
- قَوْله تَعَالَى: وَجَاهدُوا فِي الله حق جهاده هُوَ اجتباكم وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج مِلَّة أبيكم إِبْرَاهِيم هُوَ سَمَّاكُم الْمُسلمين من قبل وَفِي هَذَا ليَكُون الرَّسُول شَهِيدا عَلَيْكُم وتكونوا شُهَدَاء على النَّاس فأقيموا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة واعتصموا بِاللَّه هُوَ مولاكم فَنعم الْمولى وَنعم النصير
صفحة رقم 77
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف قَالَ: قَالَ لي عمر أَلسنا كُنَّا نَقْرَأ فِيمَا نَقْرَأ ﴿وَجَاهدُوا فِي الله حق جهاده﴾ فِي آخر الزَّمَان كَمَا جاهدتم فِي أَوله قلت: بلَى
فَمَتَى هَذَا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ: إِذا كَانَت بَنو أُميَّة الْأُمَرَاء وَبَنُو الْمُغيرَة الوزراء
وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن الْمسور بن مخرمَة
قَالَ: قَالَ عمر لعبد الرَّحْمَن بن عَوْف فَذكره
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: ﴿وَجَاهدُوا فِي الله حق جهاده﴾ قَالَ: جاهدوا عَدو مُحَمَّد حَتَّى يدخلُوا فِي الإِسلام
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ ﴿وَجَاهدُوا فِي الله حق جهاده﴾ قَالَ: ان الرجل ليجاهد فِي الله حق جهاده وَمَا ضرب بِسيف
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل رَضِي الله عَنهُ ﴿وَجَاهدُوا فِي الله حق جهاده﴾ يَعْنِي الْعَمَل أَن يجتهدوا فِيهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ ﴿وَجَاهدُوا فِي الله حق جهاده﴾ قَالَ: يطاع فَلَا يعْصى
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج - رَضِي الله عَنهُ - ﴿وَجَاهدُوا فِي الله حق جهاده﴾ قَالَ: لَا تخافوا فِي الله لومة لائم ﴿هُوَ اجتباكم﴾ قَالَ: استخلصكم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن فضَالة بن عبيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - الْمُجَاهِد من جَاهد نَفسه فِي طَاعَة الله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عَائِشَة - رَضِي الله عَنْهَا - انها سَأَلت النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن هَذِه الْآيَة ﴿وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج﴾ قَالَ: من ضيق
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَة لِابْنِ عَبَّاس أما علينا فِي الدّين من حرج فِي أَن نَسْرِق أَو نزني قَالَ: بلَى
قَالَ: ﴿وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج﴾ قَالَ: الأصر الَّذِي كَانَ على بني إِسْرَائِيل وضع عَنْكُم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق ابْن شهَاب أَن ابْن عَبَّاس كَانَ يَقُول: فِي

قَوْله: ﴿وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج﴾ توسعة الْإِسْلَام مَا جعل الله من التَّوْبَة وَمن الْكَفَّارَات
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عُثْمَان بن بشار عَن ابْن عَبَّاس ﴿وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج﴾ قَالَ: هَذَا فِي هِلَال رَمَضَان إِذا شكّ فِيهِ النَّاس وَفِي الْحَج إِذا شكوا فِي الْهلَال وَفِي الْأَضْحَى وَفِي الْفطر وَفِي أشباهه
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق سعيد بن جُبَير أَن ابْن عَبَّاس سُئِلَ عَن الْحَرج فَقَالَ: ادعوا لي رجلا من هُذَيْل فَجَاءَهُ فَقَالَ: مَا الْحَرج فِيكُم فَقَالَ: الحرجة من الشّجر الَّتِي لَيْسَ لَهَا مخرج
فَقَالَ ابْن عَبَّاس: هَذَا الْحَرج الَّذِي لَيْسَ لَهُ مخرج
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من طَرِيق عبيد الله بن أبي يزِيد أَن ابْن عَبَّاس سُئِلَ عَن الْحَرج فَقَالَ: هَهُنَا أحد من هُذَيْل فَقَالَ رجل: أَنا
فَقَالَ: مَا تَعدونَ الحرجة فِيكُم قَالَ: الشَّيْء الضّيق
قَالَ: هُوَ ذَاك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ: الْحَرج الضّيق لم يَجعله ضيقا وَلكنه جعله وَاسِعًا أحل لكم من النِّسَاء مثنى وَثَلَاث وَربَاع ﴿وَمَا ملكت أَيْمَانكُم﴾ ﴿حرم عَلَيْكُم الْميتَة وَالدَّم وَلحم الْخِنْزِير﴾
وَأخرج مُحَمَّد بن يحيى الذهلي فِي الزهريات وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن شهَاب قَالَ: سَأَلَ عبد الْملك بن مَرْوَان عَليّ بن عبد الله عَن هَذِه الْآيَة ﴿وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج﴾ فَقَالَ عَليّ بن عبد الله: الْحَرج الضّيق جعل الله الْكَفَّارَات مخرجا من ذَلِك
سَمِعت ابْن عَبَّاس يَقُول ذَلِك
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن مُحَمَّد بن زيد بن عبد الله بن عمر قَالَ: قَرَأَ عمر بن الْخطاب هَذِه الْآيَة ﴿وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج﴾ ثمَّ قَالَ: ادعوا لي رجلا من بني مُدْلِج
قَالَ عمر: مَا الْحَرج فِيكُم قَالَ: الضّيق
وَأخرج أَحْمد عَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان قَالَ: غَابَ عَنَّا رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَوْمًا فَلم يخرج حَتَّى ظننا أَن لن يخرج فَلَمَّا خرج سجد سَجْدَة فظننا أَن نَفسه قد قبضت فَلَمَّا رفع رَأسه قَالَ: إِن رَبِّي عز وَجل إستشارني فِي أمتِي مَاذَا أفعل بهم

فَقلت: مَا شِئْت أَي رب هم خلقك وعبادك فاستشارني الثَّانِيَة فَقلت لَهُ كَذَلِك فَقَالَ: لَا أخزيك فِي أمتك يَا مُحَمَّد وبشرني: إِن أول من يدْخل الْجنَّة من أمتِي معي سَبْعُونَ ألفا مَعَ كل ألف سَبْعُونَ ألفا لَيْسَ عَلَيْهِم حِسَاب
ثمَّ أرسل إِلَيّ ادْع تجب وسل تعط فَقلت لرَسُوله: أَو معطي رَبِّي سؤلي قَالَ: مَا أَرْسلنِي إِلَيْك إِلَّا ليعطيك
وَلَقَد أَعْطَانِي رَبِّي عز وَجل وَلَا فَخر وَغفر لي مَا تقدم من ذَنبي وَمَا تأخروأنا أَمْشِي حَيَاء وَأَعْطَانِي أَن لَا تجوع أمتِي وَلَا تغلبوأعطاني الْكَوْثَر فَهُوَ نهر فِي الْجنَّة يسيل فِي حَوْضِي وَأَعْطَانِي الْعِزّ والنصر والرعب يسْعَى بَين يَدي أمتِي شهرا وَأَعْطَانِي: أَنِّي أول الْأَنْبِيَاء أَدخل الْجنَّة وَطيب لي ولأمتي الْغَنِيمَة وَأحل لنا كثيرا مِمَّن شدد على من قبلنَا وَلم يَجْعَل علينا من حرج فَلم أجد لي شكرا إِلَّا هَذِه السَّجْدَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل بن حَيَّان فِي قَوْله: ﴿وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج﴾ يَقُول: لم يضيق الدّين عَلَيْكُم وَلَكِن جعله وَاسِعًا لمن دخله وَذَلِكَ أَنه لَيْسَ مِمَّا فرض عَلَيْهِم فِيهِ إِلَّا سَاق إِلَيْهِم عِنْد الِاضْطِرَار رخصَة والرخصة فِي الدُّنْيَا فِيهَا وسع عَلَيْهِم رَحْمَة مِنْهُ إِذا فرض عَلَيْهِم الصَّلَاة فِي الْمقَام أَربع رَكْعَات وَجعلهَا فِي السّفر رَكْعَتَيْنِ وَعند الْخَوْف من الْعَدو رَكْعَة ثمَّ جعل فِي وجهة رخصَة أَن يوميء إِيمَاء أَن لم يَسْتَطِيع السُّجُود فِي أَي نَحْو كَانَ وَجهه لمن تجَاوز عَن السَّيِّئَات مِنْهُ وَالْخَطَأ وَجعل فِي الْوضُوء وَالْغسْل رخصَة إِذا لم يجد المَاء أَن يتيمموا الصَّعِيد وَجعل الصّيام على الْمُقِيم وَاجِبا وَرخّص فِيهِ للْمَرِيض وَالْمُسَافر عدَّة من أَيَّام أخر فَمن لم يطق فإطعام مِسْكين مَكَان كل يَوْم وَجعل فِي الْحَج رخصَة إِن لم يجد زاداً أَو حملاناً أَو حبس دونه وَجعل فِي الْجِهَاد رخصَة إِن لم يجد حملاناً أَو نَفَقَة وَجعل عِنْد الْجهد والاضطرار من الْجُوع: أَن رخص فِي الْميتَة وَالدَّم وَلحم الْخِنْزِير قدر مَا يرد نَفسه لَا يَمُوت جوعا فِي أشباه هَذَا فِي الْقُرْآن وسعة الله على هَذِه الْأمة رخصَة مِنْهُ سَاقهَا إِلَيْهِم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: ﴿مِلَّة أبيكم إِبْرَاهِيم﴾ قَالَ: دين أبيكم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طرق عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله ﴿هُوَ سَمَّاكُم الْمُسلمين من قبل﴾ قَالَ الله عز وَجل ﴿سَمَّاكُم﴾

وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: ﴿هُوَ سَمَّاكُم الْمُسلمين﴾ قَالَ الله عز وَجل ﴿سَمَّاكُم الْمُسلمين من قبل﴾ قَالَ الْكتب كلهَا وَفِي الذّكر ﴿وَفِي هَذَا﴾ قَالَ: الْقُرْآن
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: ﴿هُوَ سَمَّاكُم﴾ قَالَ الله ﴿سَمَّاكُم الْمُسلمين من قبل وَفِي هَذَا﴾ أَي فِي كتابكُمْ: ﴿ليَكُون الرَّسُول شَهِيدا عَلَيْكُم﴾ أَنه قد بَلغَكُمْ ﴿وتكونوا شُهَدَاء على النَّاس﴾ أَن رسلهم قد بلغتهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن سُفْيَان فِي قَوْله: ﴿هُوَ سَمَّاكُم الْمُسلمين﴾ قَالَ الله عز وَجل ﴿من قبل﴾ قَالَ: فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل ﴿وَفِي هَذَا﴾ قَالَ: الْقُرْآن ﴿ليَكُون الرَّسُول شَهِيدا عَلَيْكُم﴾ قَالَ: بأعمالكم ﴿وتكونوا شُهَدَاء على النَّاس﴾ قَالَ: على الْأُمَم بِأَن الرُّسُل قد بلغتهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي الْآيَة قَالَ: لم يذكر الله بِالْإِسْلَامِ وَالْإِيمَان غير هَذِه الْأمة ذكرت بهما جَمِيعًا وَلم يسمع بِأمة ذكرت بِالْإِسْلَامِ وَالْإِيمَان غَيرهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله: ﴿هُوَ سَمَّاكُم الْمُسلمين﴾ قَالَ إِبْرَاهِيم: أَلا ترى إِلَى قَوْله ﴿رَبنَا واجعلنا مُسلمين لَك﴾ الْآيَة: كلهَا
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَأحمد وَابْن حبَان وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ والموصلي وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان والباوردي وَابْن قَانِع وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن الْحَارِث الْأَشْعَرِيّ عَن رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: من دَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّة فَإِنَّهُ من جثاء جَهَنَّم قَالَ رجل: يَا رَسُول الله وَإِن صَامَ وصلّى قَالَ: نعم
فَادعوا بدعوة الله الَّتِي سَمَّاكُم بهَا الْمُسلمين وَالْمُؤمنِينَ عباد الله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الله بن يزِيد الْأنْصَارِيّ قَالَ: تسموا بأسمائكم الَّتِي سَمَّاكُم الله بهَا: بالحنيفية وَالْإِسْلَام وَالْإِيمَان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَإِسْحَق بن رَاهَوَيْه فِي مُسْنده عَن مَكْحُول: أَن النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: تسمى الله باسمين سمى بهما أمتِي: هُوَ السَّلَام وسمى أمتِي الْمُسلمين وَهُوَ الْمُؤمن وسمى أمتِي الْمُؤمنِينَ وَالله تَعَالَى أعلم

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
سُورَة الْمُؤْمِنُونَمَكِّيَّة وآياتها ثَمَانِي عشرَة وَمِائَة
مُقَدّمَة سُورَة الْمُؤْمِنُونَ أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت بِمَكَّة سُورَة الْمُؤمنِينَ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالشَّافِعِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماجة وَابْن خُزَيْمَة والطَّحَاوِي وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عبد الله بن ثَابت قَالَ صلى النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم -: بِمَكَّة الصُّبْح فَاسْتَفْتَحَ سُورَة الْمُؤمنِينَ حَتَّى إِذا جَاءَ ذكر مُوسَى وَهَارُون أَو ذكر عِيسَى أَخَذته سعلة فَرَكَعَ صفحة رقم 82