
وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (٧٨)
شرح الكلمات:
واعبدوا ربكم: أي أطيعوه في أمره ونهيه في تعظيم هو غاية التعظيم وذل له هو غاية الذل.
وافعلوا الخير: أي من كل ما انتدبكم الله لفعله ورغبكم فيه من صالح الأقوال والأعمال.
لعلكم تفلحون: أي كي تفوزوا بالنجاة من النار ودخول الجنة.
حق جهاده: أي الجهاد الحق الذي شرعه الله تعالى وأمر به وهو جهاد الكفار والشيطان والنفس والهوى.
اجتباكم: أي اختاركم لحمل دعوة الله إلى الناس كافة.
من حرج: أي من ضيق وتكليف لا يطاق.
ملة أبيكم: أي الزموا ملة أبيكم إبراهيم وهي عبادة الله وحده لا شريك له.
وفي هذا: أي القرآن.
اعتصموا بالله: أي تمسكوا بدينه وثقوا في نصرته وحسن مثوبته.
ونعم النصير: أي هو تعالى نعم النصير أي الناصر لكم.
معنى الآيات:
بعد تقرير العقيدة بأقسامها الثلاثة: التوحيد والنبوة والبعث والجزاء، نادى الربّ تبارك وتعالى المسلمين بعنوان الإيمان فقال: ﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ أي يا من آمنتم بالله رباً وبمحمد رسولاً وبالإسلام في ديناً، ﴿اركعوا واسجدوا١﴾ أمرهم بإقام الصلاة ﴿واعبدوا ربكم﴾ أي أطيعوه فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه معظمين له غاية التعظيم خاشعين له غاية الخشوع ﴿وافعلوا الخير﴾ من كل ما انتدبكم الله إليه ورغبكم فيه من أنواع البر وضروب العبادات ﴿لعلكم تفلحون﴾ أي لتتأهلوا بذلك للفلاح الذي هو الفوز بالجنة بعد النجاة من النار.

وقوله: ﴿وجاهدوا١ في الله حق جهاده٢﴾ أي أمرهم أيضاً بأمر هام وهو جهاد الكفار حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ومعنى حق جهاده أي كما ينبغي الجهاد من استفراغ الجهد والطاقة كلها نفساً ومالاً ودعوة وقوله: ﴿وما جعل عليكم في الدين من حرج﴾ هذه مِنَّة ذكّر بها تعالى المؤمنين حتى يشكروا الله بفعل ما أمرهم به أي لم يضيق عليكم فيما أمركم به بل وسع فجعل التوبة لكل ذنب، وجعل الكفارة لبعض الذنوب، ورخص للمسافر والمريض في قصر الصلاة والصيام، ولمن لم يجد الماء أو عجز عن استعماله في التيمُم.
وقوله: ﴿ملة أبيكم إبراهيم٣﴾ أي الزموا ملة أبيكم وقوله: ﴿هو سماكم المسلمين﴾ أي الله جل جلاله هو الذي سماهم المسلمين في الكتب السابقة وفي القرآن وهو معنى قوله: ﴿هو سماكم٤ المسلمين من قبل وفي هذا﴾ أي القرآن وقوله: ﴿ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس﴾ أي اجتباكم أيها المؤمنون لدينه الإسلامي وسماكم المسلمين ليكون الرسول شهيداً عليكم يوم القيامة بأنه قد بلغكم ما أرسل به إليكم وتكونوا أنتم شهداء حينئذ على الرسل أجمعين أنهم قد بلغوا أممهم ما أرسلوا به إليهم وعليه فاشكروا هذا الإنعام والإكرام لله تعالى ﴿فأقيموا٥ الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله﴾ أي تمسكوا بشرعه عقيدة وعبادة وخلقاً وأدباً وقضاءاً وحكماً، وقوله تعالى: ﴿هو مولاكم﴾ أي سيدكم ومالك أمركم ﴿فنعم المولى﴾ هو سبحانه وتعالى ﴿ونعم النصير﴾ أي الناصر لكم ما دمتم أولياءه تعيشون على الإيمان والتقوى.
٢ الجهاد هنا: قتال الكفار المعتدين والمانعين لدعوة الله وصد الناس عنها والعلّة فيه إكمال البشر وإسعادهم بالإسلام لله تعالى و ﴿في﴾ في قوله ﴿في الله﴾ : تعليلية أي: لأجل الله أي: لإعلاء كلمة الله تعالى، وفي الحديث الصحيح: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله".
٣ هذا كقوله تعالى: ﴿اتقوا الله حق تقاته﴾ فإنه مخصوص بالاستطاعة وقوله بعد: ﴿وما جعل عليكم في الدين من حرج﴾ مخصّصٌ له أيضاً، ويدخل في الأمر بالجهاد هنا: جهاد النفس والشيطان، وكلمة الحق عند من ينكرها لحديث "كلمة عدل عند سلطان جائر".
٤ الملّة: الدين والشريعة ونصب: ﴿ملة﴾ : بإلزموا ونحوه، والخطاب للعرب إذ إبراهيم أبو العرب المستعربة قاطبة، وهو أيضاً أبو أهل الكتاب وأبّ كل موحد أبوّة تشريف وإتباع وتعظيم.
٥ قوله تعالى ﴿فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة﴾ بعد ذكر المنن إشارة صريحة إلى وجوب شكر الله تعالى على نعمه، وما شكر الله تعالى من لم يقم الصلاة ويؤت الزكاة كما أن من لم يتمسك بدين الله كافر غير شاكر.

هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- فضيلة الصلاة وشرف العبادة وفعل الخير.
٢- مشروعية السجود عند تلاوة هذه الآية ﴿وافعلوا الخير لعلكم تفلحون﴾. ِِِِِ
٣- فضل الجهاد في سبيل الله وهو جهاد الكفار، وان لا تأخذ المؤمن في الله لومة لائم.
٤- فضيلة١ هذه الأمة المسلمة حيث أعطيت ثلاثاً لم يعطها إلا نبي كان يقال للنبي عليه السلام اذهب فليس عليك حرج فقال الله لهذه الأمة: ﴿وما جعل عليكم في الدين من حرج﴾، وكان يقال للنبي عليه السلام أنت شهيد على قومك وقال الله: ﴿لتكونوا شهداء على الناس﴾ وكان يقال للنبي سل تعطه وقال الله لهذه الأمة: ﴿ادعوني استجب لكم﴾ دل على هذا قوله تعالى: ﴿هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج﴾.
٥- فرضية الصلاة، والزكاة، والتمسك بالشريعة.