
وقوله (ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ)
يجوز ضَعُفَ، وضُعِفَ الطالب والمطلوب، أي فهم يضعفون عن أن
يخلقوا ذبَاباً، وعن أن يستنقذوا من الذُّبَابشيئاً ضعف الذباب.
وقوله - عزَّ وجلَّ -: (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٧٥)
اصطفى اللَّه من الملائكة جبريل وميكائيل وإسرافيل ومَلَكَ الموتِ
واصطفى من الناسِ النبيينَ والمرسلين صلى الله عليهم وسلم أحمعين.
* * *
وقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٧٧)
أي اقصدوا بركوعكم وسجودكم الله وحده.
(وَافْعَلُوا الْخَيْرَ).
والخير كل مَا أمرَ اللَّه بِهِ.
وقوله: (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)
هذا ليس بشك، ولكن معناه لترجوا أن تكونوا على فلاح، كما قال
لموسى وهارون: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (٤٣) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (٤٤).
أي اذهبا على رجائِكمَا كما كما يرجو النبي ممنْ يُبْعَث إليه، واللَّه
عز وَجَلَّ من وراء العلم بما يؤول إليه أمر فرعون إلا أن الحجةَ لا تَقوم إلا بَعدَ الإِبَانَةِ.
وقوله عزَّ وَجَل: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (٧٨)
قيل إنه بمنزلة قوله: (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) وأن نسخها قوله:
(فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ).
وقوله: (هو اجْتَبَاكمْ) معناه: اختاركم.
* * ** * ** * ** * ** * ** * ** * **

وقوله: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ).
أي مِنْ ضيقٍ، جعل الله على من لم يستطع الشيء الذي يثقل في
وَقتٍ، ما هُو أخف منه، فجعل للصائم الإفطار في السفر، وبِقَصْر الصلاة
للمُصَلِّي إذا لم يُطِقِ القِيام أن يُصَلِّيَ قَاعدِاً، وإِن لم يطق القُعُودَ أن يُومِئَ
إيماءً، وجعل للرجل أن يتزوج أَرْبعاً، وجعل له جميع ما ملكتْهُ يمينُهُ.
فوسَّعَ اللَّه - عزَّ وَجَلَّ - عَلَى خلقِه.
وقوله: (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ).
معناه اتبعوا مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ.
وجائز أن يكون مَنْصُوباً بقوله: اعبدوا ربكم وافعلوا الخير فعْلَ أبيكم إبراهيم.
وقوله: (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا).
" هُوَ " رَاجِعَةٌ إلى اللَّه - عَر وَجَلً - المعنى: اللَّهُ سَمَّاكُمُ المُسْلِمِينَ مِنْ
قَبْلِ أن يُنَزِّلَ القرآن، وفي هذا القرآن سَمَّاكُمُ المُسْلِمِينَ.
وجائز أنْ يكون إبراهيمُ عليه السلام سَمَّاكُمُ المُسلِمِينَ من قبل، وفي هذا، أي حكم إبراهيم أن كل من آمن بمحمد مُوَحِّداً لِلَّهِ فقد سمَّاه إبراهيم مُسْلِماً.
وقوله: (وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ).
يروى أن الله سبحانه أعطى هذه الأمة ثلاثة أشياء لم يعْطَها إلا الأنبياء.
جُعِلَتْ شَهِيدَة على سائر الأمَمِ، والشهادة لكل نبيٍّ على أُمَّتِه.
وأن يقال للنبي عليه السلام: اذهب ولا حرج عليك، وقال اللَّه لهذه الأُمَّة: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)، وأنه قال لكل نَبِيٍّ سَلْ تُعْطَه، وقال لهذه الأمَّةِ: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ).