آيات من القرآن الكريم

حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ
ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ

فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (١١٦)
وقوله: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (٩٩)
ظاهر هذا أن يكون قوله: (رَبِّ ارْجِعُونِ) بعد الموت، وبعد ما عاين أهوال الآخرة وأفزاعها؛ لأن الموت ليس هو شيء يأتي من مكان إلى مكان؛ إنما هو شيء يذهب بالحياة التي فيهم، إلا أن أهل التأويل قالوا: إن ذلك عند معاينتهم ملك الموت، وعند هجومه عليهم بأهواله؛ فعند ذلك يسألون الرجعة إلى الدنيا، والأول أشبه وأقرب.
ثم قوله: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ): ليس هو صلة قوله (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ. وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ)، ولا جوابه؛ لأنه ليس من نوعه، ولا من جنس ذلك، ولكنه - واللَّه أعلم - صلة قوله: (بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ)، وجواب قوله: (وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ)، ونحوه الذي تقدم ذكره، يقول: وإنهم على ذلك (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ)، فعند ذلك يرجع إلى الحق والتصديق، لكن ذلك لا ينفعه في ذلك الوقت (قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ)، ولم يقل: رب ارجعني، وذلك يخرج على وجهين: أحدهما: سأل على ما يسأل الملوك ويخاطبون: افعلوا كذا، على الجماعة، وإن كان إنما يخاطب واحدا؛ على ما خرج جواب اللَّه وقوله: إنا فعلنا كذا، ونفعل كذا.
والثاني: أن يكون قوله: (رَبِّ ارْجِعُونِ): يسأل ربه أن يأمر الملائكة الذين يتولون قبض أرواحهم أن يرجعوه إلى ما ذكر، واللَّه أعلم.
وقوله: (لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ (١٠٠)
قَالَ بَعْضُهُمْ: (فِيمَا تَرَكْتُ)، أي: فيما كذبت.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (فِيمَا تَرَكْتُ): في الدنيا من الأعمال الصالحة فأعمل بها.
وجائز أن يكون قوله: (فِيمَا تَرَكْتُ): من الأموال فأؤدي منه حقك؛ لأن من الكفرة ما كان سبب كفرهم منع الزكاة وجحودها؛ كقوله: (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ. الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ)، فيسأل ربه أن يرجع إلى المال الذي تركه؛ ليؤدي الحق الذي كان فيه فمنعه، كقوله: (فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ)، وقوله: (فَأَصَّدَّقَ)، أي: فأتصدق بالصدقة التي منعتها؛ لأن الخطاب في الصدقة بقوله: (أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ...) الآية، وهذا أشبه، واللَّه أعلم.
وقوله: (كَلَّا)، هو رد لما سألوا من الرجعة.

صفحة رقم 493

وقوله: (إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا).
قَالَ بَعْضُهُمْ: قوله: (إِنَّهَا كَلِمَةٌ): هو قول اللَّه: (وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا...) الآية، (قَائِلُهَا): يعني الكافر عند معاينة العذاب، وهو قوله: (ارْجِعُونِ. لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ).
ثم قوله: (كَلَّا) على هذا يحتمل وجهين:
أحدهما: أنه لا حقيقة لسؤاله الذي يسأله من الرجعة ليعمل العمل الصالح، أي: أنه وإن رد ورجع لا يعمل؛ كقوله - تعالى -: (وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ).
والثاني: أن لا منفعة لهم في سؤالهم الرجعة؛ إذ لو رجعوا لا يصلون إلى ما يأملون؛ لأنهم إنما يسألون ليؤمنوا، والإيمان سبيله الاستدلال، فإذا لم يستدلوا به وقت أمنهم وفسحتهم؛ فكيف يقدرون على الاستدلال في وقت خوفهم؟! واللَّه أعلم.
وقوله: (وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ).
قَالَ بَعْضُهُمْ: وراءهم، أي: أمامهم.
قال أبو معاذ: مشتقة من تواريت عنك، فكل ما توارى عنك أمامك كان أو وراءك فهو وراءك.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (وَمِنْ وَرَائِهِمْ): على حقيقة الوراء.
(بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)، قَالَ بَعْضُهُمْ: البرزخ: هو ما بين شيئين.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: البرزخ: هو الأجل بين الموت والبعث، وهو قول الكلبي وقتادة.
وقال مجاهد: البرزخ: هو حاجز بين الموت والرجوع إلى الدنيا.
وقَالَ الْقُتَبِيُّ وأبو عبيدة: البرزخ: ما بين الدنيا والآخرة، وقالا: كل شيء بين شيئين فهو برزخ.
وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: البرزخ: ما بين الحدين، يعني: الدنيا والآخرة، الأرض المستوية، وأصل البرزخ: الحاجز بينه كقوله: (وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا)، أي: حاجزًا، وتأويله، أي: صاروا إلى الوقت الذي يحجزهم عما يتمنون ويشتهون، وهو كقوله: (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ)، وإنما يشتهون ويتمنون الإيمان والأعمال الصالحة.
وجائز أن يكون قوله: (وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ)، أي: من ورائهم أحوالهم أي: الحال

صفحة رقم 494
تأويلات أهل السنة
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن محمد بن محمود، أبو منصور الماتريدي
تحقيق
مجدي محمد باسلوم
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت، لبنان
سنة النشر
1426
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية