آيات من القرآن الكريم

ذَٰلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ۗ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ ۖ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ
ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦ

الأيام المعدودات فتأمل هذا، يبين لك قصدهم، ويظهر أن تكون المعدودات والمعلومات بمعنى أن تلك الأيام الفاضلة كلها ويبقى أمر الذبح وأمر الاستعجال لا يتعلق بمعدود ولا بمعلوم وتكون فائدة قوله مَعْلُوماتٍ ومَعْدُوداتٍ [البقرة: ١٨٤، آل عمران: ٢٤] التحريض على هذه الأيام وعلى اغتنام فضلها أي ليست كغيرها فكأنه قال: هي مخصوصات فلتغتنم. وقوله، فَكُلُوا ندب، واستحب أهل العلم للرجل أن يأكل من هديه وأضحيته وأن يتصدق بأكثرها مع تجويزهم الصدقة بالكل وأكل الكل، والْبائِسَ الذي قد مسه ضر الفاقة وبؤسها، يقال: بأس الرجل يبؤس وقد يستعمل فيمن نزلت به نازلة دهر وإن لم تكن فقرا، ومنه قوله عليه السلام، «لكن البائس سعد بن خولة»، والمراد في هذه الآية أهل الحاجة.
قوله عز وجل:
[سورة الحج (٢٢) : الآيات ٢٩ الى ٣١]
ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (٢٩) ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلاَّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (٣٠) حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ (٣١)
اختلفت القراءة في سكون اللام في قوله تعالى: لْيَقْضُوا وَلْيُوفُوا وَلْيَطَّوَّفُوا وفي تحريك جميع ذلك بالكسر وفي تحريك «ليقضوا» وتسكين الاثنين وقد تقدم في قوله: فَلْيَمْدُدْ [الحج: ١٥، مريم: ٧٥] بسبب توجيه جميع ذلك، و «التفث» ما يصنعه المحرم عند حله من تقصير شعر وحلقه وإزالة شعث ونحوه من إقامة الخمس من الفطرة حسب الحديث وفي ضمن ذلك قضاء جميع مناسكه إذ لا يقضى التفث إلا بعد ذلك، وقرأ عاصم وحده في رواية أبي بكر «وليوفّوا» بفتح الواو وشد الفاء، ووفى وأوفى لغتان مستعملتان في كتاب الله تعالى، وأوفى أكثر. و «النذور» ما معهم من هدي وغيره، والطواف المذكور في هذه الآية هو طواف الإفاضة الذي هو من واجبات الحج، قال الطبري لا خلاف بين المتأولين في ذلك، قال مالك: هو واجب يرجع تاركه من وطنه إلا أن يطوف طواف وداع فإنه يجزئه منه.
قال القاضي أبو محمد: ويحتمل بحسب الترتيب أن تكون الإشارة إلى طواف الوداع إذ المستحسن أن يكون ولا بد، وقد أسند الطبري عن عمرو بن أبي سلمة قال: سألت زهيرا عن قوله تعالى: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ فقال: هو طواف الوداع، وقال مالك في الموطأ واختلف المتألون في وجه صفة البيت ب الْعَتِيقِ، فقال مجاهد والحسن الْعَتِيقِ القديم يقال سيف عتيق وقد عتق الشيء، قال الفقيه الإمام القاضي: وهذا قول يعضده النظر إذ هو أول بيت وضع للناس إلا أن ابن الزبير قال: سمي عتيقا لأن الله تعالى أعتقه من الجبابرة بمنعه إياه منهم وروي في هذا حديث عن النبي ﷺ ولا نظر مع الحديث، وقالت فرقة: سمي عتيقا لأنه لم يملك موضعه قط، وقالت فرقة: سمي عتيقا لأن الله تعالى يعتق فيه رقاب المذنبين من العذاب، قال الفقيه الإمام القاضي: وهذا يرده التصريف، وقيل: سمي عتيقا لأنه أعتق من غرق الطوفان، قاله ابن جبير، ويحتمل أن يكون الْعَتِيقِ صفة مدح تقتضي جودة الشيء كما قال

صفحة رقم 119

عمر بن الخطاب رضي الله عنه «حملت على فرس عتيق» الحديث ونحوه قولهم كلام حر وطين حر، وقوله تعالى: ذلِكَ يحتمل أن يكون في موضع رفع بتقدير فرضكم ذلك أو الواجب ذلك، ويحتمل أن يكون في موضع نصب بتقدير امتثلوا ذلك ونحو هذا الإضمار، وأحسن الأشياء مضمرا أحسنها مظهرا ونحو هذه الإشارة البليغة قول زهير: [البسيط]

هذا وليس كمن يعطي بخطته وسط الندى إذا ما قائل نطقا
والحرمات المقصودة هاهنا في أفعال الحج المشار إليها في قوله ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ويدخل في ذلك تعظيم المواضع، قاله ابن زيد وغيره، ووعد على تعظيمها بعد ذلك تحريضا، وتحريصا، ثم لفظ الآية بعد ذلك يتناول كل حرمة لله تعالى في جميع الشرع. وقوله تعالى: فَهُوَ خَيْرٌ، ظاهره أنها ليست للتفضيل وإنما هي عدة بخير، ويحتمل أن يجعل خَيْرٌ للتفضيل على تجوز في هذا الموضع، وقوله تعالى: أُحِلَّتْ إشارة إلى ما كانت العرب تفعله من تحريم أشياء برأيها كالبحيرة والسائبة فأذهب الله تعالى ذلك وأحل لهم جميع الْأَنْعامُ إِلَّا ما يُتْلى عليهم في كتاب الله تعالى. في غير موضع ثم أمرهم باجتناب الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ والكلام يحتمل معنيين أحدهما أن تكون مَنْ لبيان الجنس فيقع نهيه عن رجس الأوثان فيقع نهيها في غير هذا الموضع، والمعنى الثاني أن تكون مَنْ لابتداء الغاية فكأنه نهاهم عن الرجس عاما ثم عين لهم مبدأ الذي منه يلحقهم إذ عبادة الوثن جامعة لكل فساد ورجس، ويظهر أن الإشارة إلى الذبائح التي كانت للأوثان فيكون هذا مما يتلى عليهم، ومن قال مَنْ للتبعيض قلب معنى الآية ويفسده، والمروي عن ابن عباس وابن جريج أن الآية نهي عن عبادة الأوثان، والزُّورِ، عام في الكذب والكفر وذلك أن كل ما عدا الحق فهو كذب وباطل وزور، وقال ابن مسعود وابن جريج: إن رسول الله ﷺ قال: «عدلت شهادة الزور بالشرك»، وتلا هذه الآية، والزُّورِ مشتق من الزور وهو الميل ومنه في جانب فلان زور ويظهر أن الإشارة في زور أقوالهم في تحريم وتحليل مما كانوا قد شرعوه في الأنعام، وحُنَفاءَ، معناه مستقيمين أو مائلين إلى الحق بحسب أن لفظة الحنف من الأضداد تقع على الاستقامة وتقع على الميل، وحُنَفاءَ نصب على الحال، وقال قوم حُنَفاءَ معناه حجاجا ع وهذا تخصيص لا حجة معه، وغَيْرَ مُشْرِكِينَ، يجوز أن يكون حالا أخرى، ويجوز أن يكون صفة لقول حُنَفاءَ ثم ضرب تعالى مثلا للمشرك بالله أظهره في غاية السقوط وتحمل والانبتات من النجاة بخلاف ما ضرب للمؤمن في قوله فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى [البقرة: ٢٥٦] ومنه قول علي رضي الله عنه: إذا حدثتكم عن رسول الله فلأن أخر من السماء إلى الأرض أهون علي من أن أكذب عليه، الحديث. وقرأ نافع وحده «فتخطّفه الطير» بفتح الخاء وشد الطاء على حذف تاء التفعل وقرأ الباقون «فتخطفه» بسكون الخاء وتخفيف الطاء، وقرأ الحسن فيما روي عنه «فتخطّفه» بكسر التاء والخاء وفتح الطاء مشددة، وقرأ أيضا الحسن وأبو رجاء بفتح التاء وكسر الخاء والطاء وشدها، وقرأ الأعمش
«من السماء تخطفه» بغير فاء وعلى نحو قراءة الجماعة وعطف المستقبل على الماضي لأنه بتقدير فهو تخطفه الطير، وقرأ أبو جعفر، «الرياح»، و «السحيق» البعيد ومنه قولهم أسحقه الله ومنه قوله عليه السلام «فسحقا فسحقا» ومنه نخلة سحوق للبعيدة في السماء.

صفحة رقم 120
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية