
الجسيم، قال: نِّي خَشِيتُ
أَنْ أَتْبَعَكَ فَأُخْبِرَكَ بِهَذَا، فَتَقُولَ لِي لم تركتهم وحدهم وفرقت بينهم لَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي
أَيْ وَمَا رَاعَيْتَ مَا أَمَرْتُكَ بِهِ حَيْثُ اسْتَخْلَفْتُكَ فِيهِمْ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
وكان هارون هائبا مطيعا له «١».
[سورة طه (٢٠) : الآيات ٩٥ الى ٩٨]
قالَ فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ (٩٥) قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (٩٦) قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِساسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً (٩٧) إِنَّما إِلهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً (٩٨)
يَقُولُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لِلسَّامِرِيِّ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ وَمَا الَّذِي عَرَضَ لَكَ حَتَّى فَعَلْتَ مَا فَعَلْتَ؟ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ السَّامِرِيُّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ بَاجَرْمَا، وَكَانَ مَنْ قَوْمٍ يَعْبُدُونَ الْبَقَرَ، وَكَانَ حُبُّ عِبَادَةِ الْبَقَرِ فِي نَفْسِهِ، وَكَانَ قَدْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ مَعَ بني إسرائيل، وكان اسمه مُوسَى بْنُ ظُفَرٍ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ مِنْ كَرْمَانَ، وَقَالَ قَتَادَةُ: كان من قرية سَامَرَّا.
قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ أَيْ رَأَيْتُ جِبْرِيلَ حِينَ جَاءَ لِهَلَاكِ فِرْعَوْنَ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ أَيْ مِنْ أَثَرِ فَرَسِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ أَوْ أَكْثَرِهِمْ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمَّارِ بْنِ الْحَارِثِ، أخبرني عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ السُّدِّيِّ عَنِ أُبَيِّ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السلام لما نزل فصعد بموسى عليه السلام إِلَى السَّمَاءِ، بُصُرَ بِهِ السَّامِرِيُّ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ، فَقَبَضَ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الْفَرَسِ، قَالَ: وحمل جبريل موسى عليهما السلام خَلْفَهُ حَتَّى إِذَا دَنَا مِنْ بَابِ السَّمَاءِ صَعِدَ وَكَتَبَ اللَّهُ الْأَلْوَاحَ، وَهُوَ يَسْمَعُ صَرِيرَ الْأَقْلَامِ فِي الْأَلْوَاحِ، فَلَمَّا أَخْبَرَهُ أَنَّ قَوْمَهُ قَدْ فُتِنُوا مِنْ بَعْدِهِ قَالَ: نَزَلَ مُوسَى فَأَخَذَ الْعِجْلَ فَأَحْرَقَهُ، غَرِيبٌ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ قَالَ: مِنْ تَحْتِ حَافِرِ فَرَسِ جِبْرِيلَ، قَالَ:
وَالْقَبْضَةُ مِلْءُ الْكَفِّ، وَالْقَبْضَةُ بِأَطْرَافِ الْأَصَابِعِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: نَبَذَ السَّامِرِيُّ، أَيْ أَلْقَى مَا كَانَ فِي يَدِهِ عَلَى حِلْيَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَانْسَبَكَ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ حَفِيفُ الرِّيحِ فِيهِ فَهُوَ خُوَارُهُ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، أخبرنا علي بن الْمَدِينِيِّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا عُمَارَةُ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ أَنَّ السَّامِرِيَّ رَأَى الرَّسُولَ، فَأُلْقِيَ فِي رَوْعِهِ أَنَّكَ إِنْ أَخَذْتَ مِنْ أَثَرِ هَذَا الْفَرَسِ قَبْضَةً فَأَلْقَيْتَهَا فِي شَيْءٍ فَقُلْتُ لَهُ كُنْ فَكَانَ، فَقَبَضَ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرسول فيبست

أَصَابِعُهُ عَلَى الْقَبْضَةِ، فَلَمَّا ذَهَبَ مُوسَى لِلْمِيقَاتِ.
وكان بنو إسرائيل قد اسْتَعَارُوا حُلِيَّ آلِ فِرْعَوْنَ، فَقَالَ لَهُمُ السَّامِرِيُّ: إِنَّمَا أَصَابَكُمْ مِنْ أَجْلِ هَذَا الْحُلِيِّ، فَاجْمَعُوهُ فَجَمَعُوهُ، فَأَوْقَدُوا عَلَيْهِ فَذَابَ، فَرَآهُ السَّامِرِيُّ فَأُلْقِيَ فِي رُوعِهِ أَنَّكَ لَوْ قَذَفْتَ هَذِهِ الْقَبْضَةَ في هذه فقلت كن فيكون، فقذف القبضة وقال كن فكان عجلا جسدا لَهُ خُوَارٌ، فَقَالَ: هَذَا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى وَلِهَذَا قَالَ فَنَبَذْتُها أَيْ أَلْقَيْتُهَا مَعَ مَنْ أَلْقَى وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي أَيْ حَسَّنَتْهُ وأعجبها، إذا ذَاكَ قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِساسَ أَيْ كَمَا أَخَذْتَ ومسست ما لم يكن لك أَخْذُهُ وَمَسُّهُ مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَعُقُوبَتُكَ فِي الدُّنْيَا أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ، أَيْ لَا تَمَاسُّ النَّاسَ وَلَا يَمَسُّونَكَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَنْ تُخْلَفَهُ أَيْ لَا مَحِيدَ لَكَ عَنْهُ. وَقَالَ قَتَادَةُ أَنْ تَقُولَ لَا مِساسَ قَالَ: عُقُوبَةٌ لَهُمْ وَبَقَايَاهُمُ الْيَوْمَ يَقُولُونَ لَا مِسَاسَ «١».
وَقَوْلُهُ: وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَأَبُو نَهِيكٍ: لَنْ تَغِيبَ عَنْهُ. وَقَوْلُهُ:
وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ أَيْ مَعْبُودِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً أَيْ أَقَمْتَ عَلَى عِبَادَتِهِ يَعْنِي الْعِجْلَ لَنُحَرِّقَنَّهُ قَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالسُّدِّيِّ: سَحَلَهُ بِالْمَبَارِدِ وَأَلْقَاهُ عَلَى النَّارِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: اسْتَحَالَ الْعِجْلُ مِنَ الذَّهَبِ لَحْمًا وَدَمًا، فَحَرَقَهُ بِالنَّارِ، ثُمَّ القى رَمَادَهُ فِي الْبَحْرِ، وَلِهَذَا قَالَ: ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، أَنْبَأَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عَبْدٍ وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
إِنَّ مُوسَى لَمَّا تَعَجَّلَ إِلَى رَبِّهِ عَمَدَ السَّامِرِيُّ فَجَمَعَ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ حُلِيِّ نِسَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، ثُمَّ صَوَّرَهُ عِجْلًا، قَالَ: فَعَمَدَ مُوسَى إِلَى الْعِجْلِ فَوَضَعَ عَلَيْهِ الْمَبَارِدَ، فَبَرَدَهُ بِهَا وَهُوَ عَلَى شَطِّ نَهْرٍ، فَلَمْ يَشْرَبْ أَحَدٌ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ مِمَّنْ كَانَ يَعْبُدُ الْعِجْلَ إِلَّا اصْفَرَّ وَجْهُهُ مِثْلَ الذَّهَبِ، فَقَالُوا لِمُوسَى: مَا تَوْبَتُنَا؟ قَالَ: يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَهَكَذَا قَالَ السُّدِّيُّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، ثُمَّ فِي حَدِيثِ الْفُتُونِ بَسْطُ ذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ تعالى: إِنَّما إِلهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً يَقُولُ لَهُمْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: لَيْسَ هَذَا إِلَهَكُمْ، إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَلَا تَنْبَغِي الْعِبَادَةُ إِلَّا لَهُ، فَإِنَّ كُلَّ شيء فقير إليه عبد له. وَقَوْلُهُ: وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً نُصِبَ عَلَى التَّمْيِيزِ، أَيْ هُوَ عَالِمٌ بِكُلِّ شَيْءٍ، أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً [الطَّلَاقِ: ١٢]، وأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً [الْجِنِّ:
٢٨]، فَلَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ [سَبَأٍ: ٣]، وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ [الْأَنْعَامِ: ٥٩]، وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ [هود: ٦]، والآيات