آيات من القرآن الكريم

حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ
ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ

- ٩٩ - حَتَّى إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ
- ١٠٠ - لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ حَالِ المحتضر عند الموت من الكافرين، وَسُؤَالِهِمُ الرَّجْعَةَ إِلَى الدُّنْيَا لِيُصْلِحَ مَا كَانَ أَفْسَدَهُ فِي مُدَّةِ حَيَّاتِهِ، وَلِهَذَا قَالَ: ﴿رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ﴾ كقوله: ﴿وَلَوْ ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا موقنون﴾، وَقَالَ تَعَالَى: {وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُاْ الْعَذَابَ

صفحة رقم 574

يَقُولُونَ هَلْ إلى مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍ}، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الذي كُنَّا نعمل﴾ الآية، فَذَكَرَ تَعَالَى أَنَّهُمْ يَسْأَلُونَ الرَّجْعَةَ فَلَا يُجَابُونَ عِنْدَ الِاحْتِضَارِ، وَيَوْمَ النُّشُورِ وَوَقْتَ الْعَرْضِ عَلَى الجبار، وهم في غمرات عذاب الجحيم، وقوله ههنا: ﴿كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا﴾ كَلَّا حَرْفُ رَدْعٍ وَزَجْرٍ أَيْ لَا نُجِيبُهُ إِلَى مَا طلب ولا نقبل منه. وقوله تعالى: ﴿إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا﴾ قال ابن أَسْلَمَ: أَيْ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَهَا لَا مَحَالَةَ كُلُّ مُحْتَضِرٍ ظَالِمٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذلك علة لقوله ﴿كَلاَّ﴾ أَيْ سُؤَالُهُ الرُّجُوعَ لِيَعْمَلَ صَالِحًا هُوَ كَلَامٌ مِنْهُ وَقَوْلٌ لَا عَمَلَ مَعَهُ، وَلَوْ رُدَّ لَمَا عَمِلَ صَالِحًا وَلَكَانَ يَكْذِبُ فِي مَقَالَتِهِ هَذِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وإنهم لكاذبون﴾. قال قَتَادَةُ: وَاللَّهِ مَا تَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أهل ولا إلى عشيرة، ولا بأن يجمع الدنيا ويقضي الشهوات، وَلَكِنْ تَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ فَيَعْمَلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ، فرحم الله امرأ عمل فيما يتمناه الكافر إذا رأى العذاب إلى النار. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى غُفْرَةَ: إذا قال الكافر رَبِّ ارجعون لعلي أعمل صالحاً يقول الله تعالى: كلا كذبت، وكان العلاء بن زياد يقول: لينزلن أَحَدُكُمْ نَفْسَهُ أَنَّهُ قَدْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ فَاسْتَقَالَ ربه فأقاله فليعمل بطاعة الله تعالى. وقال قتادة: والله ما تمنى إلا أَنْ يَرْجِعَ فَيَعْمَلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ، فَانظُرُوا أُمْنِيَّةَ الْكَافِرِ الْمُفَرِّطِ، فَاعْمَلُوا بِهَا وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بالله. وعن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: إِذَا وُضِعَ - يَعْنِي الْكَافِرَ - فِي قَبْرِهِ فَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ، قَالَ: فَيَقُولُ رَبِّ ارْجِعُونِ أَتُوبُ وَأَعْمَلُ صَالِحًا، قَالَ: فَيُقَالُ: قَدْ عُمِّرْتَ مَا كُنْتَ مُعَمَّرًا، قَالَ: فيضيّق عليه قبره ويلتئم فَهُوَ كَالْمَنْهُوشِ يَنَامُ وَيَفْزَعُ تَهْوِي إِلَيْهِ هَوَامُّ الأرض وحيَّاتها وعقاربها (أخرجه ابن أبي حاتم عن أبي هريرة موقوفاً). وعن عائشة رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: وَيْلٌ لِأَهْلِ الْمَعَاصِي مِنْ أَهْلِ الْقُبُورِ، تَدْخُلُ عَلَيْهِمْ فِي قُبُورِهِمْ حَيَّاتٌ سُودٌ، أَوْ دُهْم. حَيَّةٌ عِنْدَ رَأْسِهِ، وَحَيَّةٌ عِنْدَ رِجْلَيْهِ، يَقْرُصَانِهِ حَتَّى يَلْتَقِيَا فِي وَسَطِهِ، فَذَلِكَ الْعَذَابُ فِي الْبَرْزَخِ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ (أخرجه ابن أبي حاتم عن عائشة موقوفاً). قال مُجَاهِدٌ: الْبَرْزَخُ الْحَاجِزُ مَا بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: الْبَرْزَخُ مَا بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَيْسُوا مَعَ أَهْلِ الدُّنْيَا يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَلَا مَعَ أَهْلِ الْآخِرَةِ يُجَازَوْنَ بِأَعْمَالِهِمْ، وَقَالَ أَبُو صَخْرٍ: الْبَرْزَخُ الْمَقَابِرُ لَا هُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَا هُمْ فِي الْآخِرَةِ فَهُمْ مقيمون إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ، في قوله تعالى: ﴿وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ﴾ تَهْدِيدٌ لِهَؤُلَاءِ الْمُحْتَضَرِينَ مِنَ الظلمة بعذاب البرزخ، كما قال تعالى: ﴿وَمِن وَرَآئِهِمْ جهنم﴾، وقال تعالى: ﴿وَمَن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ﴾، وقوله تعالى: ﴿إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ أَيْ يَسْتَمِرُّ بِهِ الْعَذَابُ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «فَلَا يَزَالُ مُعَذَّبًا فِيهَا» أَيْ فِي الْأَرْضِ.

صفحة رقم 575
مختصر تفسير ابن كثير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد علي بن الشيخ جميل الصابوني الحلبي
الناشر
دار القرآن الكريم، بيروت - لبنان
سنة النشر
1402 - 1981
الطبعة
السابعة
عدد الأجزاء
3
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية