان بعد هذه الأوقات الثلاث- أما من بلغ الحلم فإنه لا يدخل على الرجل وأهله إلا بإذن على كل حال.
ثم علل الإباحة فى غيرها بقوله:
(طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ) أي هؤلاء المماليك والصبيان الصغار يدخلون ويخرجون على مواليهم وأقربائهم فى منازلهم غدوة وعشية بغير إذن، لأنهم يخدمونهم، أو لاحتياج الأقارب إليهم، كما أن السادة والأقارب يطوفون على ذوى قرابتهم ومماليكهم إذا عرضت لهم حاجة إليهم.

صفحة رقم 131

ثم بين فضله على عباده فى بيان أحكام دينهم لهم فقال:
(كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) أي ومثل هذا التبيين لتلك الأحكام يبين لكم شرائع دينكم وأحكامه، والله عليم بما يصلح أحوال عباده، حكيم فى تدبير أمورهم، فيشرع لهم ما يصلح أحوالهم فى المعاش والمعاد.
روى سعيد بن جبير عن ابن عباس: ترك الناس ثلاث آيات فلم يعملوا بهن «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ» الآية، وقوله فى النساء:
«وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى» الآية، وقوله فى الحجرات: «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ».
وعن عكرمة عن ابن عباس أن رجلين سألاه عن الاستئذان فى العورات الثلاث التي أمر الله بها فى القرآن فقال: إن الله ستّير يحب الستر، كأن الناس ليس لهم ستور على أبوابهم ولا حجال فى بيوتهم، فربما فجأ الرجل خادمه أو ولده أو يتيمه فى حجره وهو على أهله، فأمرهم الله أن يستأذنوا فى تلك العورات، ثم بسط الله عليهم الرزق فاتخذوا الستور واتخذوا الجبال فرأوا أن ذلك قد كفاهم من الاستئذان الذي أمروا به اه.
ولما بين الله حكم الأرقاء والصبيان الذين هم أطوع للأمر وأقبل لكل خير- أتبعه بحكم البالغين الأحرار بقوله:
(وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي وإذا بلغ الصغار من أولادكم وأقربائكم الأحرار سنّ الاحتلام وهو خمس عشرة سنة فلا يدخلوا عليكم فى كل حين إلا بإذن لا فى أوقات العورات الثلاث ولا فى غيرها، كما استأذن الكبار من ولد الرجل وأقاربه.
وذكر الله فى هذه الآية حكم الأطفال إذا بلغوا ولم يذكر حكم ما ملكت أيماننا مع أن ما قبلها فيه ذكر المماليك والأطفال- لأن حكم ما ملكت اليمين وحد كبارهم، صغارهم، وهو الاستئذان فى الساعات الثلاث التي ذكرت فى الآية قبل

صفحة رقم 132

ثم أكد نعمه عليهم ببيان أحكام دينهم بقوله:
(كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) أي كما بين لكم ما ذكر غاية البيان، يبين لكم ما فيه سعادتكم فى دنياكم وآخرتكم، وهو العليم بأحوال خلقه، الحكيم فيما يدبر لهم.
ولما بين سبحانه حكم الحجاب حين إقبال الشباب أتبعه بحكمه حين إدباره فقال:
(وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ) أي والنّساء اللواتى قعدن عن الولد كبرا، وقد يئسن من التبعل فلا يطمعن فى الأزواج، فليس عليهن إثم ولا حرج أن يخلعن ثيابهن الظاهرة كالملحفة والجلباب الذي فوق الخمار إذا كنّ لا يبدين زينة خفية كشعر ونحر وساق لدى المحارم وغير المحارم من الغرباء.
وخلاصة ذلك- لا جناح على القواعد من النساء أن يجلسن فى بيوتهن بدرع وخمار ويضعن الجلباب، ما لم يقصدن بذلك الزينة وإظهار ما يجب إخفاؤه- هذا إذا لم يكن فيهن بقية من جمال تورث الشهوة، فإن كان فيهن ذلك فلا يدخلن فى حكم الآية.
(وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ) أي وإن تعففن عن وضع جلابيبهن وأرديتهن، فلبسنها كان ذلك خيرا لهن من خلعها، لتباعدهن حينئذ عن التّهمة، ولقد قالوا:
لكل ساقطة فى الحىّ لاقطة.
ثم توعد من يخالف تلك الأوامر فقال:
(وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) أي والله سميع بما يجرى بينهن وبين الرجال من الأحاديث، عليم بمقاصدهن لا تخفى عليه خافية من أمرهن، فاحذروا أن يسوّل لكم الشيطان مخالفة ما به أمر، وعنه نهى.

صفحة رقم 133
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية