
ومن الغرق، وأعوذ بك من أَنْ يَتَخَبَّطَنِيَ الشَّيْطَانُ عِنْدَ الْمَوْتِ» «١».
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٢» حَدَّثَنَا يَزِيدُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا كَلِمَاتٍ يَقُولُهُنَّ عِنْدَ النَّوْمِ من الفزع: «باسم اللَّهِ، أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ غَضَبِهِ وَعِقَابِهِ وَمِنْ شَرِّ عِبَادِهِ، وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَنْ يَحْضُرُونِ» قَالَ فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو يُعَلِّمُهَا مَنْ بَلَغَ مِنْ وَلَدِهِ أَنْ يَقُولَهَا عِنْدَ نَوْمِهِ وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ صَغِيرًا لَا يَعْقِلُ أَنْ يَحْفَظَهَا كَتَبَهَا لَهُ فَعَلَّقَهَا فِي عُنُقِهِ «٣». وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حسن غريب.
[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٩٩ الى ١٠٠]
حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (٩٩) لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٠٠)
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ حَالِ الْمُحْتَضِرِ عِنْدَ الْمَوْتِ مِنَ الْكَافِرِينَ أَوِ الْمُفْرِطِينَ فِي أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وِقِيلِهِمْ عِنْدَ ذَلِكَ وَسُؤَالِهِمُ الرَّجْعَةَ إِلَى الدُّنْيَا لِيُصْلِحَ مَا كَانَ أَفْسَدَهُ فِي مُدَّةِ حَيَّاتِهِ، وَلِهَذَا قَالَ:
رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلَّا كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ- إلى قوله- وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ [الْمُنَافِقُونَ: ١٠- ١١] وَقَالَ تَعَالَى وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ- إلى قوله- مَا لَكُمْ مِنْ زَوالٍ [إِبْرَاهِيمَ: ٤٤] وَقَالَ تَعَالَى: يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ [الْأَعْرَافِ: ٥٣] وَقَالَ تعالى: وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ [السَّجْدَةِ: ١٢] وَقَالَ تَعَالَى: وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يَا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا- إلى قوله- وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ [الْأَنْعَامِ: ٢٧- ٢٨] وَقَالَ تَعَالَى: وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ [الشُّورَى: ٤٤] وَقَالَ تَعَالَى: قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ [غافر: ١١- ١٢] والآية بعدها. وَقَالَ تَعَالَى: وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ [فَاطِرٍ: ٣٧] فَذَكَرَ تَعَالَى أَنَّهُمْ يَسْأَلُونَ الرَّجْعَةَ فَلَا يُجَابُونَ عِنْدَ الِاحْتِضَارِ وَيَوْمَ النُّشُورِ وَوَقْتَ الْعَرْضِ عَلَى الْجَبَّارِ، وَحِينَ يُعْرَضُونَ عَلَى النَّارِ وَهُمْ فِي غَمَرَاتِ عَذَابِ الْجَحِيمِ.
وَقَوْلُهُ هَاهُنَا: كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها كَلَّا حَرْفُ رَدْعٍ وَزَجْرٍ، أي لا نجيبه إلى ما طلب
(٢) المسند ٢/ ١٨١.
(٣) أخرجه أبو داود في الطب باب ١٩، والترمذي في الدعوات باب ٩٣.

ولا نقبل منه. وقوله تعالى: إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: أَيْ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَهَا لَا مَحَالَةَ كُلُّ مُحْتَضِرٍ ظَالِمٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عِلَّةً لِقَوْلِهِ كَلَّا، أَيْ لِأَنَّهَا كَلِمَةٌ، أَيْ سُؤَالُهُ الرُّجُوعَ لِيَعْمَلَ صَالِحًا هُوَ كَلَامٌ مِنْهُ وَقَوْلٌ لَا عَمَلَ مَعَهُ، وَلَوْ رُدَّ لَمَا عَمِلَ صَالِحًا وَلَكَانَ يَكْذِبُ فِي مَقَالَتِهِ هَذِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ قال قَتَادَةُ: وَاللَّهِ مَا تَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أهل ولا إلى عشيرة، ولا بأن يجمع الدنيا ويقضي الشهوات، وَلَكِنْ تَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ فَيَعْمَلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ عز وجل، فرحم الله امرءا عمل فيما يتمناه الكافر إذا رأى العذاب إلى النار.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ قَالَ: فَيَقُولُ الْجَبَّارُ: كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَقَالَ عُمَرُ بن عبد الله مولى غفرة: إذا قال الكافر رب ارجعون لعلي أعمل صالحا، يقول الله تعالى: كلا كذبت.
وَقَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ: كَانَ الْعَلَاءُ بْنُ زياد يقول:
لينزلن أَحَدُكُمْ نَفْسَهُ أَنَّهُ قَدْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ فَاسْتَقَالَ ربه فأقاله، فليعمل بطاعة الله تعالى. وقال قتادة: والله ما تمنى إلا أَنْ يَرْجِعَ فَيَعْمَلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ، فَانظُرُوا أُمْنِيَّةَ الكافر المفرط فاعملوا بها، ولا قوة طلا بِاللَّهِ، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ نَحْوَهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ- يَعْنِي ابْنَ عِيَاضٍ- عَنْ لَيْثٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: إِذَا وُضِعَ- يَعْنِي الْكَافِرَ- فِي قَبْرِهِ فَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ، قَالَ: فَيَقُولُ: رَبِّ ارْجِعُونِ أَتُوبُ وَأَعْمَلُ صَالِحًا، قَالَ:
فَيُقَالُ قَدْ عُمِّرْتَ مَا كُنْتَ مُعَمَّرًا، قَالَ: فَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قبره ويلتئم، فَهُوَ كَالْمَنْهُوشِ يَنَامُ وَيَفْزَعُ، تَهْوِي إِلَيْهِ هَوَامُّ الْأَرْضِ وَحَيَّاتُهَا وَعَقَارِبُهَا «١».
وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ تَمَّامٍ، حَدَّثَنَا عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: وَيْلٌ لِأَهْلِ الْمَعَاصِي مِنْ أَهْلِ الْقُبُورِ تَدْخُلُ عَلَيْهِمْ فِي قُبُورِهِمْ حَيَّاتٌ سُودٌ أَوْ دُهْمٌ، حَيَّةٌ عِنْدَ رَأْسِهِ وَحَيَّةٌ عِنْدَ رِجْلَيْهِ يَقْرُصَانِهِ حَتَّى يَلْتَقِيَا فِي وَسَطِهِ، فَذَلِكَ الْعَذَابُ فِي الْبَرْزَخِ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ. وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ وَغَيْرُهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِنْ وَرائِهِمْ يَعْنِي أَمَامَهُمْ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ:
الْبَرْزَخُ الْحَاجِزُ مَا بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: الْبَرْزَخُ مَا بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، لَيْسُوا مَعَ أَهْلِ الدُّنْيَا يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَلَا مَعَ أَهْلِ الْآخِرَةِ يُجَازَوْنَ بِأَعْمَالِهِمْ. وَقَالَ أَبُو صَخْرٍ:
الْبَرْزَخُ الْمَقَابِرُ لَا هُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَا هُمْ فِي الْآخِرَةِ، فَهُمْ مُقِيمُونَ إِلَى يَوْمِ يَبْعَثُونَ، وَفِي قوله تعالى: وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ تَهْدِيدٌ لِهَؤُلَاءِ الْمُحْتَضَرِينَ مِنَ الظلمة بعذاب البرزخ، كما قال