آيات من القرآن الكريم

وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ۚ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ ۖ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ
ﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳ

صلاةٍ لا سجدة تلاوةٍ.
واختلف العلماء في عدة سجود التلاوة، فذهب الشافعي وأحمد وأكثر أهل العلم، إلى أنها أربع عشرة سجدة، لكن قال الشافعي: في الحج سجدتان، وأسقط سجدة ﴿ص﴾ وقال أبو حنيفة في الحج سجدة واحدة، وأثبت سجدة ﴿ص﴾. وبه قال: أحمد في إحدى الروايتين عنه، فعنده أن السجدات خمس عشرة سجدة.
وذهب قوم إلى أن المفصل ليس فيه سجود. ويروى ذلك عن أبي بن كعب وابن عباس وبه قال مالك. فعلى هذا يكون سجود القرآن إحدى عشرة سجدة. يدل عليه ما روي عن أبي الدراء أن النبي - ﷺ - قال: "في القرآن أحد عشرة سجدة". أخرجه أبو داود، وقال: إسناده واهٍ. ودليل من قال: في القرآن خمس عشرة سجدة؟ ما روي عن عمرو بن العاص قال: أقرأني رسول الله - ﷺ - القرآن خمس عشرة سجدة. منها: ثلاثة في المفصل، وفي سورة الحج سجدتان. أخرجه أبو داود. وصح من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سجدنا مع رسول الله - ﷺ - في إقرأ، وإذا السماء انشقت. أخرجه مسلم.
وسجود التلاوة سنة للقارىء والمستمع. وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة هو واجب. ولا يصح سجود التلاوة إلا بتكبيرة الإحرام والسلام خلافًا لأصحاب أبي حنيفة وبعض أصحاب الشافعي. ولا يجزىء الركوع عن سجود التلاوة. وقال: أبو حنيفة يجزىء. ولا يسجد المستمع إذا لم يسجد التالي. نص عليه أحمد. وتكره قراءة السجدة في صلاة الإخفات خلافًا للشافعي. ذكره ابن الجوزي.
٧٨ - ﴿وَجَاهِدُوا﴾ أيها المؤمنون ﴿فِي اللَّهِ﴾؛ أي: في (١) سبيله وطاعته، ونصر دينه على أعداء دينه الظاهرة والباطنة، من أهل الضلال والبدع والهوى والنفس.

(١) المراح.

صفحة رقم 425

﴿حَقَّ جِهَادِهِ﴾؛ أي: جهادًا حقًا خالصًا لوجهه. لا تخشون فيه لومة لائم. قيل: المراد به الجهاد الأكبر، وهو الغزو للكفار، ومدافعتهم إذا غزوا بلاد المسلمين. وقيل: المراد بالجهاد هنا امتثال ما أمرهم الله به، في الآية المتقدمة، أو امتثال جميع ما أمر به، ونهى عنه. على العموم.
ومعنى: ﴿حَقَّ جِهَادِهِ﴾ المبالغة (١) في الأمر بهذا الجهاد؛ لأنه أضاف الحق إلى الجهاد. والأصل إضافة الجهاد إلى الحق؛ أي: جهادًا خالصًا لله، فعكس ذلك لقصد المبالغة. وأضاف الجهاد إلى الضمير اتساعًا أو لاختصاصه به سبحانه، من حيث كونه مفعولًا له، ومن أجله. وقيل: المراد بحق جهاده، هو أن لا يخافوا في الله لومة لائم. وقيل: المراد به استفراغ ما في وسعهم في إحياء دين الله.
وقال مقاتل والكلبي: إن الآية منسوخة بقوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ كما أن قوله: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ منسوخ بذلك. ورد ذلك بأن التكليف مشروط بالقدرة، فلا حاجة إلى المصير إلى النسخ.
ثم عظم سبحانه شأن المكلفين بقوله: ﴿هُوَ﴾ سبحانه لا غيره ﴿اجْتَبَاكُمْ﴾؛ أي (٢): اختاركم من سائر الأمم، وخصكم بأكرم رسول وأكمل شرع. وقيل: اختاركم للاشتغال بطاعته من بين سائر البريات. وقيل: اختاركم لدينه، ونصرته لا غيره. وفيه (٣) تنبيه على ما يقتضي الجهاد، ويدعو إليه. قال ابن عطاء: الاجتبائية أورثت المجاهدة، لا المجاهدة أورثت الاجتبائية، انتهى.
وفيه تشريف لهم عظيم، ثم لما كان في التكليف مشقة على النفس في بعض الحالات قال: ﴿وَمَا جَعَلَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿عَلَيْكُمْ﴾ أيتها الأمة المحمدية ﴿فِي الدِّينِ﴾ الذي تعبّدكم به ﴿مِنْ حَرَجٍ﴾؛ أي: من ضيق وشدة وصعوبة

(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.

صفحة رقم 426

لا مخرج لكم منه، بل وسع عليكم، وجعل لكم من كل ذنب مخلصًا، فرخص لكم في المضايق، فالصلاة وهي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين تجب في الحضر أربعًا، وفي السفر تقصر إلى ركعتين ويصليها المريض جالسًا، فإن لم يستطع فعلى جنبه، وأباح الفطر حين السفر وحين الإرضاع والحمل والشغل في شاق الأعمال، ولم يوجب علينا الجمعة في المساجد حين السفر، أو الخوف من عدو أو سبع أو مطر، إلى نحو أولئك كما فتح لكم باب التوبة، وشرع لكم الكفارات في حقوقه، ودفع الدية بدل القصاص إذا رضي الولي.
وعبارة الشوكاني هنا: وقد اختلف العلماء في هذا الحرج، الذي رفعه الله، فقيل: هو ما أحله الله من النساء، مثنى وثلاث ورباع وملك اليمين. وقيل: المراد قصر الصلاة والإفطار للمسافر، والصلاة بالإيماء، على من لا يقدر على غيره، وإسقاط الجهاد عن الأعرج والأعمى والمريض، واغتفار الخطأ في تقديم الصيام وتأخيره لاختلاف الأهلة. وكذا في الفطر والأضحى. وقيل: المعنى أنه سبحانه وتعالى ما جعل عليهم حرجًا بتكليف ما يشق عليهم، ولكن كلفهم بما يقدرون عليه، ورفع عنهم التكاليف التي فيها حرج، فلم يتعبدهم بها، كما تعبد بها بني إسرائيل. وقيل: المراد بذلك أنه جعل لهم من الذنب مخرجًا. بفتح باب التوبة وقبول الاستغفار، والتكفير فيما شرع فيه الكفارة، والأرش أو القصاص في الجنايات، ورد المال أو مثله أو قيمته في الغصب ونحوه.
والظاهر: أن الآية أعم من هذا كله، فقد حط الله سبحانه، ما فيه مشقة، من التكاليف على عباده، إما بإسقاطها من الأصل وعدم التكليف بها كما كلف بها غيرهم، أو بالتخفيف وتجويز العدول إلى بدل، لا مشقة فيه، أو مشروعية التخلص من الذنب بالوجه الذي شرعه، وما أنفع هذه الآية، وأجل موقعها وأعظم فائدتها. ومثلها قوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ وقوله: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ وقوله: ﴿رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ﴾.

صفحة رقم 427

فإن قلت (١): كيف لا حرج فيه، مع أنَّ في قطع اليد بسرقة ربع دينار، ورجم محصن بزنا مرةٍ، ووجوب صوم شهرين متتابعين، بإفساد صوم يوم من رمضان بوطء ونحو ذلك حرجًا؟
فالجواب: المراد بالدين التوحيد، ولا حرج فيه، بل فيه تخفيف، فإنه يكفر ما قبله من الشرك وإن امتد، ولا يتوقف الإتيان به على زمان أو مكان معين، أو أن كل ما يقع فيه الإنسان من المعاصي، يجد له في الشرع مخرجًا بتوبةٍ، أو كفارةٍ، أو رخصةٍ.
أو المراد نفي الحرج الذي كان في زمن بني إسرائيل، من الإصر والتشديد، والتضييق بتكليف ما لا يطيقون، فلا يرد نحو المخاطرة بالنفس والمال في الحج والغزو اهـ. كرخي.
وفي "القرطبي": قال العلماء (٢): رفع الحرج إنما هو لمن استقام على منهاج الشرع، وأما السراق وأصحاب الحدود فعليهم الحرج، وهم جاعلوه على أنفسم، بمفارقتهم الدين، وليس في الشرع أعظم حرجًا، من إلزام ثبات رجلٍ لاثنين في سبل الله، لكنه مع صحة اليقين وجودة العزم ليس بحرج، اهـ.
وانتصاب ملة في قوله: ﴿مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ﴾ على المصدرية بفعل دل عليه ما قبله، تقديره: وسع عليكم دينكم توسعة ملة أبيكم إبراهيم، ثم حذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، وهذا أظهر ما ذكروه هنا من الأوجه، كما قاله الزمخشري. أو منصوب بـ ﴿اتبعوا﴾ مضمرًا قاله الحوفي، وتبعه أبو البقاء. أو منصوب على الاختصاص؛ أي: أعني بالدين ملة أبيكم. أو منصوب بـ (جعل) مقدرًا. قاله ابن عطية؛ أي: جعل لكم ملة أبيكم دينا، أو منصوب بنزع الخافض، تقديره: ملتكم كملة أبيكم إبراهيم في السهولة.
فإن قلت: لم يكن إبراهيم أبًا للأمة كلها، فكيف سماه الله سبحانه، أبا، في قوله: ﴿مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ﴾؟

(١) الفتوحات.
(٢) القرطبي.

صفحة رقم 428

قلت: إن كان الخطاب للعرب، فهو أبو العرب قاطبةً فلا إشكال، وإن كان الخطاب لكل المسلمين، فهو أبو المسلمين لكونه أبًا لنبيهم - ﷺ -. والمراد: أن احترامه وحفظ حقه واجب عليهم، كما يجب احترام الأب.
والضمير في قوله: ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ﴾ عائد إلى الله، بدليل قراءة أبي ﴿الله سماكم﴾ والمعنى: هو سبحانه وتعالى سماكم المسلمين، في الكتب القديمة ﴿مِنْ قَبْلُ﴾ نزول القرآن. وقيل: عائد على إبراهيم، يعني أن إبراهيم سماكم المسلمين في زمنه، من قبل هذا الوقت، كما حكاه تعالى في قوله: ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ﴾ فاستجاب الله دعاءه فينا.
﴿و﴾ سماكم الله سبحانه مسلمين ﴿في هذا﴾ القرآن بقوله: ﴿وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾. وقيل: الله سماكم المسلمين في الأزل، من قبل أن خلقكم، وبعد أن خلقكم، أو سماكم إبراهيم مسلمين في هذا القرآن. وتسميته إياهم (١) مسلمين في القرآن وإن لم تكن منه كان بسبب تسميته من قبل في قوله: ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ﴾. وقيل: التقدير في قوله: ﴿وَفِي هَذَا﴾ أي: وفي هذا القرآن بيان تسميته إياكم مسلمين.
ثم علل سبحانه ذلك بقوله: ﴿لِيَكُونَ الرَّسُولُ﴾ متعلق بـ ﴿سَمَّاكُمُ﴾، واللام فيه، لام العاقبة؛ أي: ليكون الرسول محمد - ﷺ - يوم القيامة ﴿شَهِيدًا عَلَيْكُمْ﴾ بأنه قد بلغكم رسالة ربكم، فيدل هذا على قبول شهادته لنفسه اعتمادًا على عصمته، أو بطاعة من أطاعه منكم، وعصيان من عصاه ﴿وَتَكُونُوا﴾ أنتم أيتها الأمة المحمدية ﴿شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾؛ أي: على الأمم الماضية، بأن رسلهم قد بلغتهم.
والمعنى: أي (٢) إنما جعلكم هكذا أمة وسطًا عدولًا مشهودًا بعدالتكم بين الأمم، ليكون محمد - ﷺ - شهيدًا عليهم يوم القيامة، بأنه قد بلغكم ما أرسل به إليكم، وتكونوا شهداء على الناس، بأن رسلهم قد بلغوهم ما أرسلوا به إليهم.
وإنما قبلت شهادتهم على الناس لسائر الأنبياء لأنهم لم يفرقوا بين أحد

(١) البيضاوي.
(٢) المراغي.

صفحة رقم 429

منهم، وعلموا أخبارهم من كتابهم على لسان نبيِّهم ولاعتراف سائر الأمم يومئذٍ بفضلهم على سواهم، وقد تقدم ذكر هذا في سورة الأنعام عند قوله: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾، الآية.
ولما ندبهم لأداء الشهادة على الأمم جميعًا، طلب منهم دوام عبادته، والاعتصام بحبله المتين، فقال: ﴿فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾؛ أي: فداوموا أيها المؤمنون، على إقامة الصلوات الخمس، وأدائها بحقوقها وشروطها في أوقاتها. ﴿وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾؛ أي: وداوموا على إيتائها وأدائها لمستحقيها، وتقربوا إليه بأنواع الطاعات لما خصكم بهذا الفضل العظيم، والشرف الجسيم، وإنما خص الصلاة والزكاة بالذكر، من بين أنواع الطاعات، لفضلها على غيرهما، فإن الأولى تدل على تعظيم أمر الله تعالى. والثانية على الشفقة على الخلق، ﴿وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ﴾؛ أي: واحتفظوا بالله مما تحذرون وتخافون منه، واعتمدوا عليه، والتجؤوا إليه، وثقوا به في مجامع أموركم دينًا ودنيا، وانتصروا به على أعدائكم، ولا تطلبوا الإعانة والنصرة إلا منه تعالى. ﴿هُوَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿مَوْلَاكُمْ﴾؛ أي: ناصركم وحافظكم ومتولي أحوالكم. وقيل: المراد بقوله: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ﴾؛ أي: تمسكوا بدين الله تعالى.
والمعنى: أي فقابلوا هذه النعم العظيمة، بالقيام بشكرها، فأدوا حق الله عليكم، بطاعته فيما أوجب، وترك ما حرم، ومن أهم ذلك إقامة الصلاة، التي هي صلة بينكم وبين ربكم، وإيتاء الزكاة التي هي طهرة أبدانكم، وصلة ما بينكم وبين إخوانكم، واستعينوا بالله في جميع أموركم، وهو ناصركم على من يعاديكم.
ثم علل الاعتصام به بقوله: ﴿فَنِعْمَ الْمَوْلَى﴾ مولاكم، لا مماثل له في الولاية لأموركم ﴿وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ ناصركم، لا مماثل له في النصرة لكم؛ أي: إن من تولاه كفاه، كل ما أهمه، وإذا نصر أحدًا، أعلاه على كل من خاصمه، إذ لا ناصر في الحقيقة سواه، ولا ولي غيره، فله الحمد، وهو رب العالمين.

صفحة رقم 430

الإعراب
﴿ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (٦٠)﴾.
﴿ذَلِكَ﴾: خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: الأمر ذلك الذي قصصنا عليك، من إنجاز الوعد للمهاجرن الذين قتلوا أو ماتوا. وفي الخطيب ذلك؛ أي: الأمر المقرر من صفات الله تعالى، الذي قصصنا عليك. اهـ. والجملة مستأنفة. ﴿وَمَنْ عَاقَبَ﴾: الواو استئنافية. ﴿مَن﴾ اسم شرط جازم في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الجواب، أو الشرط، أو هما، أو موصولة مبتدأ. ﴿عَاقَبَ﴾: فعل ماض في محل الجزم بـ ﴿مَن﴾ على كونها شرطية، أو صلة لـ ﴿من﴾ الموصولة على كونها موصولة. وفاعله ضمير يعود على ﴿من﴾. ﴿بِمِثْلِ مَا﴾ جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿عَاقَبَ﴾، والباء سببية هنا لا باء الآلة. ﴿عُوقِبَ﴾: فعل ماض مغير الصيغة، ونائب فاعله ضمير يعود على ﴿من﴾. ﴿بِهِ﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿عُوقِبَ﴾، وجملة ﴿عُوقِبَ﴾ صلة لـ ﴿مَا﴾ الموصولة ﴿ثُمَّ﴾ حرف عطف وترتيب. ﴿بُغِيَ﴾: فعل ماض مغير الصيغة، معطوف على ﴿عاقب﴾ على كونها فعل شرط لـ ﴿من﴾ إن كانت شرطية، أو على كونها صلة لها؛ إن كانت موصولة. ﴿عَلَيْهِ﴾: جار ومجرور نائب فاعل لـ ﴿بُغِيَ﴾. ﴿لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ﴾ اللام: موطئة للقسم، ﴿ينصرن﴾ فعل مضارع في محل الرفع، لتجرده عن الناصب والجازم، مبنيٌّ على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة. والهاء: مفعول به ولفظ الجلالة فاعل. والجملة الفعلية جواب لقسم محذوف، تقديره: وعزتي وجلالي لينصرنه الله. وجملة القسم في محل الجزم جواب ﴿مَن﴾ الشرطية، أو في محل الرفع خبر ﴿مَن﴾ الموصولة، وجملة ﴿من﴾ الشرطية، أو الموصولة مستأنفة. ﴿إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ﴾: ناصب واسمه وخبره. واللام: حرف ابتداء. ﴿غَفُورٌ﴾: خبر ثان لـ ﴿إِنَّ﴾، جملة ﴿إِنَّ﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.
﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٦١)﴾.

صفحة رقم 431

﴿ذَلِكَ﴾: مبتدأ. ﴿بِأَنَّ اللَّهَ﴾: الباء حرف جر ﴿أن الله﴾: ناصب واسمه ﴿يُولِجُ اللَّيْلَ﴾: فعل ومفعول وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهَ﴾، وجملة ﴿يُولِجُ﴾ في محل الرفع خبر ﴿أن﴾، وجملة ﴿أن﴾ في تأويل مصدر مجرور بالباء. تقديره: ذلك بسبب إيلاج الله الليل ﴿فِي النَّهَارِ﴾: الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، تقديره: ذلك كائن بسبب قدرة الله، على إيلاج الليل في النهار، والجملة الاسمية مستأنفة، مسوقة لتقرير قدرته تعالى على النصر. ﴿فِي النَّهَارِ﴾: متعلق بـ ﴿يُولِجُ﴾. و ﴿وَيُولِجُ النَّهَارَ﴾ فعل وفاعل مستتر، ومفعول به معطوف على ﴿يُولِجُ﴾. ﴿فِي اللَّيْلِ﴾ متعلق بـ ﴿يُولِجُ﴾. ﴿وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ﴾ ناصب واسمه وخبره. ﴿بَصِيرٌ﴾ خبر ثان لها. وجملة ﴿أن﴾ معطوفة على جملة ﴿أن﴾ الأولى.
﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾.
﴿ذَلِكَ﴾: مبتدأ. ﴿بِأَنَّ اللَّهَ﴾: جار ومجرور خبره والجملة مستأنفة مسوقة لتقرير دليل آخر، إلى جانب الدليل الأول، وهو القدرة على جميع الممكنات، وهو كونه تعالى حقًا ثابتًا، وما عداه معدوم وزائل. ﴿أن﴾: حرف نصب. ﴿اللَّهَ﴾: اسمها. ﴿هُوَ﴾ ضمير فصل ﴿الْحَقُّ﴾: خبرها، وجملة ﴿أن﴾ في تأويل مصدر مجرور بالباء ﴿وَأَنَّ﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿أن﴾: حرف نصب. ﴿مَا﴾: موصولة أو موصوفة في محل النصب، اسم ﴿أن﴾ ﴿يَدْعُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة لـ ﴿مَا﴾ أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف، تقديره: يدعونه ﴿مِنْ دُونِهِ﴾ جار ومجرور، ومضاف إليه، حال من فاعل: ﴿يَدْعُونَ﴾؛ أي: حالة كونهم متجاوزين الله. ﴿هُوَ﴾: ضمير فصل. ﴿الْبَاطِلُ﴾: خبر ﴿أن﴾. وجملة ﴿أن﴾ معطوفة على جملة قوله: ﴿بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ﴾. ﴿وَأَنَّ اللَّهَ﴾: ناصب واسمه. ﴿هُوَ﴾: ضمير فصل. ﴿الْعَلِيُّ﴾: خبر أول لـ ﴿أن﴾. ﴿الْكَبِيرُ﴾. خبر ثان لها، وجملة ﴿أن﴾ معطوفة على جملة ﴿أن﴾ الأولى.
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ

صفحة رقم 432

لَطِيفٌ خَبِيرٌ (٦٣)}.
﴿أَلَمْ﴾: ﴿الهمزة﴾: للاستفهام التقريري. ﴿لم تر﴾: جازم ومجزوم، وفاعله ضمير مستتر، يعود على محمد، أو على أيِّ مخاطب، والجملة مستأنفة. ﴿أَنَّ اللَّهَ﴾: ناصب واسمه. ﴿أَنْزَلَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على الله ﴿مِنَ السَّمَاءِ﴾: متعلق به. ﴿مَاءً﴾ مفعول به. وجملة ﴿أَنْزَلَ﴾ في محل الرفع خبر ﴿أَنَّ﴾ وجملة ﴿أَنَّ﴾ في تأويل مصدر، ساد مسد مفعولي ﴿تَرَ﴾؛ لأنها علمية، أو سادة مسد مفعولها، إن كانت بصرية. ﴿فَتُصْبِحُ﴾: الفاء: عاطفة، لا سببية؛ لأن الاستفهام تقرير مؤول بالخبر؛ أي: قد رأيت، والخبر لا جواب له، وأيضًا لا تصح السببية هنا، فإن الرؤية لا يتسبب عنها اخضرار الأرض، بل إنما يوجبه إنزال الماء، بعد أن تصبح جهة تصبح فعل مضارع ناقص معطوف على ﴿أَنْزَلَ﴾. ﴿الْأَرْضُ﴾: اسمها. ﴿مُخْضَرَّةً﴾ خبرها. ﴿إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ﴾: ناصب واسمه وخبره. ﴿خَبِيرٌ﴾ خبر ثانٍ. وجملة ﴿إن﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.
﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٦٤)﴾
﴿لَهُ﴾: خبر مقدم. ﴿مَا﴾: موصولة أو موصوفة في محل الرفع مبتدأ مؤخر، والجملة مستأنفة. ﴿فِي السَّمَاوَاتِ﴾: جار ومجرور صلة لـ ﴿مَا﴾ أو صفة لها. ﴿وَمَا﴾: معطوف على ﴿مَا﴾ الأولى. ﴿فِي الْأَرْضِ﴾: صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها. ﴿وَإِنَّ اللَّهَ﴾: ناصب واسمه. ﴿لَهُوَ﴾ اللام: حرف ابتداء. ﴿هو﴾: ضمير فصل. ﴿الْغَنِيُّ﴾: خبر أول لـ ﴿أَنَّ﴾. ﴿الْحَمِيدُ﴾: خبر ثان لها وجملة ﴿أَنَّ﴾ معطوفة على الجملة الاسمية قبلها.
﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ﴾.
﴿أَلَمْ تَرَ﴾: الهمزة للاستفهام التقريري. ﴿تَرَ﴾: فعل مضارع، وفاعل مستتر مجزوم بـ ﴿لم﴾، والجملة مستأنفة ﴿أَنَّ اللَّهَ﴾: ناصب واسمه. ﴿سَخَّرَ﴾: فعل ماض وفاعل مستتر. ﴿لَكُمْ﴾: متعلق بـ ﴿سَخَّرَ﴾ وجملة ﴿سَخَّرَ﴾ في محل الرفع خبر ﴿أَنَّ﴾، وجملة ﴿أَنَّ﴾ في تأويل مصدر ساد مسد مفعولي ﴿تَرَ﴾. لأنها

صفحة رقم 433

علمية. ﴿مَّا﴾: موصولة أو موصوفة في محل النصب، مفعول ﴿سَخَّرَ﴾. ﴿فِي الْأَرْضِ﴾: صلة لـ ﴿مَّا﴾ أو صفة لها. ﴿وَالْفُلْكَ﴾: معطوف على ﴿ما في الأرض﴾. ﴿تَجْرِي﴾: فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على الفلك. ﴿فِي الْبَحْرِ﴾: متعلق به، والجملة الفعلية حال من الفلك. ﴿بِأَمْرِهِ﴾ جار ومجرور، ومضاف إليه، حال من فاعل ﴿تَجْرِي﴾ أو متعلق به.
﴿وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾.
﴿وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ﴾: فعل ومفعول به وفاعل مستتر يعود على ﴿الله﴾ معطوف على ﴿سخر﴾ ﴿أَنْ﴾: حرف نصب ومصدر. ﴿تَقَعَ﴾: فعل مضارع منصوب بـ ﴿أَنْ﴾، وفاعله ضمير يعود على السماء. ﴿عَلَى الْأَرْضِ﴾: متعلق به، والجملة الفعلية مع ﴿أَنْ﴾ المصدرية في تأويل مصدر مجرور، بإضافة المصدر المقدر المعلِّل، للجملة الفعلية، تقديره: كراهية وقوعها على الأرض، أو في تأويل مصدر مجرور بمن المقدرة، تقديره: ويمسك السماء من وقوعها على الأرض. واختار أبو البقاء، وغيره، أن تكون بدل اشتمال من السماء؛ أي: ويمسك وقوعها على الأرض بمعنى يمنعه. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ من أعم الأحوال، وهو لا يقع في الكلام الموجب، إلا أن قوله: ﴿وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ﴾: في قوة النفي؛ أي: لا يتركها، تقع في حالةٍ من الأحوال، إلا في حالة كونها ملتبسة بإذن الله ومشيئته. فالباء للملابسة. اهـ. زاده. ﴿بِإِذْنِهِ﴾: جار ومجرور. ومضاف إليه. متعلق بمحذوف حال من فاعل تقع؛ أي: لا تقع على الأرض إلا حالة كونها ملتبسة بإذنه تعالى. ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾: ناصب واسمه. ﴿بِالنَّاسِ﴾: متعلق بـ ﴿رؤوف﴾. ﴿لَرَءُوفٌ﴾: خبر أول لـ ﴿إِنَّ﴾. واللام حرف ابتداء. ﴿رَحِيمٌ﴾: خبر ثان لها، وجملة ﴿إنَّ﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.
﴿وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ (٦٦)﴾.
﴿وَهُوَ الَّذِي﴾: مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة. ﴿أَحْيَاكُمْ﴾: فعل ومفعول به، وفاعل مستتر عائد على الموصول، والجملة صلة الموصول. ﴿ثُمَّ يُمِيتُكُمْ﴾:

صفحة رقم 434

فعل ومفعول وفاعل مستتر معطوف على أحياكم. وكذا قوله: ﴿ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾: معطوف عليه. ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ﴾ ناصب واسمه. ﴿لَكَفُورٌ﴾: خبره، واللام حرف ابتداء، وجملة ﴿إن﴾ مستأنفة مفيدة لتعليل عدم الاعتبار، والتبصر بعد هذه العبر والدلائل.
﴿لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ (٦٧)﴾.
﴿لِكُلِّ أُمَّةٍ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، مفعول ثان مقدم لـ ﴿جَعَلْنَا﴾. ﴿جَعَلْنَا﴾: فعل وفاعل ﴿مَنْسَكًا﴾: مفعول أول لـ ﴿جَعَلْنَا﴾ والجملة الفعلية مستأنفة، استئنافًا نحويًا، لا محل لها من الإعراب. ﴿هُمْ﴾ مبتدأ ﴿نَاسِكُوهُ﴾ خبره، والجملة الاسمية في محل النصب صفة لمنسكًا. ﴿فَلَا يُنَازِعُنَّكَ﴾: ﴿الفاء﴾: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفت يا محمد، أنا جعلنا لكل أمة منسكًا وأردت بان ما هو اللازم لمعاصريك.. فأقول: لك لا ينازعنك من يعاصرك من أهل الملل. ﴿لا﴾: ناهية جازمة. ﴿ينازعن﴾. فعل مضارع مجزوم بلا الناهية وعلامته جزمه حذف النون، والواو المحذوفة لالتقاء الساكنين، في محل الرفع فاعل، والكاف مفعول به، والنون المشددة نون التوكيد الثقيلة، ولم تؤثر هنا في بناء المضارع، لأنها لم تباشره. ﴿فِي الْأَمْرِ﴾: متعلق بـ ﴿يُنَازِعُنَّكَ﴾، والجملة الفعلية في محل النصب، مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة. ﴿وَادْعُ﴾: فعل وفاعل مستتر يعود على محمد. ﴿إِلَى رَبِّكَ﴾: متعلق به، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة ﴿يُنَازِعُنَّكَ﴾. ﴿إِنَّكَ﴾: ناصب واسمه. ﴿لَعَلَى هُدًى﴾: خبره، واللام حرف ابتداء. ﴿مُسْتَقِيمٍ﴾. صفة ﴿هُدًى﴾ وجملة ﴿إن﴾ في محل النصب، مقول لجواب إذا المقدرة، مسوقة لتعليل ما قبلها.
﴿وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (٦٨) اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٦٩)﴾.

صفحة رقم 435

﴿وَإِنْ﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿إن﴾: حرف شرط جازم. ﴿جَادَلُوكَ﴾: فعل وفاعل ومفعول في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ على كونها فعل شرط لها. ﴿فَقُلِ﴾: الفاء: رابطة الجواب، ﴿قل﴾: فعل أمر وفاعل مستتر يعود على محمد، والجملة الفعلية في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ الشرطية على كونها جوابا لها، وجملة ﴿إن﴾ الشرطية في محل النصب، معطوفة على جملة ﴿يُنَازِعُنَّكَ﴾ ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ﴾: مبتدأ وخبر. والجملة في محل النصب مقول لـ ﴿قل﴾. ﴿بِمَا﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أَعْلَمُ﴾. ﴿تَعْمَلُونَ﴾: فعل وفاعل صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف، تقديره: بما تعملونه. ﴿اللَّهُ﴾ مبتدأ. وجملة ﴿يَحْكُمُ﴾ خبره. ﴿بَيْنَكُمْ﴾: متعلق بـ ﴿يَحْكُمُ﴾. ﴿يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾: متعلق بـ ﴿يَحْكُمُ﴾ أيضًا. والجملة الاسمية في محل النصب مقول لـ ﴿قل﴾. ﴿فِيمَا﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿يَحْكُمُ﴾ أيضًا. ﴿كُنْتُمْ﴾: فعل ناقص واسمه. ﴿فِيهِ﴾: متعلق بـ ﴿تَخْتَلِفُونَ﴾، وجملة ﴿تَخْتَلِفُونَ﴾: خبر ﴿كان﴾، وجملة ﴿كان﴾ صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها، والعائد ضمير فيه.
﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (٧٠)﴾
﴿أَلَمْ﴾ ﴿الهمزة﴾: للاستفهام التقريري. ﴿لم تعلم﴾: جازم ومجزوم وفاعل مستتر يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿أَنَّ اللَّهَ﴾: ناصب واسمه، وجملة ﴿أَنَّ﴾ في تأويل مصدر ساد مسد مفعولي ﴿تَعْلَمُ﴾. ﴿يَعْلَمُ﴾ مضارع والجملة خبر ﴿أن﴾ ﴿مَا﴾: اسم موصول في محل النصب مفعول. ﴿فِي السَّمَاءِ﴾: جار ومجرور صلة لـ ﴿مَا﴾ أو صفة لها. ﴿وَالْأَرْضِ﴾: معطوف على السماء ﴿إِنَّ ذَلِكَ﴾: ناصب واسمه. ﴿فِي كِتَابٍ﴾: جار ومجرور خبره، وجملة ﴿إِنَّ﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها. ﴿إِنَّ ذَلِكَ﴾: ناصب واسمه ﴿عَلَى اللَّهِ﴾: متعلق بـ ﴿يَسِيرٌ﴾. ﴿يَسِيرٌ﴾: خبر ﴿إِنَّ﴾، وجملة ﴿إِنَّ﴾ مستأنفة، مسوقة لتعليل ما قبلها أيضًا.
{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ

صفحة رقم 436

مِنْ نَصِيرٍ (٧١)}.
﴿وَيَعْبُدُونَ﴾: فعل وفاعل. ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، حال من فاعل يعبدون؛ أي: حالة كونهم متجاوزين الله. ﴿مَا﴾: اسم موصول في محل النصب مفعول به. والجملة الفعلية مستأنفة. ﴿لَمْ يُنَزِّلْ﴾: جازم وفعل مضارع، مجزوم وفاعل مستتر يعود على الله. ﴿بِهِ﴾: جار ومجرور حال من ﴿سُلْطَانًا﴾؛ لأنه في الأصل صفة نكرة. قدمت عليها. ﴿سُلْطَانًا﴾: مفعول به، وجملة ينزل صلة الموصول. ﴿وَمَا﴾: معطوف على ما الأولى. ﴿لَيْسَ﴾: فعل ناقص. ﴿لَهُمْ﴾: خبر ﴿لَيْسَ﴾ مقدم. ﴿بِهِ﴾ متعلق بـ ﴿عِلْمٌ﴾ ﴿عِلْمٌ﴾ اسم ﴿لَيْسَ﴾ مؤخر، وجملة ﴿لَيْسَ﴾ صلة لـ ﴿ما﴾ الموصولة. ﴿وَمَا لِلظَّالِمِينَ﴾ الواو: عاطفة. ﴿ما﴾: نافية. ﴿لِلظَّالِمِينَ﴾: خبر مقدم. ﴿مِنْ﴾ زائدة. ﴿نَصِيرٍ﴾: مبتدأ مؤخر؛ أي: وما نصير كائن للظالمين. والجملة الاسمية معطوفة على جملة يعبدون.
﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٧٢)﴾.
﴿وَإِذَا﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿إذا﴾ ظرف لما يستقبل من الزمان. ﴿تُتْلَى﴾ فعل مضارع مغير الصيغة. ﴿عَلَيْهِمْ﴾ متعلق به. ﴿آيَاتُنَا﴾: نائب فاعل ومضاف إليه. ﴿بَيِّنَاتٍ﴾: حال من الآيات، والجملة الفعلية في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿إذا﴾ على كونها فعل شرط لها. ﴿تَعْرِفُ﴾: فعل مضارع وفاعل مستتر، يعود على أي مخاطب أو على محمد ﴿فِي وُجُوهِ الَّذِينَ﴾: جار ومجرور، ومضاف إليه متعلق بـ ﴿تَعْرِفُ﴾. وجملة ﴿تَعْرِفُ﴾ جواب إذا لا محل لها من الإعراب، وجملة ﴿إذا﴾ معطوفة على جملة قوله: ﴿وَيَعْبُدُونَ﴾. ﴿كَفَرُوا﴾ فعل وفاعل صلة الموصولة ﴿الْمُنْكَرَ﴾: مفعول به لـ ﴿تَعْرِفُ﴾. ﴿يَكَادُونَ﴾: فعل مضارع ناقص واسمها. ﴿يَسْطُونَ﴾: فعل وفاعل. ﴿بِالَّذِينَ﴾: متعلق به، وجملة ﴿يَسْطُونَ﴾ في محل النصب خبر ﴿يَكَادُونَ﴾. وجملة ﴿يَكَادُونَ﴾ في محل النصب حال من الموصول قبله. وإن كان مضاف إليه؛ لأن المضاف جزؤه، ويجوز أن يكون

صفحة رقم 437

حالًا من وجوه؛ لأن المراد بها أصحابها. ﴿يَتْلُونَ﴾: فعل وفاعل صلة الموصول. ﴿عَلَيْهِمْ﴾: متعلق به. ﴿آيَاتِنَا﴾: مفعول به. ﴿قُلْ﴾: فعل أمر وفاعل مستتر. يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿أَفَأُنَبِّئُكُمْ﴾: إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قُلْ﴾. وإن شئت قلت: الهمزة للاستفهام التقريعي، داخلة على محذوف، والفاء: عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: قل لهم أيها الرسول، أتسمعون ما أقول لكم، فأنبئكم بشر من ذلكم، والجملة المحذوفة في محل النصب مقول ﴿أنبئكم﴾: فعل مضارع وفاعل مستتر. ومفعول به. ﴿بِشَرٍّ﴾: متعلق به ﴿مِنْ ذَلِكُمُ﴾: متعلق ﴿بِشَرٍّ﴾. وجملة ﴿أنبئكم﴾ في محل النصب، معطوفة على تلك الجملة، المحذوفة على كونها مقولًا لـ ﴿قُلْ﴾. ﴿النَّارُ﴾ خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: هو؛ أي: ذلك الشر النار، أو النار مبتدأ وجملة وعدها خبره، والجملة الاسمية على كلا التقديرين، لا محل لها من الإعراب؛ لأنها مفسرة لشر. ﴿وَعَدَهَا اللَّهُ﴾: فعل ومفعول أول وفاعل. ﴿الَّذِينَ﴾: مفعول ثان لـ ﴿وعد﴾. ﴿كَفَرُوا﴾: فعل وفاعل صلة الموصول، وجملة وعدها، حال من النار على التقدير الأول، أو مستأنفة أو خبر بعد خبر. ويجوز أن يكون الضمير في ﴿وَعَدَهَا﴾ هو المفعول الثاني، والذين كفروا، هو المفعول الأول، ولعل هذا هو الأرجح؛ لأن الموصول بمنزلة الآخذ، والنار بمنزلة المأخوذ في باب أعطى. ﴿وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾: فعل وفاعل والمخصوص بالذم محذوف؛ أي: هي، والجملة جملة إنشائية، لا محل لها من الإعراب؛ لأنها سيقت لإنشاء الذم.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ﴾.
﴿يَا﴾: حرف نداء. ﴿أي﴾: منادى نكرة مقصودة و ﴿الهاء﴾: حرف تنبيه زائد. ﴿النَّاسُ﴾، صفة لـ ﴿أي﴾، وجملة النداء مستأنفة. ﴿ضُرِبَ مَثَلٌ﴾: فعل ونائب فاعل، والجملة جواب النداء، لا محل لها من الإعراب. ﴿فَاسْتَمِعُوا﴾: الفاء: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفتم ما قلت لكم، من ضرب المثل، وأردتم بيان ما هو اللازم لكم.. فأقول لكم: استمعوا ما أقول لكم. ﴿استمعوا﴾: فعل وفاعل ومفعوله محذوف، تقديره: ما

صفحة رقم 438

أقول لكم، والجملة الفعلية في محل النصب، مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة ﴿له﴾ متعلقان به.
﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (٧٣) مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٧٤)﴾.
﴿إِنَّ الَّذِينَ﴾: ناصب واسمه ﴿تَدْعُونَ﴾: فعل وفاعل صلة الموصول، والعائد محذوف، تقديره: تدعونهم. ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، حال من فاعل ﴿تَدْعُونَ﴾؛ أي: حالة كونكم مجاوزين الله. ﴿لَنْ يَخْلُقُوا﴾: ناصب وفعل وفاعل، منصوب بحذف النون ﴿ذُبَابًا﴾: مفعول به. والجملة الفعلية في محل الرفع، خبر ﴿إِنَّ﴾ وجملة ﴿إِنَّ﴾ مفسرة لا محل لها من الإعراب؛ لأنها مسوقة لتفسير المثل. ﴿وَلَوِ﴾: الواو: عاطفة. ﴿لو﴾ حرف شرط. ﴿اجْتَمَعُوا﴾ فعل وفاعل ﴿لَهُ﴾ متعلق بـ ﴿اجْتَمَعُوا﴾. والجملة الفعلية فعل شرط لـ ﴿لو﴾، وجوابها محذوف، معلوم مما قبلها، تقديره: ولو اجتمعوا له لن يخلقوا ذبابًا. وجملة ﴿لو﴾ الشرطية في محل النصب على الحال، معطوفة على جملة محذوفة، وقعت حالًا من فاعل ﴿يَخْلُقُوا﴾، والتقدير: إن الذين تدعون من دون الله، لن يخلقوا ذبابًا، لو انفردوا في خلقه لن يخلقوه، ولو اجتمعوا له لن يخلقوه. والمعنى: إن الذين تدعون من دون الله، لن يخلقوا ذبابًا، حالة كونهم منفردين في خلقه، وحالة كونهم مجتمعين على خلقه. ﴿وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ﴾: الواو: عاطفة. ﴿إن﴾ حرف شرط. ﴿يَسْلُبْهُمُ﴾ فعل ومفعول أول مجزوم بـ ﴿إن﴾ الشرطية على كونه فعل شرط لها، ﴿الذُّبَابُ﴾: فاعل. ﴿شَيْئًا﴾ مفعول ثان له. ﴿لَا﴾: نافية. ﴿يَسْتَنْقِذُوهُ﴾: فعل وفاعل ومفعول مجزوم بـ ﴿إن﴾ الشرطية على كونه جوابًا لها. ﴿مِنْهُ﴾: جار ومجرور متعلق به. وجملة ﴿إن﴾ الشرطية في محل الرفع، معطوفة على جملة قوله: ﴿لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا﴾،: على كونها خبرًا لـ ﴿إنَّ﴾. ﴿ضَعُفَ الطَّالِبُ﴾ فعل وفاعل. ﴿وَالْمَطْلُوبُ﴾: معطوف على ﴿الطَّالِبُ﴾. والجملة الفعلية: إما حال من فاعل يستنقذون؛ أي: حالة كونهما ضعيفين، أو

صفحة رقم 439

مستأنفة مسوقة للتعجب من حالهم. ﴿مَا قَدَرُوا اللَّهَ﴾ ﴿مَا﴾: نافية. ﴿قَدَرُوا اللَّهَ﴾: فعل وفاعل ومفعول به. والجملة مستأنفة. ﴿حَقَّ قَدْرِهِ﴾: منصوب على المفعولية المطلقة. ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾: ناصب واسمه. ﴿لَقَوِيٌّ﴾ اللام حرف ابتداء ﴿قوي﴾: خبر أول لـ ﴿إِنَّ﴾. ﴿عَزِيزٌ﴾: خبر ثان لها، وجملة ﴿إِنَّ﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.
﴿اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٧٥)﴾.
﴿اللَّهُ﴾: مبتدأ ﴿يَصْطَفِي﴾: فعل وفاعل مستتر يعود على ﴿اللَّهُ﴾. ﴿مِنَ الْمَلَائِكَةِ﴾: حال من رسلًا؛ لأنه صفة نكرة قدمت عليها. ولك أن تعلقه بيصطفى. ﴿رُسُلًا﴾: مفعول به. ﴿وَمِنَ النَّاسِ﴾: معطوف على ﴿مِنَ الْمَلَائِكَةِ﴾، وحذف من الثاني، لدلالة الأول عليه؛ أي: ويصطفي من الناس رسلًا، وجملة يصطفي في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة، مسوقة لتقرير اصطفائه تعالى الرسل. ﴿إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ﴾: ناصب واسمه وخبره الأول. ﴿بَصِيرٌ﴾: خبره الثاني، وجملة ﴿إِنَّ﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.
﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٧٦) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٧٧)﴾.
﴿يَعْلَمُ﴾: فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على الله، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ثالث لـ ﴿أن﴾، أو مستأنفة. ﴿مَا﴾ اسم موصول في محل النصب مفعول ﴿يَعْلَمُ﴾. ﴿بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾: ظرف ومضاف إليه صلة لـ ﴿مَا﴾. ﴿وَمَا خَلْفَهُمْ﴾: معطوف على ﴿مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ ﴿وَإِلَى اللَّهِ﴾: الواو: عاطفة، أو استئنافية. ﴿إلى الله﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿تُرْجَعُ﴾. ﴿تُرْجَعُ الْأُمُورُ﴾: فعل ونائب فاعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿يَعْلَمُ﴾، أو مستأنفة. ﴿يَا﴾ حرف نداء، ﴿أيُّ﴾: منادى نكرة مقصودة. و ﴿الهاء﴾ حرف تنبيه. ﴿الَّذِينَ﴾: صفة لـ ﴿أي﴾. وجملة النداء مستأنفة. ﴿آمَنُوا﴾: فعل وفاعل. صلة الموصول.

صفحة رقم 440

﴿ارْكَعُوا﴾ فعل وفاعل جواب النداء لا محل لها من الإعراب ﴿وَاسْجُدُوا﴾ فعل وفاعل معطوف على ﴿ارْكَعُوا﴾ ﴿وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ﴾ فعل وفاعل ومفعول به معطوف على ﴿ارْكَعُوا﴾ أيضًا ﴿وَافْعَلُوا الْخَيْرَ﴾: فعل وفاعل ومفعول معطوف عليه أيضًا، على كونه جواب النداء، لا محل له من الإعراب ﴿لَعَلَّكُمْ﴾: ناصب واسمه. وجملة ﴿تُفْلِحُونَ﴾: خبره، وجملة ﴿لعل﴾ مستأنفة، مسوقة لتعليل ما قبلها. أو حال من الواو في ﴿ارْكَعُوا﴾ وما عطف عليه، أي: افعلوا هذه الأمور، حالة كونكم راجين الفلاح.
﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا﴾.
﴿وَجَاهِدُوا﴾: فعل وفاعل معطوف على ﴿آمَنُوا﴾ أيضًا. ﴿فِي اللَّهِ﴾: متعلق به ولا بد من حذف مفعول ﴿جاهدوا﴾؛ أي: جاهدوا أعداءكم في ذات الله ومن أجله ففي للسببية. و ﴿حَقَّ جِهَادِهِ﴾: مفعول مطلق. ﴿هُوَ﴾: مبتدأ. ﴿اجْتَبَاكُمْ﴾: فعل وفاعل مستتر ومفعول به، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ. والجملة الاسمية في محل النصب حال من الجلالة. ﴿وَمَا جَعَلَ﴾: الواو: عاطفة ﴿ما﴾: نافية. ﴿جَعَلَ﴾: فعل ماض وفاعل مستتر يعود على الله، والجملة في محل الرفع معطونة على ﴿اجْتَبَاكُمْ﴾. ﴿عَلَيْكُمْ﴾: جار ومجرور في محل المفعول الثاني لـ ﴿جَعَلَ﴾. ﴿فِي الدِّينِ﴾: حال ﴿مِنْ حَرَجٍ﴾ لأنه صفة نكرة قدمت عليها ﴿مِنْ﴾: زائدة. ﴿حَرَجٍ﴾: مفعول أول لـ ﴿جَعَلَ﴾. ﴿مِلَّةَ أَبِيكُمْ﴾: منصوب على المفعولية المطلقة، بفعل محذوف معلوم من مضمون ما تقدمها، ولكنه على حذف مضاف، تقديره: وسع دينكم توسعة ملة أبيكم، ثم حذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، فانتصب انتصابه. والجملة المحذوفة مستأنفة. قال الزمخشري: وهذا أحسن الأوجه في هذا المقام. ويجوز نصبها على الاختصاص؛ أي: أخص بالدين ملة أبيكم، أو بتقدير فعل مضمر، تقديره: اتبعوا ملة أبيكم. وهناك أوجه أخرى، لا تخرج عن هذه الأوجه. ﴿أَبِيكُمْ﴾ مضاف إليه. ﴿إِبْرَاهِيمَ﴾: بدل من ﴿أَبِيكُمْ﴾. ﴿هُوَ﴾: مبتدأ. ﴿سَمَّاكُمُ﴾: فعل

صفحة رقم 441

ومفعول أول، وفاعل مستتر يعود على إبراهيم أو على الله. ﴿الْمُسْلِمِينَ﴾: مفعول ثان. والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل النصب، حال من ﴿إِبْرَاهِيمَ﴾، ويحتمل كون هو ضميرًا يعود على الله، وكذا فاعل ﴿سَمَّاكُمُ﴾ فتكون الجملة الاسمية حينئذٍ حالًا من فاعل، وسع المحذوف، أو من فاعل جعل. ﴿مِنْ قَبْلُ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿سَمَّاكُمُ﴾؛ أي: من قبل هذا الكتاب ﴿وَفِي هَذَا﴾: معطوف على ﴿مِنْ قَبْلُ﴾؛ أي: وفي هذا الكتاب.
﴿لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾.
﴿لِيَكُونَ﴾ ﴿اللام﴾: حرف جر وتعليل. ﴿يَكُونَ﴾: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام كي. ﴿الرَّسُولُ﴾ اسمها. ﴿شَهِيدًا﴾: خبرها. ﴿عَلَيْكُمْ﴾ متعلق بـ ﴿شَهِيدًا﴾. وجملة ﴿يكون﴾ صلة أن المضمرة، أن مع صلتها في تأويل مصدر مجرور باللام، تقديره: لكون الرسول شهيدًا. ﴿عَلَيْكُمْ﴾: الجار والمجرور متعلق بـ ﴿سَمَّاكُمُ﴾. وفي "الفتوحات" واللام فيه للعاقبة؛ لأن التعليل، غير ظاهر هنا كما قيل. والظاهر أنه لا مانع منه، فإن تسمية الله، أو إبراهيم لهم به حكم بإسلامهم وعدالتهم، وهو سبب لقبول شهادة الرسول، الداخل فيهم دخولًا أوليًا، وقبول شهادتهم على الأمم اهـ. "شهاب" ﴿وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ﴾ فعل ناقص واسمه وخبره معطوف على ﴿لِيَكُونَ الرَّسُولُ﴾. ﴿عَلَى النَّاسِ﴾: متعلق بـ ﴿شُهَدَاءَ﴾. ﴿فَأَقِيمُوا﴾: الفاء: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفتم أن الله سماكم المسلمين، وأردتم بيان ما هو اللازم لكم.. فأقول لكم أقيموا الصلاة. ﴿أَقِيمُوا﴾: فعل وفاعل. ﴿الصَّلَاةَ﴾: مفعول به. والجملة في محل النصب مقول لجواب إذ المقدرة. وجملة إذا المقدرة مستأنفة. ﴿وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾: فعل وفاعل ومفعول معطوف على ﴿أَقِيمُوا﴾. ﴿وَاعْتَصِمُوا﴾: فعل وفاعل معطوف على ﴿أَقِيمُوا﴾ أيضًا. ﴿بِاللَّهِ﴾: متعلق بـ ﴿اعْتَصِمُوا﴾. ﴿هُوَ مَوْلَاكُمْ﴾: مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها. ﴿فَنِعْمَ الْمَوْلَى﴾: الفاء استئنافية. ﴿نِعْمَ﴾ فعل ماض لإنشاء المدح. ﴿الْمَوْلَى﴾: فاعل.

صفحة رقم 442

والمخصوص بالمدح محذوف، تقديره: هو، أي: المولي. والجملة مستأنفة. ﴿وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾: فعل وفاعل معطوف على ﴿نِعْمَ الْمَوْلَى﴾. والمخصوص بالمدح محذوف، تقديره هو.
التصريف ومفردات اللغة
﴿وَمَنْ عَاقَبَ﴾ والعقاب: مأخوذ من التعاقب، وهو مجيء الشيء بعد غيره، وحينئذٍ فتسمية ما عوقب به عقابًا، من باب المشاكلة كما سبق ﴿ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ﴾ يقال: بغى عليه بغيًا إذا علا وظلم.
قال الراغب: البغي طلب تجاوز الاقتصاد فيما يتحرى تجاوزه، أو لم يتجاوزه، فتارة يعتبر في القدرة التي هي الكمية، وتارة يعتبر في الوصف، الذي هو الكيفية، يقال: بغيت الشيء إذا طلبت أكثر ما يجب. ﴿مُخْضَرَّةً﴾ قال الراغب: الخضرة أحد الألوان بين البياض والسواد، وهو إلى السواد أقرب، ولهذا يسمى الأسود أخضر، والأخضر أسود. وقيل: سواد العراق للموضع الذي تكثر فيه الخضرة. ﴿وَالْفُلْكَ﴾: يطلق على الواحد والجمع بهذه الصيغة، فالواحدة يقال، لها: ذلك، فتكون حركته حينئذٍ كحركة قفل، والجمع يقال له: ذلك فتكون حركته حينئذٍ كحركة بدن. اهـ شيخنا.
﴿مَنْسَكًا﴾ بفتح السين وكسرها؛ أي: شريعة ومنهاجًا؛ لأنه مأخوذ من النسيكة، وهي العبادة، وقد تقدم الكلام على هذه المادة مستوفى. ﴿فَلَا يُنَازِعُنَّكَ﴾ يقال: نزع الشيء إذا جذبه من مقره كنزع القوس عن كبده، والمنازعة المخاصمة.
﴿وَإِنْ جَادَلُوكَ﴾؛ أي: خاصموك بعد ظهور الحق، وأصله من جدلت الحبل؛ أي: حكمت قتله، فكان المجادلين يفتل كل واحد منهما الآخر عن رأيه. ﴿الْمُنْكَرَ﴾ بوزن اسم المفعول مصدر ميمي، بمعنى الإنكار وهو على حذف مضاف؛ أي: أثر الإنكار من العبوس ﴿يَسْطُونَ﴾؛ أي: يبطشون. يقال: سطا عليه إذا بطش به، والسطو: الوثب والبطش، ولذلك عدى بالباء، وإلا فهو يتعدى بعلى، يقال: سطا عليه، وأصله القهر والغلبة. وقيل: هو إظهار ما يهول

صفحة رقم 443

للإخافة؛ ولفلان سطوة؛ أي: تسلط وقهر؛ اهـ "سمين". وفي "الأساس"، وسطا بقرنه وعلى قرنه: وثب عليه وبطش به، والفحل يسطو على طروقته. ﴿وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ المصير: المرجع، وهو النار.
﴿ضُرِبَ مَثَلٌ﴾ المثل في الأصل، بمعنى: المثل، ثم خص بما شبه مضربه بمورده من الكلام السائر، فصار حقيقة عرفية فيه، ثم استعير لكل حال غريبة، أو قصة من الكلام فصيح غريبة، لمشابهتها له في ذلك، اهـ "شهاب" ﴿لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا﴾ والذباب: من الذب وهو المنع؛ لأنه يذب؛ أي: يمنع ويدفع. قال في "المفردات": الذباب يقع على الحيوان المعروف من الحشرات الطائرة، وعلى النحل، والزنابير. وفي قوله: ﴿وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ﴾ فهو المعروف. وفي حياة الحيوان في الحديث (الذباب في النار إلا النحل) وهو يتولَّد من العفونة، لم يخلق لها أجفان لصغر أحداقها، ومن شأن الأجفان أن تصقل مرأة الحدقة من الغبار، فجعل الله لها يدين تصقل بهما مرآة حدقتها، فلهذا ترى الذباب أبدًا يمسح بيديه عينيه، وإذا بخر البيت بورق القرع. ذهب منه الذباب، اهـ. دُمَيري. وهو اسم جنس واحده ذبابة، يقع على المذكر والمؤنث، ويجمع على ذباب بالكسر كغربان وذباب بالضم كقضبان وعلى أذبة كأغربة، وهو أجهل الحيوانات؛ لأنه يرمي نفسه في المهلكات، ومدة عيشه أربعون يومًا، وأصل خلقته من العفونات، ثم يتوالد بعضه من بعض، يقع روثه على الشيء الأبيض فيرى أسود، وعلى الأسود فيرى أبيض، والذباب مأخوذ من ذب إذا طرد وآب إذا رجع، لأنك تدبه فيرجع عليك، اهـ. شيخنا.
﴿وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ﴾؛ أي: يختطف منهم بسرعة. ﴿لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ﴾ الاستنقاذ استفعال بمعنى الإفعال، يقال: أنقذه منه بكذا؛ أي: أنجاه منه وخلصه. اهـ "سمين".
﴿يَصْطَفِي﴾ قال في "المفردات": أصل الصفاء خلوص الشيء من الشوب، والاصطفاء تناول صفو الشيء، كما أن الاختيار تناول خيره، والاجتباء تناول جبايته، واصطفاء الله بعض عباده قد يكون بإيجاده تعالى إياه صافيًا عن الشوب

صفحة رقم 444

الموجود في غيره، وقد يكون باختياره وبحكمه، وإن لم يتعرّ من ذلك الشوب، الذي تعرى منه الأول، اهـ. "روح البيان".
﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ﴾ الجهاد والمجاهدة: استفراغ الوسع في مدافعة العدو، وهو ثلاثة أضرب، مجاهدة العدو الظاهر كالكفار، مجاهدة الشيطان، مجاهدة النفس والهوى وهذه أعظمها.
﴿مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ﴾ قال الراغب: الملة كالدين، وهو اسم لما شرع الله لعباده على لسان الأنبياء، ليتوصلوا به إلى جوار الله تعالى، والفرق بينها وبين الدين، أن الملة لا تضاف إلا إلى النبي، الذي تسند إليه، نحو اتبعوا ملة إبراهيم، واتبعت ملة آبائي. ولا يكاد يوجد مضافًا إلى الله تعالى، ولا إلى آحاد أمة النبي، ولا يستعمل إلا في جملة الشرائع دون آحادها، ولا يقال: ملة الله، ولا ملتي وملة زيد، كما يقال: دين الله وأصل الملة من مللت الكتاب، ويقال الملة اعتبارًا بالنبي الذي شرعها، والدين يقال: اعتبارًا بمن يقيمه إذا كان معناه الطاعة، هذا كله في مفردات الراغب. قال ابن عطاء ملة إبراهيم هو السخاء، والبذل وحسن الأخلاق والخروج عن النفس، والأهل والمال والولد.
﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ والفلاح: الظفر، وإدراك البغية وذلك ضربان: دنيويٌّ وأخرويٌّ، فالدنيويُّ: الظفر بالسعادات التي يطيب بها حياة الدنيا وهو البقاء، والغنى، والعز. والعلم، والأخروي أربعة أشياء: بقاء بلا فناء، وغنى بلا فقر، وعز بلا ذل، وعلم بلا جهل، ولذلك قيل: لا عيش إلا عيش الآخرة.
و ﴿اجْتَبَاكُمْ﴾؛ أي: اختاركم. ﴿حَرَجٍ﴾؛ أي: ضيق بتكليفكم ما يشق عليكم. ﴿وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ﴾؛ أي: استعينوا به وتوكلوا عله. ﴿مَوْلَاكُمْ﴾ ناصركم.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: المشاكلة والإزدواج في قوله: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ﴾ الخ. حيث سمى

صفحة رقم 445

الفعل الصادر منهم ابتداء بالعقاب، مع أن العقاب إنما هو الجزاء على الجناية للازدواج. أو هو من باب المجاز المرسل، حيث سمى ما وقع ابتداء عقابًا، لكونه سببًا لما وقع جزاء وعقوبة، فسمى السبب باسم المسبب. وعبارة "الفتوحات" هنا فتلخص أن قوله: ﴿وَمَنْ عَاقَبَ﴾ بمعنى جازى حقيقة لغوية. وأن قوله: ﴿بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ﴾ مجازٌ من قبيل المشاكلة أو من قبيل تسمية السبب باسم المسبب مجازًا مرسلًا، اهـ. مع زيادة.
ومنها: إيراد صيغة المضارع بدل الماضي حيث قال: ﴿فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً﴾ بدل أصبحت لإفادة بقاء أثر المطر زمانا بعد زمان.
ومنها: الامتنان بتعداد النعم في قوله: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي...﴾ إلخ. وكذلك الاستفهام التقريري في قوله: ﴿أَلَمْ تَرَ﴾.
ومنها: الطباق في قوله: ﴿ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾.
ومنها: صيغة المبالغة في قوله: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ﴾.
ومنها: وصف ﴿مَنْسَكًا﴾ بقوله: ﴿هُمْ نَاسِكُوهُ﴾ تأكيدًا للقصر المستفاد من تقديم الجار والمجرور على الفعل، في قوله: ﴿لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا﴾.
ومنها: النهي الذي يراد منه نفي الشيء في قوله: ﴿فَلَا يُنَازِعُنَّكَ﴾؛ أي: لا ينبغي لهم منازعتك، فقد ظهر الحق وبان.
ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: ﴿وَإِنْ جَادَلُوكَ﴾ حيث شبه الخصومة الواقعة بينه وبينهم بجدل الحبل، وفتله؛ لأن أصل الجدل فتل الحبل، فكان المجادلين يفتل كل واحد منهما الآخر عن رأيه.
ومنها: الاستفهام التقريري في قوله: ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾؛ أي: قد علمت.
ومنها: الإظهار في مقام الإضمار في قوله: ﴿وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ﴾ تسجيلًا

صفحة رقم 446

عليهم باسم الظلم.
ومنها: إيقاع الظاهر موقع المضمر في قوله: ﴿تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ للشهادة عليهم بوصف الكفر، اهـ "سمين". وفيه الاستعارة اللطيفة؛ أي: تستدل من وجوههم على المكروه، وإرادة الفعل القبيح، مثل قولهم عرفت في وجه فلان الشر.
ومنها: الاستعارة التصريحية الأصلية، حيث أستعير المثل لصفة غريبة، وقصة عجيبة، تشبيهًا لها ببعض الأمثال، لكونها مستحسنة مستغربة عندهم. كما في "الخازن".
ومنها: المجاز المرسل في قوله: ﴿ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا﴾ حيث أطلق الجزء وأراد الكل؛ أي: صلوا؛ لأن الركوع والسجود من أركان الصلاة.
ومنها: ذكر العام بعد الخاص، لإفادة العموم مع العناية بشأن الخاص، في قوله: ﴿ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ﴾ بدأ بخاص، ثم بعام، ثم بأعم.
ومنها: الإيجاز بالحذف في قوله: ﴿وَمِنَ النَّاسِ﴾؛ أي: رسلًا حيث حذف من الثاني لدلالة الأول عليه.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *

صفحة رقم 447

خلاصة ما تضمَّنت هذه السورة من الحكم والأحكام
جملتها سبعة عشرة
١ - وصف حال يوم القيامة، وما فيه من شدائد وأهوالٍ تشيب منها الولدان.
٢ - جدال عبدة الأصنام والأوثان، بلا حجة وبرهان.
٣ - إثبات البعث وإقامة الأدلة عليه.
٤ - وصف المنافقين المذبذبين في دينهم، وعدم ثباتهم على حال واحدة.
٥ - ما أعد الله لعباده المؤمنين، من الثواب المقيم، في جنات النعيم.
٦ - بيان أن الله ناصر نبيه، ومظهر دينه على سائر الأديان.
٧ - بيان أن الله يحكم يوم القيامة بين عباده، من أرباب الديانات المختلفة، ويجازي كلا بما يستحق.
٨ - إقامة الأدلة على وجود خالق السموات والأرض، وبيان أن العالم كله خاضع لقدرته.
٩ - أمر المؤمنين بقتال المشركين، الذين أخرجوهم من ديارهم، وبيان أن هذا القتال لا بد منه لنصرة الحق في كل زمان ومكان، وأن الله ينصر من يدافع عنه.
١٠ - تسلية الرسول على ما يناله من أذى قومه، وأنهم ليسوا بدعًا في الأمم، فكثير ممن قبلهم كذبوا رسلهم، ثم كانت العاقبة للمتقين، وأهلك الله القوم الظالمين، والعبر ماثلةٌ في حلهم وترحالهم.
١١ - بيان أن المفسدين يلقون الشبهات على الحق، ليزلزلوا عقائد المؤمنين، لكنها لا تلبث أن تزول، وينكشف نور الحق ويزيل ظلام الباطل.
١٢ - الثواب على الهجرة لله ورسوله، سواء قتل المهاجر أو مات.

صفحة رقم 448

١٣ - وصف حال الكافرين، إذا تلي عليهم القرآن بما يظهر على وجوههم من أمارات الغضب.
١٤ - بيان أن الله يرسل رسلًا من الملائكة، ورسلًا من البشر، وأن الله عليم بمن يصلح لهذه الرسالة.
١٥ - أمر المؤمنين بدوام الصلاة والزكاة، وفعل الخيرات والجهاد حق الجهاد في سبيل الحق.
١٦ - بيان أن الدين يسرٌ لا عسرٌ، وأنه كمِلَّة إبراهيم سمح لا شدة فيه.
١٧ - بيان أن الرسول شهيد على أمته يوم القيامة، وأن هذه الأمة تشهد على الأمم السالفة، بأن رسلهم قد بلغوهم شرائع الله وما قصروا في ذلك.
اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه، ولا تجعل الأمر مشتبهًا علينا، فإذًا نضيع. امين امين. وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين (١).
* * *

(١) قد انتهى المجلد الثامن عشر من تفسير "حدائق الروح والريحان في روابي علوم القران" قبيل الغروب من يوم الجمعة المبارك، الحادي والعشرين من شهر شوال من شهور سنة ألف وأربع مئة واثنتي عشرة سنة (٢١/ ١٠/ ١٤١٢) من الهجرة المصطفوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية.
اللهم يا ربنا كما يسرت لي ما مضى من هذا التفسير، وبشرتني بالفراغ من هذا المجلد، فأكرمني بالفراغ من كل الكتاب وإكماله، واجعل البركة لي في عمري مع صرف العوائق والمعائق عني إلى تمامه، وتقبَّل اجتهادي فيه، وسائر أعمالنا، إنك أنت السميع القريب المجيب.
وكان الفراغ منه بمكة المكرمة في المسفلة حارة الرشد، جوار الحرم الشريف. في تاريخ ٢١/ ١٠/ ١٤١٢ هـ وكان الفراغ من تصحيح هذا المجلد بيد مؤلفه في تاريخ ٢٢/ ٦/ ١٤١٧ هـ.

صفحة رقم 449

شعرٌ

يَا رَبِّ يَا رَبِّ يَا مَنْ لاَ شَرِيْكَ لَهُ يَا سَامِعَ الأصْوَاتِ يَا مَنْ جَلَّ عَنْ صَمَمِ
يَا رَبِّ يَا رَبِّ يَا ذَا الْجُوْدِ يَا أَمَلِيْ يَا ذَا الْجَلاَلِ وَيَا ذَا اللُّطْفِ في الأُمَمِ
آخرُ

صفحة رقم 450

تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن
تأليف
الشيخ العلامة محمد الأمين بن عبد الله الأرمي العلوي الهرري الشافعي
المدرس بدار الحديث الخيرية في مكة المكرمة
إشراف ومراجعة
الدكتور هاشم محمد علي بن حسين مهدي
خبير الدراسات برابطة العالم الإسلامي - مكة المكرمة
«المجلد التاسع عشر»

صفحة رقم

حقوق الطبع محفوظة للناشر
الطبعة الأولى
١٤٢١ هـ - ٢٠٠١ م
دار طوق النجاة
بيروت - لبنان

صفحة رقم 2

تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن
[١٩]

صفحة رقم 3

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

صفحة رقم 4

شعرٌ

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا أَوْلَى وَنِعِمْ مَا أُوْلَى فَنِعْمِ الْمَوْلَى
بُوْرِكَ تَفْسِيْرُ الرَّوْحِ وَالرَّيْحَانِ كَمَا بُوْرِكَ جَنَا الزَّيْتُوْنِ وَالرُّمَّانِ
كِتَابٌ لَوْ يُبَاعُ بِوَزْنِهِ ذَهَبًا لَكَانَ البَائِعُ فِيْهِ الْمَغْبُوْنَا
حَوَى مِنْ عُلُوْمِ التَّفسِيْرِ أفْنَانًا فَالْحَمْدُ لِلْمَوْلَى عَلَى مَا حَبَانَا
آخرُ
الصَّبْرُ مِفْتَاحُ مَا يُرْجَّى وَكُلُّ خَيْرٍ بِهِ يَكُوْنُ
وَرُبَّمَا نِيْلَ بِاصْطِبَارٍ مَا قِيْلَ هَيْهَاتَ لاَ يَكُوْنُ
آخرُ
وَإِذَا طَلَبْتَ إلى كَرِيْمٍ حَاجَةً فَلِقَاؤُهُ يَكْفِيْكَ وَالتَّسْلِيْمُ
فَإِذَا رَآكَ مُسَلِّمًا عَرَفَ الَّذيْ حَمَّلْتَهُ فَكَأَنَّهُ مَلْزُوْمُ
آخرُ
أَأذْكُرُ حَاجَتِيْ أمْ قَدْ كَفَانِيْ حَيَاؤُكَ إِنَ شِيْمَتَكَ الْحَيَاءُ
إِذَا أَثْنَى عَلَيْكَ الْمَرْءُ يَوْمًا.... كَفَاهُ مِنْ تَعَرُّضِهِ الثَّنَاءُ
آخرُ
سَوْفَ تَرَى إِذَا انْجَلَى الْغُبَارُ أَفَرَسٌ تَحْتَكَ أَمَّ حِمَارُ
آخرُ

صفحة رقم 5

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله الذي يحمده الأولون والآخِرون القائل في كتابه الكريم: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (٢)﴾ والصلاة والسلام على الرسول الكريم، سيدنا محمد، المصطفى الصادق الأمين، وعلى آله وصبحه أجمعين.
أما بعد: فلما فرغت من تفسير الجزء السابع عشر من القرآن الكريم، بتوفيقه وتيسيره.. أخذت في تفسير الجزء الثامن عشر منه، مستمدًا منه الهداية وكل التوفيق في تفسير كتابه لأقوم الطريق، وها أنا أقول، وقولي هذا: فذلكة في سورة المؤمنين:
سورة المؤمنون
سورة المؤمنون مكية كلها عند الجميع، وقيل: إلا ثلاث آيات، وهي قوله: ﴿وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ﴾ إلى آخرها، نزلت بعد سورة الأنبياء، وهي مئة وثماني عشرة آية (١)، وألف وثمان مئة وأربعون كلمة، وأربعة آلاف وثمان مئة حرف، وحرفان.
فضلها: ومن فضائلها: ما روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - ﷺ - إذا نزل عليه الوحي، يُسمع عند وجهه دويٌّ كدوي النحل، فأنزل الله عليه يومًا، فمكث ساعة، ثم سرى عنه، فقرأ: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١)﴾ إلى عشر آيات من أولها، وقال: "من أقام هذه العشر آيات.. دخل الجنة" ثم استقبل القبلة، ورفع يديه وقال: "اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، اللهم أرضنا وارض عنا"
(١) الخازن.

صفحة رقم 7

وأخرج البيهقي من حديث أنس، عن النبي - ﷺ -، أنه قال: "لما خلق الله الجنة، قال لها: تكلمي، فقالت: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١)﴾ ". وأخرجه أيضًا ابن أبى عدي، والحاكم، وأخرج الطبراني في السنة وابن مردويه، من حديث ابن عباس مثله.
وأخرج البخاري في "الأدب المفرد" (١)، والنسائي وابن المنذر، والحاكم، وصححه وابن مردويه، والبيهقي في "الدلائل"، عن يزيد بن بابنوس، قال: قلنا لعائشة: كيف كان خلق رسول الله - ﷺ -؟ قالت: كان خلقه القرآن، ثم قالت: تقرأ سورة المؤمنون؟ إقرأ ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١)﴾ حتى بلغ العشر، فقالت: هكذا كان خلق رسول الله - ﷺ -.
وروي: أن أولها وآخرها من كنوز الجنة، من عمل بثلاث آيات من أولها واتعظ بأربع من آخرها، فقد نجا وأفلح.
الناسخ والمنسوخ: قال أبو عبد الله محمد بن حزم رحمه الله تعالى (٢): في سورة المؤمنون آيتان منسوختان:
إحداهما: قوله تعالى: ﴿فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (٥٤)﴾ الآية (٥٤) نسخت بآية السيف.
الآية الثانية: قوله تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ﴾ الآية (٩٧) نسخت بآية السيف أيضًا.
المناسبة: مناسبة هذه السورة لما قبلها من وجوه (٣):
١ - أنه تعالى ختم السورة السابقة بخطاب المؤمنين، وأمرهم بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وفعل الخيرات، لعلهم يفلحون، وحقق فلاحهم في بدء هذه السورة (٢).

(١) الشوكاني.
(٢) ابن حزم.
(٣) المراغي.

صفحة رقم 8

٢ - أنه تكلم في كل من السورتين في النشأة الأولى، وجعل ذلك دليلًا على البعث والنشور.
٣ - أن في كل من السورتين قصصًا للأنبياء الماضين وأممهم، ذكرت عبرة للحاضرين والآتين.
٤ - أنه نصب في كل منهما أدلة على وجود الخالق ووحدانيته.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *

صفحة رقم 9

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (٢) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (٣) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (٤) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (٥) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٦) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (٧) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (٨) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (٩) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (١٠) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (١١) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (١٣) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (١٤) ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (١٦) وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ (١٧) وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ (١٨) فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (١٩) وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ (٢٠) وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (٢١) وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (٢٢) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (٢٣) فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ (٢٤) إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ (٢٥) قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ (٢٦) فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (٢٧) فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢٨) وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (٢٩) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (٣٠)﴾

صفحة رقم 10

المناسبة
قوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١)...﴾ الآيات، مناسبة (١) هذه الآيات لآخر السورة التي قبلها ظاهرة؛ لأنه تعالى خاطب المؤمنون بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا﴾ الآية، وفيه: ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ وذلك على سبيل الترجية، فمناسبة ذلك قوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١)﴾ إخبارًا بحصول ما كانوا رجوه من الفلاح.
قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢)...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها (٢): أنه سبحانه وتعالى لما ذكر أحوال السعداء المفلحين، قفى ذلك بذكر مبدأهم، ومآل أمرهم، وأمر غيرهم من بني الإنسان، وفي هذا إعظام للمنة، وحث على الاتصاف بحميد الصفات، وتحمل مؤونة التكاليف، ثم ذكر أن كل ذلك منته إلى غاية، هي يوم القيامة، الذي تبعثون وتحاسبون فيه على أعمالكم، إن خيرًا فخيرٌ، وإن شرًا فشر.
وعبارة أبي حيان: مناسبة هذه الآية لما قبلها: لما ذكر تعالى أن المتصفين بتلك الصفات الجليلة، هم يرثون الفردوس، فتضمن ذلك المعاد الأخروي ذكر النشأة الأولى، ليستدل على صحة النشأة الآخرة.
قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ...﴾ الآية، مناسبتها لما قبلها: أنه تعالى لما ذكر خلق الإنسان في أطواره المختلفة، واستدل بذلك على قدرته، وتفرده بالتصرف في الملك، والملكوت.. أردفه ببيان ما يحتاج إليه في بقاءه، لما فيه من المنافع، التي لا غنى له عنها.
وعبارة أبي حيان هنا (٣): لما ذكر تعالى ابتداء خلق الإنسان، وانتهاء أمره، ذكره بنعمته، انتهى.
قوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ...﴾ الآيات، مناسبتها لما قبلها: أن الله

(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٣) البحر المحيط.

صفحة رقم 11

سبحانه لما ذكر من دلائل قدرته خلق الطرائق السبع.. قفى على ذلك ببيان ما فيها من منافع للإنسان، فمنها ينزل الماء الذي به تنشأ الجنات من النخيل والأعناب، وكثير من أشجار الفاكهة التي تؤكل، وينبت به شجر الزيتون، الذي يؤخد من ثمره الزيت، الذي يتخذ دهنًا للأجسام، وإدامًا في الطعام.
قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً...﴾ الآية، مناسبتها لما قبلها: لما ذكر سبحانه بنعمة إنزاله الماء من السماء، الذي به جنات النخيل، والأعناب، والفواكه المختلفة، والزيتون.. أردفها بذكر النعم المختلفة، التي سخرها لنا من خلق الحيوان.
قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ...﴾. الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها (١): أنه سبحانه لما ذكر أولًا بدء الإنسان، وتطوره في تلك الأطوار، وما امتن به عليه، مما جعله تعالى سببًا لحياتهم، وإدراك مقاصدهم، ذكر أمثالًا لكفار قريش من الأمم السابقة، المنكرة لإرسال الله رسلًا، المكذبة بما جاءتهم به الأنبياء عن الله تعالى، فابتدأ بقصة نوح؛ لأنه أبو البشر الثاني، كما ذكر أولًا آدم في قوله تعالى: ﴿مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ﴾، ولقصته أيضًا مناسبة لما قبلها إذ قبلها: ﴿وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ﴾ فذكر قصة من صنع الفلك أولًا، وأنه كان سبب نجاة من آمن، وإهلاك من لم يكن معه في الفلك، فالفلك من نعمة الله تعالى، وكل هذه القصص يحذر بها قريشًا نقم الله، ويذكرهم بنعمه.
وعبارة المراغي هنا (٢): مناسبة هذه الآيات لما قبلها أن الله سبحانه لما عدد ما أنعم به على عباده، في نشأتهم الأولى، وفي خلق الماء لهم؛ لينتفعوا به، وفي خلق الحيوان كذلك.. ذكر هنا أن كثيرًا من الأمم قد أهملوا التدبر والاعتبار في هذا، فكفروا بهذه النعم، وجهلوا قدر المنعم بها، وعبدوا غيره، وكذبوا رسله الذين أرسلوا إليهم، فحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون، وأهلكهم

(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.

صفحة رقم 12
حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الأمين بن عبد الله بن يوسف بن حسن الأرمي العلوي الهرري الشافعي
راجعه
هاشم محمد علي مهدي
الناشر
دار طوق النجاة، بيروت - لبنان
سنة النشر
1421
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية
لِكُلِّ دَوَلَةٍ أَجَلُ ثمَّ يُتَاحُ لَهَا حِوَلُ
إِنَّمَا الدُّنْيَا كَبَيْتْ نَسْخُهُ مِنْ عَنْكَبُوْت