آيات من القرآن الكريم

وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ ۚ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ

كان قبله، وسيره فِي دِيَارِهِمْ وَآثَارِهِمْ، وَانْظُرْ مَا فَعَلُوا وَأَيْنَ حَلُّوا وَعَمَّ انقَلَبُوا، أَيْ فَانْظُرُوا مَا حَلَّ بِالْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ مِنَ النِّقَمِ وَالنَّكَالِ.
فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها أَيْ فَيَعْتَبِرُونَ بِهَا فَإِنَّها لَا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ أَيْ لَيْسَ الْعَمَى عَمَى الْبَصَرِ، وَإِنَّمَا الْعَمَى عَمَى البصرة، وَإِنْ كَانتِ الْقُوَّةُ الْبَاصِرَةُ سَلِيمَةً فَإِنَّهَا لَا تَنْفُذُ إِلَى الْعِبَرِ وَلَا تَدْرِي مَا الْخَبَرُ، وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَهُ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ فِي هَذَا الْمَعْنَى، وَهُوَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بن محمد بن سَارَةَ الْأَنْدَلُسِيُّ الشَّنْتَرِينِيُّ، وَقَدْ كَانَتْ وَفَاتُهُ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِمِائَةٍ:

يَا مَنْ يُصِيخُ إِلَى دَاعِي الشَقَاءِ وَقَدْ نَادَى بِهِ النَّاعِيَانِ الشِّيبُ وَالْكِبَرُ
إِنْ كُنْتَ لَا تَسْمَعُ الذِّكْرَى فَفِيمَ تُرَى فِي رَأْسِكَ الْوَاعِيَانِ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ
لَيْسَ الْأَصَمُّ وَلَا الْأَعْمَى سِوَى رَجُلٍ لَمْ يَهْدِهِ الْهَادِيَانِ الْعَيْنُ وَالْأَثَرُ
لَا الدَّهْرُ يَبْقَى وَلَا الدنيا ولا الفلك الأعلى وَلَا النَّيِّرَانِ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ
لَيَرْحَلَنَّ عَنِ الدَّنْيَا وإن كرها فراقها الثاويان البدو والحضر
[سورة الحج (٢٢) : الآيات ٤٧ الى ٤٨]
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (٤٧) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (٤٨)
يَقُولُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ أَيْ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ الْمُلْحِدُونَ الْمُكَذِّبُونَ بِاللَّهِ وَكِتَابِهِ وَرَسُولِهِ واليوم الآخر، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ [الْأَنْفَالِ: ٣٢] وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ [ص: ١٦]. وَقَوْلُهُ: وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ أَيِ الَّذِي قَدْ وَعَدَ مِنْ إِقَامَةِ السَّاعَةِ وَالِانتِقَامِ مِنْ أَعْدَائِهِ، وَالْإِكْرَامِ لِأَوْلِيَائِهِ. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: كنت عند أبي عمرو بن العلاء، فجاءه عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ فَقَالَ: يَا أَبَا عَمْرٍو، هل يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ؟
فَقَالَ: لَا، فَذَكَرَ آيَةَ وَعِيدٍ، فَقَالَ لَهُ: أَمِنَ الْعَجَمِ أَنْتَ؟ إِنَّ الْعَرَبَ تَعِدُ الرُّجُوعَ عَنِ الْوَعْدِ لُؤْمًا، وَعَنِ الإيعاد كرما، أما سمعت قول الشاعر: [الطويل]
ولا يرهب ابن العم والجار سطوتي ولا أنثنى عن سَطْوَةِ الْمُتَهَدِّدِ «١»
فَإِنِّي وَإِنْ أَوْعَدْتُهُ أَوْ وَعَدْتُهُ لَمُخْلِفُ إِيعَادِي وَمُنْجِزُ مَوْعِدِي
وَقَوْلُهُ: وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ أَيْ هُوَ تَعَالَى لَا يُعَجِّلُ، فَإِنَّ مِقْدَارَ أَلْفِ سَنَةٍ عِنْدَ خَلْقِهِ كَيَوْمٍ وَاحِدٍ عِنْدَهُ بِالنِّسْبَةِ إلى حلمه، لعلمه بأنه على الانتقام قادر، وأنه
(١) البيتان لعامر بن الطفيل في ديوانه ص ٥٨، ولسان العرب (ختأ)، (وعد)، (ختا)، وتاج العروس (ختأ)، وبلا نسبة في إنباه الرواة ٤/ ١٣٩، ومراتب النحويين ص ٣٨، وتاج العروس (وحد).

صفحة رقم 385

لَا يَفُوتُهُ شَيْءٌ وَإِنْ أَجَّلَ وَأَنْظَرَ وَأَمْلَى، وَلِهَذَا قَالَ بَعْدَ هَذَا: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنِي عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَدْخُلُ فُقَرَاءُ الْمُسْلِمِينَ الْجَنَّةَ قَبْلَ الْأَغْنِيَاءِ بِنِصْفِ يَوْمٍ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ» «١» وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ «٢» عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا فَقَالَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْجَرِيرِيُّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ سَمُيْرِ بْنِ نَهَارٍ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: يَدْخُلُ فُقَرَاءُ الْمُسْلِمِينَ الْجَنَّةَ قَبْلَ الْأَغْنِيَاءِ بِمِقْدَارِ نصف يوم، قلت: وما مقدار نِصْفُ يَوْمٍ؟ قَالَ أَوَمَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قُلْتُ، بَلَى، قَالَ: وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ «٣» فِي آخِرِ كِتَابِ الْمَلَاحِمِ مِنْ سُنَنِهِ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ عَنْ شُرَيحِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قال: «إني لأرجو أن لا تَعْجَزَ أُمَّتِي عِنْدَ رَبِّهَا أَنْ يُؤَخِّرَهُمْ نِصْفَ يَوْمٍ» قِيلَ لِسَعْدٍ: وَمَا نِصْفُ يَوْمٍ؟ قَالَ:
خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ إِسْرَائِيلُ عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ قَالَ: مِنَ الْأَيَّامِ التي خلق الله فيها السموات والأرض. وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ بَشَّارٍ عَنِ ابْنِ المهدي، وَبِهِ قَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي كِتَابِ الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هَذِهِ الْآيَةُ كَقَوْلِهِ: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ [السَّجْدَةِ: ٥].
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَارِمٌ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَتِيقٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَسْلَمَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ وَجَعَلَ أَجَلَ الدُّنْيَا سِتَّةَ أَيَّامٍ، وَجَعَلَ السَّاعَةَ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ. فقد مضف السِّتَّةُ الْأَيَّامُ وَأَنْتُمْ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ فَمَثَلُ ذلك كمثل الحامل إذا دخلت شهرها ففي أية لحظة ولدت كان تماما «٤».

(١) أخرجه الترمذي في الزهد باب ٣٧، وابن ماجة في الزهد باب ٦.
(٢) تفسير الطبري ٩/ ١٧١.
(٣) كتاب الملاحم باب ١٨، وأخرجه أحمد في المسند ١/ ١٧٠. [.....]
(٤) انظر الدر المنثور ٤/ ٦٥٩.

صفحة رقم 386
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
محمد حسين شمس الدين
الناشر
دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون - بيروت
الطبعة
الأولى - 1419 ه
عدد الأجزاء
1
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية