آيات من القرآن الكريم

قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ ۖ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ ۖ وَانْظُرْ إِلَىٰ إِلَٰهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا ۖ لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا
ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅ ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍ ﮏﮐﮑﮒﮓ ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧ ﮩﮪﮫﮬ ﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾ ﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ ﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ

الذي ذهب إليه «فَنَسِيَ» ٨٨ غفل موسى عنه هنا، وذهب إلى الطور بطلبه، قال تعالى مبكتا قلة عقولهم «أَفَلا يَرَوْنَ» يا موسى هؤلاء الجهلة العتاة «أَلَّا يَرْجِعُ» أن العجل الذي صاغه لهم السامري لا يرجع «إِلَيْهِمْ قَوْلًا» إذا كلموه، ولا يجيبهم إذا دعوه «وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا» بدفعه عنهم «وَلا نَفْعاً» ٨٩ بجلبه إليهم فكيف يعتقدون إلهيته «وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ» عبادتهم له عند ما أرادوا العكوف عليه حال وجودك في المناجاة «يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ» بإضلال السامري لكم بأنه إله فأعرضوا عنه فإنه ليس بشيء بعد «وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ» الذي هو أهل لأن يعبد وخص الرحمن من أسمائه تعالى ليستميلهم عنه ويعلمهم انهم إذا رجعوا يغفر لهم ما فرط منهم (فَاتَّبِعُونِي» على دين الحق دين موسى، واتركوه فإنه ليس بإله ولا يليق أن يكون إلها «وَأَطِيعُوا أَمْرِي» ٩٠ فيما نهيتكم عنه، تأمل أيها القارئ هل ترى أحسن من هذا الوعظ؟ بدا بزجرهم، ثم دعاهم إلى معرفة الله، ثم إلى معرفة النبوة، ثم إلى اتباع الشرع. وانظر كيف قابلوه
«قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى» ٩١ فاعتزلهم هرون، والذين لم يشتركوا معهم في العبادة وقد سبب هذا الحادث تخلف الوفد الذي انتقاه موسى بحضور إنزال التوراة، بعد أن أخبر الله موسى بهذا الحادث رجع إلى قومه حاملا التوراة، فسمع صراخهم، فقال هذا صوت الفتنة التي أخبرني بها ربي، ورأى أخاه هرون واقفا مع جماعته بعيدا عنهم، فألقى التوراة وبادر فأخذ شعر رأسه بيمينه وشعر لحيته بشماله «قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ» من المجيء إليّ واخباري بما فعلوا «إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا» ٩٢ عن الهدى وعبدوا العجل ولم يصغوا لنهيك «أَلَّا تَتَّبِعَنِ» حالا فتعلمني بفعلهم «أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي» ٩٣ بوجوب القيام بما يعلمهم؟ وهذا أمر عظيم كان يجب عليك أن تتداركه قبل كل شي ءالَ يَا بْنَ أُمَّ»
يستعطفه ويسترحمه ليكف عنه، ولم يقل يا بن أبي لما قاست أمه من الهم والغم والخوف بسببه، فيحمله على العطف عليه فقال تلطف بي تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي»
لأني لم آل جهدا بنصحهم وصدهم، فقد أمرتهم

صفحة رقم 215

وزجرتهم فلم يقبلوا منيِ نِّي خَشِيتُ»
إن تركتهم على ما هم عليه وأتيتكَ نْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ»
لأنهم صاروا حزبين حزبا معي وحزبا مع السامري وبقيت معهم خوفا من أن تقول لي تركتهمَ لَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي»
٩٤ تراعيه وتعمل بوصيّتي فيهم، لأني رأيت من المصلحة بقائي بينهم حتى لا يتقاتلوا من من أجل عبادته، وأن لا يلحق من لم يعبده إلى من عبده. فلما رأى موافقة قوله للواقع وانه لم يقصر في مهمته، تركه، وأقبل على السامري «قالَ فَما خَطْبُكَ» الخطب هو الأمر العظيم الذي يكثر التخاطب فيه وهو مقلوب الخبط ففيه اشارة لعظم خبط السامري في الأمر، أي ما حملك على ما فعلت «يا سامِرِيُّ» ٩٥ أصدقني «قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ» علمت شيئا لم يعلمه بنو إسرائيل «فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ» فرس «الرَّسُولِ» جبريل لأني رأيت المحل الذي يدوسه يخضر حالا، فعلت أن لذلك شأنا، وهذا هو الذي أشار اليه عن بني إسرائيل في قوله ما لم يبصروا به أي لم يفقهوه ولم يلقوا له بالا «فَنَبَذْتُها» أي تلك القبضة في جوف العجل الذي صنعته من حليّ القبط التي كانت مع بني إسرائيل جمعتها وألقيتها في حفرة لحضورك، كي ترى رأيك فيها ثم عنّ لي أن أصوغها عجلا، ففعلت ثم طرحت فيها ذلك التراب فدبت فيها الحياة وصرخ فقلت لهم هذا هو إله موسى الذي ذهب اليه فعكفوا عليه وصاروا يسجدون له كلما صاح، وكان ما كان على النحو الذي تقدّم في القصة في تفسير الآية ٤٨ من الأعراف «وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي» ٩٦ وزينته ولم يسبقني على ذلك أحد بل من اختراعي هذا ما أخبر به عدو الله السامري من صياغة العجل فمن أين جاز اليهود تحريفه ونسبته الى هرون، وحاشاه، كما جاء في الإصحاح ٢٢ من التوراة في فصل الخروج، لأن الله أخبرنا بأن هرون براء من ذلك، وان السامري معترف به، والله أصدق القائلين. وهذا من جملة التحريف الذي أوقعه اليهود وأخبرنا الله عنه في القرآن «قالَ» موسى بعد أن سمع قوله «فَاذْهَبْ» من بيننا «فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ» ما عشت «أَنْ تَقُولَ» لمن يريد أن يقربك

صفحة رقم 216

ولم يعرفك «لا مِساسَ» لا تمسني، وذلك أن موسى عليه السلام حرم على الناس ملاقاته، ومكالمته، ومبايعته، ومخالطته ومقاربته، فصار يهيم بالبرية مثل الهوام ورماه الله بداء عضال عقام، فكان إذا لمسه أحد أو لمس أحدا صمّا جميعا، ولذلك نهى عن مقاربته ولمسه وهذه عقوبته في الدنيا وهي عقوبة وحشة جدا لا أعظم منها، لأن الناس تحاموا عنه بالكلية وتقذروه قال «وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ» في الآخرة فستوافيه حتما وتذوق العذاب الأكبر على فعلتك هذه «وَانْظُرْ» أيها الخبيث المضل «إِلى إِلهِكَ» الذي صنعته «الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً» أنت ومن تبعك وداومتم على عبادته، وأصل ظلت بلامين حذفت الثانية تخفيفا وقرأت بكسر الظاء بنقل حركة ما بعدها إليها أي أقسمت على عبادته «لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ» نذريه أمامك وأمامهم «فِي الْيَمِّ نَسْفاً» ٩٧ لتعلموا أنه ليس بشيء ويظهر لكم ضلالكم فيه ثم شرع يوضح لهم الدين الحق فقال «إِنَّما إِلهُكُمُ اللَّهُ» وحده الذي يجيب دعاءكم، ويدفع ضركم، ويجلب لكم الخير «الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ» خالق الكون وما فيه، ومالك أمر الخلق
، المحي المميت المستحق العبادة والتعظيم، لا معبود سواه، ولا رب الا إياه، الذي أنجاكم من الغرق وأغرق أعدائكم بآن واحد، الذي «وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً» ٩٨ أي وسع علمه كل شيء، لأن علما تمييز محول عن الفاعل والى هنا ما يتعلق بالميقات الاول.
مطلب من اين عرف جبريل السامري:
وهنا فائدة وهي أن لك أن تقول من أين عرف السامري جبريل حتى وقع منه ما وقع؟ فأذكر لك ما قاله السيد إسماعيل حقي في تفسيره الكبير روح البيان وهو أن أم السامري حملته سنة قتل الأولاد من قبل فرعون كسيدنا موسى عليه السلام، ولما وضعته خافت عليه الذبح فوضعته في غار وأطبقت عليه، وتركته فيه، فأمر الله جبريل عليه السلام أن يغذيه بأصابعه لبنا وعسلا وسمنا حتى نشأ

صفحة رقم 217
بيان المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني
الناشر
مطبعة الترقي - دمشق
الطبعة
الأولى، 1382 ه - 1965 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية