آيات من القرآن الكريم

قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ ۖ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ ۖ وَانْظُرْ إِلَىٰ إِلَٰهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا ۖ لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا
ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾ

فرعون بذبح ولدان بني إسرائيل كانت المرأة تلد فتطرح ولدها حيث لا يشعر به أصحاب فرعون، فيأخذ الولدان الملائكة، فيربوهم حتى يترعرعوا ويختلطوا بالناس، فكان السامري ممن أخذه جبريل، فغذاه فلما رآه على فرسه عرفه، فقبض القبضة من تحت حافر فرسه) (١).
وقوله: إنها إذا جعلت في موات حي، فذلك قوله: ﴿بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ﴾ أي: من أثر فرسه يعني من حيث وضع عليه حافره ﴿فَنَبَذْتُهَا﴾ وألقيتها في صورة العجل ﴿وَكَذَلِكَ﴾ وكما حدثتك يا موسى ﴿سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي﴾ زينت لي نفسي من أخذ القبضة وإلقائها في صورة العجل.
٩٧ - قوله تعالى: ﴿قَالَ فَاذْهَبْ﴾ روي في التفسير: (أن موسى -عليه السلام- همَّ بقتل السامري، فنهاه الله عن ذلك وقال: لا تفعل، فإنه سخي) (٢) (٣).

(١) ذكر نحوه "جامع البيان" ١٦/ ٢٠٥، وكذلك "بحر العلوم" ٢/ ٣٥٢، وأورده "النكت والعيون" ٣/ ٤٢٣ بدون نسبة، وكذلك "معالم التنزيل" ٥/ ٢٩٢، وابن عطية في "المحرر الوجيز" ١١/ ١٠١ وقال: (هذا ضعيف). "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٤٠، والرازي في "التفسير الكبير" ٢٢/ ١١١ وقال: (والذي ذكروه من أن جبريل -عليه السلام- هو الذي رباه فبعيد).
ولعل هذا القول من الروايات الإسرائيلية التي ذكرت في هذا الباب.
(٢) السخاوة والسخاء: الجود، والسخي: الجواد. انظر: "تهذيب اللعة" (سخا) ٧/ ٤٨٧، "القاموس المحيط" (السخي) ٤/ ٣٤١، "لسان العرب" (سخا) ٩/ ٢٠٨، "مختار الصحاح" (سخا) ٢٩١.
(٣) "الكشف والبيان" ٣/ ٢٤ أ، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٤١، "روح المعاني" ١٦/ ٢٥٦. وهذا القول من الروايات الإسرائيلية التي ذكرها أهل التفسير في هذه الآية.

صفحة رقم 509

فقال له موسى: ﴿فَاذْهَبْ﴾ أي: من بيننا ﴿فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ﴾ قال ابن عباس: (لك (١) ولولدك) (٢). والمساس: فِعال من المساسة ومعنى لا مساس: لا يمس بعضنا بعضًا (٣).
قال الكلبي: (يقول: لا يخالط أحداً ولا يخالطك) (٤). وأمر موسى بني إسرائيل أن لا يخالطوه ولا يؤاكلوه ولا يقربوه (٥).
وقال أبو إسحاق: (التأويل: أن موسى حرم (٦) مخالطة السامري، والمعنى: أنك في الدنيا لا تخالط جزاء لفعلك) (٧). وعلى هذا كأن موسى صيره مهجورًا، وأمر قومه بمجانبته، وأن لا يخالطوه ولا يؤاكلوه ولا يبايعوه، هذا معنى ما ذكر في هذه الآية (٨). غير أن اللفظ لا يدل على هذا؛ لأنه إذا هجر لم يقل: لا مساس إنما يقال له ذلك (٩).

(١) قوله: (لك)، ساقط من نسخة (ص).
(٢) "معالم التنزيل" ٥/ ٢٩٢، "روح المعاني" ١٦/ ٢٥٦.
(٣) انظر: "تهذيب اللغة" (مس) ٤/ ٣٣٩، "مقاييس اللغة" (مس) ٥/ ٢٧١، "لسان العرب" (مسس) ٧/ ٤٢٠١، "المفردات في غريب القرآن" (مسس) ص ٤٦٧.
(٤) ذكرته كتب التفسير بدون نسبة. انظر: "جامع البيان" ١٦/ ٢٠٦، "الكشف والبيان" ٣/ ٢٤ أ، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٤٠.
(٥) "جامع البيان" ١٦/ ٢٠٦، "الكشف والبيان" ٣/ ٢٤ أ، "النكت والعيون" ٣/ ٤٢٤، "معالم التنزيل" ٣٥/ ٢٩٢.
(٦) قوله: (حرم)، ساقط من نسخة (ص).
(٧) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٧٣.
(٨) "جامع البيان" ١٦/ ٢٠٦، "الكشف والبيان" ٣/ ٢٤ أ، "المحرر الوجيز" ١٠/ ٨٤، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٤٠.
(٩) قال الرازي -رحمه الله- في "تفسيره" ٢٢/ ١١٣: وهذا الإعتراض ضعيف؛ لأن الرجل إذا بقي طريدًا فريدًا فإذا قيل له كيف حالك؟ فله أن يقول: لا مساس. أي: =

صفحة رقم 510

على أن ابن الأنباري ذكر في هذا وجهين أحدهما: (أن السامري ألهم هذا القول، وأجبر عليه إذلالا له وتصغيرًا لشأنه. والثاني: (أن الفعل نسب إلى السامري وهو في المعنى لغيره. وتلخيصه: فاذهب فإن لك في الحياة أن يقال لك: لا مساس فنسب إليه قول غيره تحقيقًا للزوم الفعل وبقائه) (١)، هذا كلامه.
والصحيح ما ذكر في التفسير من وجه آخر: أنه جعل يهيم في البرية مع الوحوش والسباع لا يمس أحدًا ولا يمسه أحد، عاقبه الله بذلك) (٢). وكان إذا لقى أحدًا يقول: لا مساس أي: لا تقربني ولا تمسني، وصار ذلك عقوبة له ولولده حتى أن بقاياهم اليوم يقولون ذلك (٣). وذكر: (أنه إن مس واحدًا من غيرهم أحدًا منهم حمَّ كلاهما في الوقت) (٤).

= لا يماسني أحد ولا أماس أحدًا، المعنى: إني أجعلك يا سامري في المطرودين بحيث لو أردت أن تخبر غيرك عن حالك لم تقل إلا أنه لا مساس، وهذا الوجه أحسن وأقرب إلى نظم الكلام.
(١) ورد نحوه بلا نسبة في "زاد المسير" ٥/ ٣١٩، "البحر المحيط" ٦/ ٢٧٥، "روح المعاني" ١٦/ ٢٥٦.
(٢) "النكت والعيون" ٣/ ٤٢٣، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٩٢، "زاد المسير" ٥/ ٣١٩، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٤١.
(٣) "جامع البيان" ١٦/ ٢٠٦، "الكشف والبيان" ٣/ ٢٤، "تفسير كتاب الله العزيز" ٣/ ٤٩. "زاد المسير" ٥/ ٣١٩.
قول المؤلف -رحمه الله-: (إن بقاياهم اليوم يقولون ذلك) قول يحتاج إلى دليل فليس في ظاهر الآية دليل على هذا القول. وقد قال سبحانه في سورة النجم: ﴿أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾.
(٤) "الكشف والبيان" ٣/ ٢٤ أ، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٩٢، "الكشاف" ٢/ ٥٥١ "زاد المسير" ٥/ ٣١٩، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٤١.

صفحة رقم 511

وهذا معنى ما ذكره قتادة في قوله: ﴿لَا مِسَاسَ﴾ قال: (عقوبة لهم) (١). ومعنى: أن ذلك في الحياة أي: أنك ما دمت حيًّا تعاقب بهذه العقوبة فإذا صرت إلى الآخرة جوزيت بما تستحق، وهو قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا﴾ قال ابن عباس: (يريد موعد القيامة) (٢). والموعد هاهنا هصدر يعني أن لك وعدًا لعذابك ﴿لَنْ تُخْلَفَهُ﴾ وقرئ: بفتح اللام (٣)، فمن كسر اللام كان المعنى: لن تخلف ذلك الوعد أي: ستأتيه ولا مذهب لك عنه، ومن فتح اللام كان المعنى: لن تخلف ذلك الوعد أي: سيأتيك به الله ولن يتأخر عنك.
قال أبو إسحاق: (أي يكافئك الله على ما فعلت في القيامة والله لا يخلف الميعاد. ومن قرأ: ﴿لَنْ تُخْلَفَهُ﴾ فالمعنى: أنك تبعث وتوافي القيامة لا تقدر على غير ذلك) (٤).
وقوله تعالى: ﴿وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا﴾ قال ابن عباس: (يريد الذي طفقت تعبده وظللت عليه مقيمًا) (٥). وظلْتَ أصله. ظلَلت.

(١) "تفسير القرآن" للصنعاني ٢/ ١٨، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٤٢، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٨٣، "الدر المنثور" ٤/ ٥٤٨.
(٢) ذكره القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٤٢ بدون نسبة.
(٣) قرأ نافع، وعاصم، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: (لن تخلَفه) بفتح اللام. وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو: (لن تخلِفه) بكسر اللام. انظر: "السبعة" ص ٤٢٤، "الحجة" ٥/ ٢٤٩، "حجة القراءات" ص ٤٦٣، "التبصرة" ص ٢٦١.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٧٥.
(٥) "جامع البيان" ١٦/ ٢٠٧، "زاد المسير" ٥/ ٣١٩، "فتح القدير" ٣/ ٥٤٩.

صفحة رقم 512

قال الزجاج: (ولكن اللام حذفت لثقل التضعيف والكسر) (١). والعرب تفعل ذلك كثيرًا، قال ابن مغراء (٢) (٣):

مَسْنَا السَّمَاءَ فَنِلْنَاهَا وطَالَهُمُ حَتَى رأَوا أُحُدًا يَمْشِي وَثَهْلانَا
فحذفوا أحد السينين من مسسنا استثقالا للجمع بينهما ومثله كثير.
وقوله تعالى: ﴿لَنُحَرِّقَنَّهُ﴾ قال ابن عباس في رواية الوالبي: (يقول بالنار) (٤). وروي عنه: (فحرقه بالنار ثم ذراه في البحر) (٥) (٦).
وقال الكلبي: (أحرق العجل بالنار، ثم دق، ثم ذري في البحر) (٧). وهو النسف.
وقال السدي: (أخذ موسى العجل فذبحه، فسأل منه دمًا كما يسيل
(١) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٧٥.
(٢) أوس بن مغراء من بني ربيعة بن قريع بن عوف بن كعب بن سعد، شاعر اشتهر في الجاهلية، وعاش زمنًا في الإسلام، له شعر في الهجاء والمدح.
انظر: "الشعر والشعراء" ص ٤٥٧، "سمط اللآلي" ص ٧٩٥، "الأغاني" ٥/ ١٢، "الأعلام" ٢/ ٣١.
(٣) البيت لأوس بن مغراء السعدي.
انظر: "تهذيب اللغة" (مس) ٤/ ٣٣٩، "لسان العرب" (مسس) ١٧/ ٤٢٠١.
(٤) "جامع البيان" ١٦/ ٢٠٨، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٨٢، "الدر المنثور" ٤/ ٥٤٩، "روح المعاني" ١٦/ ٢٥٧.
(٥) في (ص): (في اليم).
(٦) "جامع البيان" ١٦/ ٢٠٨، "الكشف والبيان" ٣/ ٢٤ أ، "الدر المنثور" ٤/ ٥٤٩، "روح المعاني" ١٦/ ٢٥٨.
(٧) ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة. انظر. "جامع البيان" ١٦/ ١٥٣، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٩٣، "زاد المسير" ٥/ ٣١٩، "القرطبي" ١١/ ٢٤٢، "التفسير الكبير" ٢٢/ ١١٣.

صفحة رقم 513

من العجل إذا ذبح، ثم حرقه بالمبرد، ثم ذراه في اليم) (١). وهذا على معنى حرق عظامه بالمبرد، كما قال الكلبي: (ثم دق). وهذا على قراءة من قرأ: لَنُحْرِقَنَّه وليست قراءته في مشهور القراءة (٢). والصحيح: أن ذلك العجل صار لحمًا ودمًا، وإذا كان كذلك فالحرق بالمبرد فيه بعيد. وفي حرف عبد الله: لنذبحنه ثم لنحرقنه (٣).
وروى عطاء عن ابن عباس: (فبرد بالمبارد ثم ألقي في البحر) (٤).
وهذا يحمل على برد عظامه، إلا على قول مجاهد فإنه لم يجعله لحمًا ودمًا، وحينئذ برد العجل بالمبرد وهو من الذهب. والدليل على أن المبرد كان للعظام قول ابن مسلم في قوله: ﴿لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا﴾ (أي: لنطيرن تلك البرادة والرماد في البحر) (٥). والرماد يكون لما أحرق بالنار. ومعنى النسف: نقض الشيء لتذهب به الريح، وهو: التذرية (٦).

(١) "الكشف والبيان" ٣/ ٢٤ أ، "القرطبي" ١١/ ٢٤٢، وذكر نحوه "جامع البيان" ١٦/ ٢٠٨، "تفسير كتاب الله العزيز" ٣/ ٥٠.
(٢) قرأ علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: ﴿لَنُحَرِّقَنَّهُ﴾ بفتح النون وضم الراء. وقرأ الحسن: ﴿لَنُحَرِّقَنَّهُ﴾ بضم النون وسكون الحاء وكسر الراء.
انظر: "جامع البيان" ١٦/ ٢٥٨، "المحتسب" ٢/ ٥٨، "إعراب القرآن" للنحاس ٣/ ٥٧، "غريب القرآن" لابن قتيبة ٢٨١، "غريب القرآن" لابن الملقن ٢٤٩.
(٣) "جامع البيان" ١٦/ ٢٠٨، "الكشف والبيان" ٣/ ٢٤/ أ، "بحر العلوم" ٢/ ٣٥٣، "المحرر الوجيز" ١٠/ ٨٧، "الكشف" ٢/ ٥٥٢.
(٤) ذكر نحوه السيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ٥٤٩ وعزاه لابن أبي حاتم.
(٥) ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة. انظر: "جامع البيان" ١٦/ ٢٠٨، "بحر العلوم" ٢/ ٣٥٣، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٩٣، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٤٣. "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٤٣.
(٦) انظر: "تهذيب اللغة" (نسف) ٤/ ٣٥٦١، "القاموس المحيط" (نسف) ٣/ ١٩٩.

صفحة رقم 514
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية