آيات من القرآن الكريم

إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَىٰ أُولَٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ
ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦ ﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ

إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ... الآية، فأقبل عبد الله بن الزبعرى فرآهم يتهامسون، فقال: فيم خوضكم؟ فأخبره الوليد بن المغيرة بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عبد الله: أما والله لو وجدته لخصمته، فدعوه. فقال ابن الزبعرى: أأنت قلت ذلك؟ قال: نعم. قال: قد خصمتك ورب الكعبة. أليس اليهود عبدوا عزيرا، والنصارى عبدوا المسيح، وبنو مليح عبدوا الملائكة؟
فقال صلى الله عليه وسلم: بل هم عبدوا الشياطين التي أمرتهم بذلك «١». فأنزل الله تعالى إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى... الآية يعنى عزيرا والمسيح والملائكة عليهم السلام. فإن قلت:
لم قرنوا بآلهتهم؟ قلت: لأنهم لا يزالون لمقارنتهم في زيادة غمّ وحسرة، حيث أصابهم ما أصابهم بسببهم. والنظر إلى وجه العدوّ باب من العذاب، ولأنهم قدّروا، أنهم يستشفعون بهم في الآخرة ويستنفعون بشفاعتهم، فإذا صادفوا الأمر على عكس ما قدروا لم يكن شيء أبغض إليهم منهم.
فإن قلت: إذا عنيت بما تعبدون الأصنام، فما معنى لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ؟ قلت: إذا كانوا هم وأصنامهم في قرن «٢» واحد، جاز أن يقال: لهم زفير، وإن لم يكن الزافرين إلا هم دون الأصنام للتغليب ولعدم الإلباس. والحصب: المحصوب به، أى: يحصب بهم في النار. والحصب: الرمي.
وقرئ بسكون الصاد، وصفا بالمصدر. وقرئ حطب، وحضب، بالضاد متحركا وساكنا.
وعن ابن مسعود: يجعلون في توابيت من نار فلا يسمعون. ويجوز أن يصمهم الله كما يعميهم.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ١٠١]
إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ (١٠١)

(١). هكذا ذكره الثعلبي ثم البغوي بغير إسناد. لم أجده هكذا إلا ملفقا فأما صدره ففي الطبراني الصغير في أواخره من حديث ابن عباس قال «دخل رسول الله ﷺ مكة يوم الفتح وعلى الكعبة ثلاثمائة وستون صنما قد شدت أقدامها برصاص- الحديث» وأما قوله «وكانت صناديد قريش فقصة أخرى ذكرها ابن إسحاق في المغازي والطبري من طريقه قال «جلس رسول الله ﷺ يوما في المسجد مع رجال من قريش فعرض له النضر بن الحرث فكلمه رسول الله ﷺ حتى أفحمه- فذكر نحو المذكور هنا إلى آخره وفيه «إن كل من أحب أن يعبد من دون الله فهو مع من عبده إنهم إنما يعبدون الشياطين» وروى ابن مردويه والواحدي من طريق أبى رزين عن أبى يحيى عن ابن عباس قال «لما نزلت إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ... الآية شق ذلك على قريش وقالوا: يشتم آلهتنا. فجاء ابن الزبعرى. وقال: يا محمد هذا شتم لآلهتنا خاصة، أم لكل من عبد من دون الله؟
قال: لكل من عبد من دون الله. قال. خصمتك ورب الكعبة- فذكر نحوه.
«تنبيهان»
أحدهما: اشتهر في ألسنة كثير من علماء العجم وفي كتبهم: أن النبي ﷺ قال في هذه القصة لابن الزبعرى «ما أجهلك بلغة قومك. فانى قلت: وما تعبدون. وهي لما لا يعقل. ولم أقل: ومن تعبدون اه.
وهو شيء لا أصل له. ولا يوجد لا مسندا ولا غير مسند. الثاني قال السهيلي اعتراض ابن الزبعرى غير لازم، لأن الخطاب مخصوص بقريش وما يعبدون من الأصنام. ولذلك أتى بما الواقعة على ما لا يعقل اه. وحديث ابن عباس الذي تقدم ينقض عليه هذا التأويل. فانه صرح بأن المراد كل ما يعبد من دون الله
(٢). قوله «في قرن هو حبل يقرن به البعيران. أفاده الصحاح. (ع)

صفحة رقم 136

[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ١٠١ الى ١٠٣]

إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ (١٠١) لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ (١٠٢) لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (١٠٣)
الْحُسْنى الخصلة المفضلة في الحسن تأنيث الأحسن: إمّا السعادة، وإما البشرى بالثواب وإما التوفيق للطاعة. يروى أنّ عليا رضى الله عنه قرأ هذه الآية ثم قال: أنا منهم، وأبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف، ثم أقيمت الصلاة فقام يجرّ رداءه وهو يقول لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها «١» والحسيس: الصوت يحس، والشهوة: طلب النفس اللذة. وقرئ لا يَحْزُنُهُمُ من أحزن. والْفَزَعُ الْأَكْبَرُ قيل: النفخة الأخيرة، لقوله تعالى يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وعن الحسن: الانصراف إلى النار.
وعن الضحاك: حين يطبق على النار. وقيل: حين يذبح الموت على صورة كبش أملح، أى تستقبلهم الْمَلائِكَةُ مهنئين على أبواب الجنة. ويقولون: هذا وقت ثوابكم الذي وعدكم ربكم قد حلّ.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ١٠٤]
يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ (١٠٤)
العامل في يَوْمَ نَطْوِي لا يحزنهم. أو الفزع. أو تتلقاهم. وقرئ: تطوى السماء، على البناء للمفعول السِّجِلِّ بوزن العتلّ «٢» والسجل بلفظ الدلو. وروى فيه الكسر: وهو الصحيفة، أى: كما يطوى الطومار للكتابة، أى: ليكتب فيه، أو: لما يكتب فيه، لأن الكتاب أصله المصدر كالبناء، ثم يوقع على المكتوب، ومن جمع فمعناه: للمكتوبات، أى: لما يكتب فيه من المعاني الكثيرة. وقيل السِّجِلِّ ملك يطوى كتب بنى آدم إذا رفعت إليه. وقيل: كاتب كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم. والكتاب- على هذا- اسم الصحيفة المكتوب فيها أَوَّلَ خَلْقٍ مفعول نعيد الذي يفسره نُعِيدُهُ والكاف مكفوفة بما. والمعنى: نعيد أوّل الخلق كما بدأناه، تشبيها للإعادة بالإبداء في تناول القدرة لهما على السواء، فإن قلت: وما أوّل الخلق حتى يعيده كما بدأه؟ قلت: أوّله إيجاده عن العدم، فكما أوجده أولا عن عدم، يعيده ثانيا عن عدم «٣». فإن قلت: ما بال خَلْقٍ
(١). أخرجه ابن أبى حاتم وابن عدى وابن مردويه والثعلبي من رواية ليث بن أبى سليم عن ابن عم النعمان بن بشير. وكان من سمار على قال: تلا على هذه الآية- فذكره
(٢). قوله «بوزن العتل» العتل: الغليظ الجافي. وقال تعالى عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ والعتل أيضا: الرمح الغليظ.
ورجل عتل- بالكسر-: بين العتل، كذا في الصحاح. (ع)
(٣). قال محمود: «إن قلت ما أول الخلق حتى يعيده كما بدأه؟ قلت: أول الخلق إيجاده عن العدم، فكما أوجده أولا عن عدم يعيده ثانيا عن عدم» قلت: هذا الذي ذكره هاهنا في المعاد قد عاد به إلى الحق ورجع عما قاله في سورة مريم، حيث فسر الاعادة بجمع المتفرق خاصة، إلا أنه كدر صفو اعترافه بالحق بتفسيره قوله إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ بالقدرة على الفعل، ولا يلزم على هذا من القدرة على الفعل حصوله، تحويما على أن الموعود به ليس إعادة الأجسام عن عدم وإن كانت القدرة صالحة لذلك، ولكن إعادة الأجزاء على صورها مجتمعة مؤتلفة على ما تقدم له في سورة مريم، إلا أن يكون الباعث له على تفسير الفعل بالقدرة: أن الله ذكر ماضيا والاعادة وقوعها مستقبل، فتعين عنده من ثم حمل الفعل على القدرة فقد قارب، ومع ذلك فالحق بقاء الفعل على ظاهره لأن الأفعال المستقبلة التي علم الله وقوعها، كالماضية في التحقيق، فمن ثم عبر عن المستقبل بالماضي في مواضع كثيرة من الكتاب العزيز.
والغرض الإيذان بتحقيق وقوعه، والله أعلم.

صفحة رقم 137
الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي الزمخشريّ، جار الله، أبو القاسم
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
الطبعة
الثالثة - 1407 ه
عدد الأجزاء
4
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية