
قوله: ﴿لاَ مِسَاسَ﴾ : قرأ العامَّةُ بكسرِ الميمِ وفتحِ السين. وهو مصدرٌ ل فاعَل كالقِتال مِنْ قاتَل، فهو يقتضي المشاركةَ. وفي التفسير: لا تَمَسُّني ولا أَمَسُّك، وإنَّ مَنْ مَسَّه أصابَتْه الحمى.
وقرأ الحسن وأبو حيوة وابن أبي عبلة وقعنب بفتح الميم وكسر السين. قلت: هكذا عَبَّر الشيخُ وتَبعَ فيه أبا البقاء. ومتى أَخَذْنا بظاهِر

هذه العبارة لَزِم أن يُقرأ «مَسِيس» بقلب الألفِ ياءً لانكسارِ ما قبلها ولكن لم يُرْوَ ذلك، فينبغي أَنْ يكونوا أرادوا بالكسرِ الإِمالةَ. ويَدُلُّ على ما قُلْتُه ما قاله الزمخشريُّ: «وقُرِىء لا مَساسِ بوزن فَجار. ونحوُه قولهم في الظباء:» إن وَرَدَتِ الماءَ فلا عَباب وإن فَقَدَتْه فلا أَباب «وهي أعلامٌ للمَسَّة والعَبَّة والأَبَّة وهي المرَّة من الأَبِّ وهو الطلَبُ». فهذا تصريحٌ منه ببقاء الألفِ على حالِها.
ويدلُّ أيضاً قولُ صاحبِ «اللوامح» :«هو على صورة نَزَالِ ونَظارِ من أسماء الأفعال بمعنى انْزِلْ وانْظُرْ» فهذا أيضاً تصريحٌ بإقرار الألِف على حالها. ثم قال صاحب «اللوامح» :«فهذه الأسماء التي بهذه الصيغةِ معارفُ، ولا تدخُلُ عليها» لا «النافيةُ التي تَنْصِبُ النكراتِ، نحو» لا مالَ لك «لكنه فيه نَفْيُ الفعلِ فتقديرُه: لا يكون منك مساسٌ، ومعناه النهيُ أي: لا تَمَسَّني».
وقال ابنُ عطية: «لا مَساسِ هو معدولٌ عن المصدرِ كفَجارِ ونحوِه. وشبَّهه أبو عبيدة وغيرُه بَنزالِ ودَراكِ ونحوه، والشَّبَهُ صحيحٌ من حيث هُنَّ معدولاتٌ. وفارقه في أنَّ هذه عُدِلَتْ عن الأمر، ومَساس وفَجار عُدلت عن المصدر. ومِن هذا قولُ الشاعر:

٣٣١٥ - تميمٌ كرَهْطِ السَّامِرِيِّ وقَوْلِه | ألا لا يريدُ السَّامِرِيُّ مَساسِ |
قوله: ﴿لَّن تُخْلَفَهُ﴾ قرأ ابنُ كثيرٍ وأبو عمرٍو بكسرِ اللامِ على البناء للفاعل. والباقون بفتحِها على البناءِ للمفعولِ. وقرأ أبو نهيك فيما حكاه عنه ابن خالويه بفتح التاء من فوقُ، وضمِّ اللام، وحكى عنه صاحب» اللوامح «كذلك، إلاَّ أن بالياء مِنْ تحتُ. وابنُ مسعودٍ والحسن بضمِّ نونِ العظمة وكسرِ اللام.
فأمَّا القراءةُ الأولى فمعناها: لن تجدَه مُخلَّفاً كقولك: أَحْمَدْتُه وأَجْبَنْتُه/ أي: وَجَدْتُه مَحْمُوداً وجَباناً. وقيل: المعنى: سيصلُ إليك، ولن تستطيعَ الرَّوَغانَ ولا الحَيْدَة عنه. قال الزمخشري:» وهذا مِنْ أَخْلَفْتُ الوعدَ إذا وجدتَه مُخْلَفاً. قال الأعشى: صفحة رقم 97

٣٣١٦ - أثوى وقَصَّر لَيْلَةً لِيُزَوَّدا | فمضى وأَخْلَفَ مِنْ قُتَيْلَةَ مَوْعِدا |
قوله: ﴿ظَلْتَ﴾ العامَّةُ على فتح الظاء، وبعدها لامٌ ساكنة. وابنُ مسعودٍ وقتادةُ والأعمشُ بخلافٍ عنه وأبو حيوة وابن أبي عبلة ويحيى بن يعمر [على] كسرِ الظاء. ورُوي عن ابن يعمر ضمُّها أيضاً. وأُبَيٌّ والأعمش في الرواية الأخرى «ظَلِلْتَ» بلامَيْنِ أولاهما مكسورةٌ «.
فأمَّا قراءةُ العامَّة ففيها: حَذْفُ أحدِ المِثْلين، وإبقاءُ الظاءِ على حالِها مِنْ حركتها، وإنما حُذف تخفيفاً. وعدَّه سيبويه في الشاذ. يعني شذوذَ قياسٍ لا شذوذَ استعمالٍ، وعَدَّ معه ألفاظاً أُخَرَ نحو: مَسْتُ وأَحَسْتُ كقولِه:
٣٣١٧ -......................... | أَحَسْنَ به فهنَّ إليه شُوْسُ |