آيات من القرآن الكريم

حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ
ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ

ابن آدم إلا بسوء (١)، فلذا (٢) أمر أن يتعوذ من أن يأتيه الشيطان أو يقربه.
٩٩ - ثم أعلم -تعالى ذكره- أن هؤلاء الذين ذكروا قبل هذا الموضع ودفعوا البعث يسألون المرجع إلى الدنيا عند معاينة الموت فقال: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ﴾ قال مقاتل: يعني (٣) الكفار (٤).
﴿الْمَوْتُ﴾ قال الكلبي ومقاتل (٥): يعني ملك الموت.
وقال غيرهما: يعني (٦) أسباب الموت ومقدماته كقوله: ﴿وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ﴾ (٧) [إبراهيم: ١٧]. وقد مرّ.
﴿قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ﴾ قال ابن عباس والمفسرون: يريد إلى الدنيا (٨).
قال الفراء، والزجاج، وجميع أصحاب العربية: قوله: ﴿ارْجِعُونِ﴾ وهو يريد الله -عز وجل- وحده (٩)، فجاء الخطاب في المسألة على لفظ الإخبار، لأن الله -عز وجل- قال: ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ﴾ [ق: ٤٣] وهو وحده يحيي، وهذا لفظ تعرفه العرب للجليل الشأن يخبر عن نفسه بما يخبر به (١٠) الجماعة، فكذلك جاء الخطاب في ﴿ارْجِعُونِ﴾ (١١).

(١) ذكر ابن الجوزي ٥/ ٤٨٩ هذا المعنى ولم ينسبه لأحد.
(٢) في جميع النسخ: (فإذا). وما أثبتناه هو الصواب.
(٣) (يعني): لست في (أ).
(٤) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٣ أ.
(٥) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٣ أ.
(٦) (يعني): ساقطة من (أ).
(٧) في (ظ): (فيأتيه).
(٨) انظر: "الطبري" ١٨/ ٥٢.
(٩) في (أ). (الله وحده -عز وجل-).
(١٠) في (ع): (عن الجماعة).
(١١) هذا كلاء الزجاج بنصِّه في "معاني القرآن" ٤/ ٢١ - ٢٢. وانظر: "معاني القرآن" =

صفحة رقم 60

وروي عن ابن جريج أنه قال -في هذه الآية-: إنّهم استغاثوا (١) بالله أولاً ثم رجعوا إلى مسألة الملائكة المرجع (٢) إلى الدنيا (٣).
واختار المبرد هذا الوجه فقال: ﴿ارْجِعُونِ﴾ خطاب للملائكة بعد أن قال: رب، مستغيثا. ومثل هذا يكثر (٤) في الكلام عن العرب أن يخاطبوا أحدًا ثم يصرف المخاطبة إلى غيره، لأنَّ المعنى مشتمل على ذلك. وأنشد

= للفراء ٢/ ٢٤١ - ٢٤٢.
وقد جَوَّد هذا الوجه السمين الحلبي ٨/ ٣٦٦، واستظهره الشنقيطي في "تفسيره" ٥/ ٨٢١.
(١) في (أ): (استعانوا)، ومهملة في (ظ).
(٢) في (ظ): (المرجع).
(٣) ذكره القرطبي ١٢/ ١٤٩ وأبو حيان ٦/ ٤٢١ عن ابن جريج. وذكر البغوي ٥/ ٤٢٨ هذا القول وصدَّره بقيل.
وفي نسبة هذا القول إلى ابن جريج نظر؛ والأظهر أن هذا قول الطبري، وبيان ذلك: أنَّ الطبري روى في "تفسيره" ١٨/ ٥٢ عن ابن جريج قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعائشة: "إذا عاين المؤمن الملائكة قالوا: نرجعك إلى الدنيا؟ فيقول: إلى دار الهموم والأحزان! فيقول: بل قدَّماني إلى الله. وأما الكافر فيقال: نرجعك؟ فيقول: لعلّي أعمل صالحا فيما تركت... " الآية.
ثم قال الطبري بعد ذلك: وقيل "ربِّ ارجعون" فابتدأ الكلام بخطاب الله تعالى، ثم قيل "ارجعون" فصار إلى خطاب الجماعة، والله تعالى ذكره واحد.
وإنما فعل ذلك كذلك؛ لأن مسألة القوم الرّد إلى الدنيا إنّما كانت منهم للملائكة الذين يقبضون روحهم كما ذكر ابن جريج أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قاله. وإنما ابتدئ الكلام بخطاب الله جل ثناؤه لأنَّهم استغاثوا به ثم رجعوا إلى مسألة الملائكة الرجوع والرد إلى الدنيا. اهـ.
فظاهر العبارة أن قائل "وإنما ابتدىء... الدنيا" هو الطبري. والله أعلم.
(٤) في (ظ): (كثر).

صفحة رقم 61

للأحوص (١):

يا دارُ غَيَّرها البلى تغييرا (٢) وسفت (٣) عليها الريح بعدك مورا (٤)
فدعا الدار، ثم أخبر عنها، ثم خاطب صاحبها (٥).
قال: وذلك قول (٦) النابغة (٧):
(١) في (ظ)، (ع): (للأخوص).
(٢) في (ظ): (تغيَّرا).
(٣) في (أ): (وسقت)، وفي (ظ) مهملة.
(٤) البيت في "ديوان الأحْوص" ص ١٣٠، "الكتاب" ٢/ ٢٠١، "تحصيل عين الذهب" للشنتمري ١/ ٣١٢ وعندهم: "حسَّرها البلى تحسيرا" عوضًا من "غيرها البلى تغييرًا".
ونسبه الأصبهاني في "الأغاني" ٣/ ٣٣٦، والسيرافي في "شرح أبيات سيبويه" ١/ ٥٢٣ للحارث بن خالد المخزومي. وروايتهما مثل رواية الديوان إلا أنَّه وقع في الأغاني: "بورا" عوضًا من "مورا".
والبيت بمثل رواية الواحدي في "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٣٧٦ من غير نسبة.
قال الشنتمري ١/ ٣١٢: البلى: القدم، ومعنى "سفت": طيرت، والمور: ما تطيره الريح من التراب.
(٥) انظر: "شرح أبيات سيبويه" للسيرافي ١/ ٥٢٣.
(٦) (قول): ساقطة من (أ).
(٧) بيت النابغة هذا أول أبيات قصيدته المشهورة التي يعذر فيها للنعمان بن المنذر من وشاية بلغته عنه، ويمدحه فيها.
وهو في "ديوانه" ص ١٤، "شرح القصائد التسع" للنَّحَّاس ٢/ ٧٣٣، "شرح القصائد العشر" للتبريزي ص ٥١٢.
قال أبو جعفر النحاس في شرحه ٢/ ٧٣٣: قوله: "يا دار ميَّة" داء مضاف، و"ميَّه" معرفة، فذلك لم يصرفها. قال الأصمعي: "العلياء": مرتفع من الأرض.
و"السَّند": سند الوادي في الجبل، وهو ارتفاعه حيث يُسند فيه، أي يُصعد.
و"أقوت" خلت من أهلها.. السالف: الماضي.. و"الأبد": الدَّهْر. اهـ.

صفحة رقم 62
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية