آيات من القرآن الكريم

ذَٰلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ
ﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ

كان المشرك بعكس ذلك فلم يتمسك لكفره (١) وشركه بشيء يتعلق به، ولم يتمسك بما له فيه أمان من الخُرُور ونجاةٌ من الهُوي واختطاف الطير له، كالمؤمن المتمسك بإيمانه فصار كمن خر من السماء، فهوت به الريح، فلم يكن له في شيء من ذلك مُتعلق ولا معتصم فيكون له ثبات (٢).
٣٢ - قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ﴾ أي: الأمر ذلك، كما قلنا في قوله ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ﴾ ذكره المبرد عن سيبويه في هذه الآية (٣).
قوله: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ﴾ قال مجاهد في رواية الحكم وابن أبي نجيح يعني استعظام البدن، واستسمانها، واستحسانها (٤).
وقال ابن عباس في رواية عطاء: يريد الهدي إذا أشعر وقلد، ثم نحر حتى يسيل دمه، ثم وقف في موقف عرفة.
فعلى هذا يعني بتعظيم شعائر الله: استعظام الهدايا والضحايا.
والشعائر: جمع شعيرة، وهي البدن يقال: أشعر الرجل بدنته، إذا جعل عليها علامة ليعلم أنه أوجبها بدنة (٥) وهو مذهب الشافعي (٦) رحمه

(١) في (ظ): (مكفره). وفي (د)، (ع): (بكفره).
(٢) "الحجة" لأبي علي الفارسي ٥/ ٢٧٦.
(٣) لم أقف عليه.
(٤) رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" القسم الأول من الجزء الرابع ص ٢٩٥ من رواية الحكم، ولكن ليس فيها: واستسمانها.
ورواه عبد بن حميد في "تفسيره" كما في "تغليق التعليق" لابن حجر ٣/ ٨٧،
والطبري ١٧/ ١٥٦ من طريق ابن أبي نجيح، عن مجاهد، به.
(٥) انظر: (شعر) في: "تهذيب اللغة" للأزهري ١/ ٤١٧، "الصحاح" للجوهري ٢/ ٦٩٨ "لسان العرب" ٤/ ٤١٣.
(٦) انظر: "الأم" ٢/ ١٨٣، "الحاوي الكبير" ٤/ ٣٧٢ - ٣٧٣، "روضة الطالبين" ٣/ ١٨٩.

صفحة رقم 390

الله في الإبل والبقر بجرح سنامها من الجانب الأيمن وهي مستقبلة القبلة كما فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وأما الغنم فإنها ضعيفة لا تحتمل الإشعار. والشعيرة بمعنى المُشْعَرة، وذكرنا الكلام في هذا عند قوله: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٥٨].
وعلى هذا القول المُهْدِي مندوب إلى طلب الأسمن والأعظم من الهدايا لقوله تعالى ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ ومن الشعائر التي أريد بها الضحايا قول الكُميت:
نُقَتِّلهُم جيلًا فجيلاً نَرَاهُمُ... شَعَائِر قُرْبَانٍ بِهِم يُتَقَرَّبُ (١)
وهذا القول اختيار الزجاج؛ لأنه قال: والذي يعني به هاهنا البُدن (٢).
وقوله: ﴿فَإِنَّهَا﴾ قال الفراء: يريد: فإن الفعلة كما قال: ﴿إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الأعراف: ١٥٣] ومن بعده جائز. ولو قيل: فإنه من تقوى القلوب كان جائزًا. هذا كلامه (٣).

(١) البيت في "هاشميات الكميت" ص ٦٧، بمثل الرواية هنا. وفي "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ١/ ١٤٦ منسوبًا للكميت، وفيه: تراهم... بها يتقرب. وهو في "تهذيب اللغة" للأزهري ١/ ٤١٨ (شعر)، و"اللسان" ٤/ ٤١٤ (شعر)، و"تاج العروس" للزبيدي ١٢/ ١٩٠ (شعر) من إنشاد أبي عبيدة وبمثل روايته، من غير نسبة للكميت.
قال أبو رياش القيسي في "شرحه لهاشميات الكميت" ص ٦٧: (جيلًا فجيلا: جيشًا وخلقًا بعد خلق. يقول: نجعل قتل الخوارج قربة إلى الله كما تُقرب الشعائر إلى الله.
(٢) "معانى القرآن" للزجاج ٣/ ٤٢٦.
(٣) "معانى القرآن" للفراء ٢/ ٢٢٥.

صفحة رقم 391
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية