آيات من القرآن الكريم

ذَٰلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ۗ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ ۖ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ
ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰ

والتفث في قوله تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ: ما يفعله المحرم عند حلّه، من تقصير شعره وحلقه، وإزالة شعث ونحوه من خصال الفطرة.
روى الجماعة (أحمد وأصحاب الكتب الستة) ومالك في الموطأ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خمس من الفطرة: قص الشارب، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط، والاستحداد، والختان».
الغاية من تعظيم حرمات الله
تتجلى في موسم الحج تضحيات عديدة، تتمثل في مفارقة الأهل والأوطان، واجتماع المؤمنين على صعيد واحد، والالتفات نحو شعائر واحدة ومناسك موحدة، تتطلب تعظيمها في نطاق مبدأ توحيد الله وقصد التقرب إليه، ورفض كل مظاهر وألوان الشرك والوثنية، وذبح الهدايا والقرابين إرضاء لله تعالى، وغرس جذور التقوى في القلوب، وإطعام الفقراء والمحتاجين من الهدايا في موسم التجمع العام، قال الله تعالى مبينا هذه الأغراض والغايات السامية:
[سورة الحج (٢٢) : الآيات ٣٠ الى ٣٣]
ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلاَّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (٣٠) حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ (٣١) ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (٣٢) لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (٣٣)
«١» «٢» «٣» «٤» «٥» «٦» «٧» «٨» «٩» [الحج: ٢٢/ ٣٠- ٣٣].

(١) شرائعه من مناسك الحج وغيرها.
(٢) النجس وهو الأوثان.
(٣) قول الباطل والكذب.
(٤) مائلين عن الباطل إلى الدين الحق.
(٥) تسقطه. [.....]
(٦) موضع بعيد.
(٧) الأنعام المهداة للبيت الحرام.
(٨) مكان نحرها.
(٩) أرض الحرم كله.

صفحة رقم 1642

بعد أمر الله تعالى إبراهيم الخليل بالنداء للحج والأمر به، أوضح الله ثواب تعظيم أحكام الله ومناسك الحج، وذلك هو المأمور به من الطاعات في أداء مناسك الحج، وتعظيم حرمات الله: وهي كل ما لا يحل هتكه، ومن يعظم أحكام الله بتعلمها واجتناب المعاصي والمحرّمات، والتزام المأمورات فله الثواب الجزيل، الشامل أمرين: فعل الطاعة في حد ذاتها، واجتناب المحظور الحرام. وتعظيم شرائع الله خير محض للإنسان.
وشرائع الإسلام تتفق مع منهج الاعتدال والعقلانية والواقعية، لذا أباح شرع الله ما كانت العرب تفعله من تحريم أشياء برأيها كالبحيرة والسائبة، فأذهب الله جميع ذلك، وأحل للمسلمين جميع الأنعام من الإبل والبقر والغنم إلا ما استثني وتلي في آية المائدة مما فيه ضرر على الصحة والجسد: وهو الأربعة المعروفة: الميتة بأنواعها والدم ولحم الخنزير، وما أهل، أي ذبح لغير الله. وفي هذه الذبائح التي كانت للأوثان ضرر يمس العقيدة، كما يمس الصحة الإنسانية تماما، لذا أمر الله باجتناب الرجس، أي القذر من الأصنام، وسميت رجسا تنفيرا منها وتقبيحا لها، والمراد اجتناب عبادتها وتعظيمها، وأمر الله أيضا باجتناب قول الزور والابتعاد عنه، والزور: لفظ عام يشمل الكذب والكفر وكل ألوان الباطل، لأن كل ما عدا الحق:
فهو كذب وباطل وزور، ومنه شهادة الزور.
روى أحمد وأبو داود وغيرهما عن ابن مسعود أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «عدلت شهادة الزور: الإشراك بالله»
قال ذلك ثلاثا، وتلا هذه الآية.
وبعد اجتناب أنواع الكلام الزور، أمر الله بأن يكون الناس حنفاء لله، أي مخلصين له الدين، منحرفين عن الباطل، مستقيمين أو مائلين إلى الحق: وهو توحيد الله ونبذ الشرك بالله، فإن الشرك جرم عظيم، ومن يشرك مع الله إلها آخر، ويعبد

صفحة رقم 1643

غيره، فقد خسر خسرانا عظيما، وهلك هلاكا مبينا، وهو في شركه شبيه بمن سقط من جو السماء، فتتخاطفه الطيور، وتقطّعه وتمزقه في الهواء، أو تعصف به الريح في مكان بعيد مهلك، لا خلاص له منه ولا نجاة.
وسبب تعظيم شعائر الله (وهي كل شيء، لله تعالى فيه أمر أشعر به وأعلم) أنه دليل على وجود التقوى المهيمنة على القلوب، والانصياع لأوامر الله، واتباع أحكامه وتوجيهاته. ومن هذه الشعائر: ذبح البدن أي النوق والجمال، ففي البدن:
منافع دنيوية من اللبن والصوف والركوب عليها، وغير ذلك، وفيها منافع أخروية إذا قدمت هديا مبعوثا لموسم الحج، فإذا بعثها صاحبها هديا، فذلك هو الأجل المسمى، أي موعد نحرها، والتصدق بلحومها والأكل منها. ومكان نحرها وانتهاؤه أو محله عند البيت العتيق، أي الكعبة والحرم كله، لأن الحرم كله في حكم البيت الحرام، كما قال الله تعالى: هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ [المائدة: ٥/ ٩٥].
وسمي البيت الحرام بالبيت العتيق لأنه قديم، إذ هو أول بيت وضع للناس، كما تقدم، إلا أن الزبير قال: سمي عتيقا لأن الله أعتقه من الجبابرة بمنعه إياه منهم، أو لأنه لم يملك موضعه قط، فتحرر من الملكية الخاصة.
أماكن النسك لكل أمة
التقرب إلى الله تعالى بالذبائح والقرابين مشروع في كل أمة، وطريق لتخلص الإنسان من هواجس الذنوب والمعاصي وتعكيرها النفس والوجدان، فإذا أريق دم الذبيحة أحس المرء بالراحة النفسية، واطمأن إلى ذاته، وكأن هناك ارتباطا بين القلق النفسي وبين إراقه دماء الذبائح، لذا كانت شريعة القرآن الكريم كغيرها من الشرائع محددة لمواضع النسك والعبادة وذبح القرابين، كما جاء في الآيات الآتية:

صفحة رقم 1644
التفسير الوسيط
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر - دمشق
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية