
رسوله، ولا اجتمعت الأمة على ذلك.
وقوله: ﴿وَأَطْعِمُواْ البآئس الفقير﴾ يعني: الزمن المقتر.
وقال مجاهد: هو الذي يمد إليك يده.
وقال عكرمة: البائس: المضطر الذي عليه البؤس، والفقير: المتعفف.
والبائس عند أهل اللغة: الذي عليه البؤس من شدة الفقر.
وقيل: البائس الذي يتبين عليه اثر البؤس والضر.
قوله تعالى ذكره: ﴿ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ﴾. إلى قوله: ﴿مَحِلُّهَآ إلى البيت العتيق﴾ /.
قال ابن عباس: النفث: الحلق والتقصير والرمي والذبح والأخذ من الشارب واللحية ونتف الإبط وقص الأظفار. وهو الخروج من الإحرام إلى الحل.
وقال ابن عمر: التفث: ما عليهم من الحج.
وعنه أيضاً: التفث: المناسك كلها.
وعن ابن عباس: التفث: حلق الرأس والأخذ من الشارب، ونتف الإبط وحلق العانة وقص الأضفار والأخذ من العارضين، ورمي الجمار، والموقف بعرفة

والمزدلفة ومثله عن قتادة وابن جريج.
وقوله: ﴿وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ﴾ يعني: ما نذروا من البدن.
وقال مجاهد: هو نذر الحج والهدي وما نذره الإنسان من شيء يكون في الحج.
ثم قال تعالى ذكره: ﴿وَلْيَطَّوَّفُواْ بالبيت العتيق﴾.
يعني: بيت الله الذي هو مكة، سمي عتيقاً لأن الله أعتقه من الجبابرة أن يصلوا إلى تخريبه وهدمه، قال: قتادة ومجاهد وابن نجيح وهو مروي عن النبي عليه السلام.
وقال ابن جبير: إنه إنما سمي بالعتيق لأنه أعتق من الغرف [في] زمان الطوفان.
وعن مجاهد: أنه إنما سمي عتيقاً لأنه لم يملكه أحد من الناس.
وقال ابن زيد: " سمي بذلك لقدمه، لأنه أول بيت وضع للناس، بناه آدم، وهو أول من بناه، ثم برأ لله موضعه إبراهيم بعد الغرق، فبناه إبراهيم وإسماعيل. ومنه قيل: للسيف القديم سيف عتيق.

وعنى بالطواف هنا طواف الإفاضة يوم النحر وبعده، وهو الذي يقال له طواف الزيارة.
ثم قال تعالى: ﴿ذلك وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ الله﴾.
أي: الأمر، ذلك من الفروض.
وقيل: معناه: ذلك الذي أمرتم به من الوفاء بالنذور، والطواف بالبيت العتيق هو الفرض الواجب عليكم في حجكم.
﴿وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ الله﴾ أي: ومن يجتنب مع ذلك ما أمره الله باجتنابه في حال إحرامه تعظيماً منه لحدود الله أن يواقعها، فهو خير له عند ربه في الآخرة.
قال مجاهد: ﴿حُرُمَاتِ الله﴾ هوي مكة والحج والعمرة، وما نهى الله عنه من المعاصي كلها.
وقال ابن زيد: ﴿حُرُمَاتِ الله﴾: المسجد الحرام والبيت الحرام والبلد الحرام.
ثم قال تعالى: ﴿وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأنعام﴾ أي: أحلها الله لكم أن تأكلوها إذا ذكيتموها، لم يحرم عليكم بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام.
ثم قال: ﴿إِلاَّ مَا يتلى عَلَيْكُمْ﴾ أي: في كتاب الله، وذلك الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به، والمنخقة والموقدة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع وما ذبح على النصب، فذلك رجس كله.

وقال قتادة: ﴿إِلاَّ مَا يتلى عَلَيْكُمْ﴾: الميتة وما لم يذكر اسم الله عليه.
وقيل: هو الصيد المحرم على المحرمين.
فالمعنى: أحل لكم في حال إحرامكم أكل لحم الإبل والبقر والغنم، إلا ما يتلى عليكم من تحريم الصيد عليكم وأنتم محرمون.
ثم قال تعالى: ﴿فاجتنبوا الرجس مِنَ الأوثان﴾ أي: النتن، و " من " لبيان الجنس.
وقال الأخفش: هي للتبعيض. أي: فاجتنبوا الرجس الذي هو من الأوثان، أي عبادتها.
وقال ابن عباس: معناه: اجتنبوا طاعة الشيطان في عبادة الأوثان.
وروي عن النبي ﷺ أنه قال: " عدلت شهادة الزور بالشرك بالله، ثم قرأ: ﴿فاجتنبوا الرجس مِنَ الأوثان واجتنبوا قَوْلَ الزور﴾ ".
وقال ابن جريج: ﴿قَوْلَ الزور﴾ الكذب، والفرية على الله جلّ ثناؤه. وهو قول ابن عباس ومجاهد وغيرهم.

وقيل: ﴿قَوْلَ الزور﴾: قولهم: إن الملائكة بنات الله، تعالى الله عن ذلك.
وقيل: معناه: اجتبنوا تعظيم الأوثان والذبح لها.
وسماها رجساً، استقذاراً لها. وكانوا ينحرون عندها، ويصبون عليها الدماء. فيقذرونها، وهم مع ذلك يعظمونها، فنهى الله المسلمين عن ذلك كله.
ثم قال تعالى: ﴿حُنَفَآءَ للَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ﴾.
أي: اجتنبوا ذلك، ما يليق إلى الحق والتوحيد والإخلاص والإيمان بالله.
ثم قال تعالى ذكر: ﴿وَمَن يُشْرِكْ بالله فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السمآء﴾.
أي: مثل من يشرك بالله في بعده من الهدى وإصابة الحق وهلاكه، ثمل من خرّ من السماء ﴿فَتَخْطَفُهُ الطير﴾ أي: فهلك، أو مثل من ﴿تَهْوِي بِهِ الريح فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ﴾، أي: بعيد.
وقيل: المعنى: من يشرك بالله يكون يوم القيامة بهذه الصفة، لا يملك لنفسه نفعاً ولا يملك له أحد من الخلق نفعاً، ولا يمكنه امتناع مما يناله من عذاب الله، فكأنه في ذلك بمنزلة من خرّ من السماء، ومن هوى لا يقدر لنفسه على دفع ما هو فيه، فتخطفه الطير وتقطع جسمه بمخالبها ومناقرها، فهلاو لا يجد سبيلاً إلى دفع ذلك عن نفسه، وهو بمنزلة من تحمله الريح من موضع مرتفع، فترمي به في منحدر بعيد/

سحيق، فشبه الله المشرك بمنزلة هذا الذي خرّ من السماء، فهوت به الريح وتخطفته الطير، فكما لا يملك هذا لنفسه دفع ضر، وهو في الهُوِي، كذلك المشرك، يوم القيامة لا يقدر على دفع ما نزل له من العذاب.
ثم قال تعالى: ﴿ذلك وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ الله فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القلوب﴾.
أي: ذلك أمر الله، ﴿وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ الله﴾، يعني: الوقوف بعرفة وتجميع ورمي لاجمال والصفا والمروة، فهذه كلها شعائر، وتعظيمها: الوقوف والعمل بها في الأوقات المفروضة والمسنونة.
" والشعائر " جمع شعيرة، وهي ما جعله الله علماً لخلقه. وكذلك الشعائر لابدن واحدها شعيرة أيضاً، لأنها قد أشعرت، أي: جعلت فيها علامة تدل على أنها هدي، ولذلك قال بعض العلماء: إن الشعائر هنا البدن.
وقوله: ﴿فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القلوب﴾ أي: فإن الفعلة من تقوى القلوب. أي: فإن التعظيم واجتناب الرجس من وجل القلوب من خشية الله.
ثم قال تعالى: ﴿لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى﴾.
أي: لكم في البدن منافع قبل تسميتها بدنة وإشعارها. وذلك لبنها وركوب ظهورها، وما يرزقون من نتاجها وشعرها ووبرها، وقوله: ﴿إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ أي: إلى وقت يوجبها صاحبها فيسميها " بدنة " ويقلدها ويشعرها، فإذا فعل ذلك، بطل ما كان له من النفع منها. هذا معنى قول ابن عباس وعطاء. وهو قول قتادة، قال: " إلى

أجل مسمى " أي: إلى أن تقلد فإذا قلدت، فمحلها إلى البيت العتيق.
وعن عطاء أن المعنى: لكم في البدن التي أوجبتم هديها منافع، وذلك ركوب ظهروها إذا احتجتم إلى ذلك، وتشربون ألبانها إذا اضطررتم إلى ذلك، ويحمل عليها المضطر غير منتهك لها.
وقوله: ﴿إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ يعني إلى أن تنحر.
ويروى أن النبي ﷺ كان يأمر بالبدن إذا احتاج إليها سيدها أن يحمل عليها ويركب غير منهوكة وإن نتجت أن يحمل عليها ولدها، ولا يشرب من لبنها إلا فضلاً عن ولدها. فإن كان في لبنها فضل فيشرب من أهداها ومن لم يهدها.
ومن جعل الشعائر: الأماكن المذكورة، فالمعنى عنده: لكم فيها منافع إلى أجل مسمى، أي: لكم في حضور هذه الأماكن منافع، وذلك تجارتهم وبيعهم " إلى أجل مسمى " أي: إلى الخروج والانتقال من هذه الشعائر إلى غيرها. هذا معنى قول ابن عباس.
وقال ابن زيد: معناه: ﴿لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ﴾ هو الأجر الذي ربحوا في تلك الأماكن.