آيات من القرآن الكريم

الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ
ﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ

ليس في الحق يا أُمَيمةَ (١) رَيْبٌ إنَّما الرَّيْبُ ما يَقُول الكَذُوبُ (٢)
فنفى الريب عن الحق، وإن كان المتقاصر في العلم يرتاب (٣). ويجوز: أن يكون خبرا في معنى النهي (٤)، ومعناه: لا ترتابوا (٥)، كقوله: ﴿فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ (٦) وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ (٧) [البقرة: ١٩٧].
٣ - قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ﴾.
قال الزجاج (٨): موضع ﴿الَّذِين﴾ جر، تبعا ﴿لِلْمُتَّقِينَ﴾، ويجوز أن يكون موضعه (٩) رفعا على المدح، كأنه لما قيل: ﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾، قيل: من هم؟ فقيك: هم ﴿الَّذِينَ﴾، ويجوز أن يكون موضعه نصبا على المدح، كأنه قيل: أذكر (١٠) الذين (١١).
(١) في (ب): (أمية).
(٢) البيت لعبد الله بن الزبعرى ورد في الماوردي ١/ ٦٧، رسالة دكتوراة "زاد المسير" ١/ ٢٤، والقرطبي١/ ١٣٨، "البحر المحيط" ١/ ٣٣، "الدر المصون" ١/ ٨٦.
(٣) أي فالاعتبار لمن كان معه من الأدلة ما لو تأمله المنصف المحق لم يرتب فيه، ولا
اعتبار لمن وجد منه الريب، لأنه لم ينظر حق النظر. "الفتوحات الإلهية" ١/ ١١.
(٤) في (ب): (الأمر).
(٥) في (ب): (لا يرتابوا).
(٦) في (ب) لفظ (ولا فسوق) مكرر.
(٧) ذكر هذا الكلام ابن الجوزي في "زاد المسير"، ونسبه للخليل، وابن الأنباري ١٠/ ٢٣، وقد أجاب الواحدي عن السؤال بجوابين، وهناك جواب ثالث: وهو أنه مخصوص والمعنى (لا ريب فيه عند المؤمنين)، والجواب الأول أحسنها. ذكر ذلك الجمل في "الفتوحات الإلهية" ١/ ١١.
(٨) "معاني القرآن" ١/ ٣٣.
(٩) في "معاني القرآن" (موضعهم) قال المحقق: وهو ناظر فيه إلى معنى الكلمة ١/ ٣٣.
(١٠) في (ب): (اذكروا) مكررة.
(١١) انتهى من "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٣، ٣٤، وانظر: "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١٣١، "الإملاء" للعكبري ١/ ١١.

صفحة رقم 58

وقوله تعالى: ﴿يُؤمِنوُنَ﴾ قال الأزهري: اتفق العلماء أن (الإيمان) معناه: التصديق، كقوله (١): ﴿وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا﴾ [يوسف: ١٧]. أي: بمصدق.
ومعنى التصديق: هو اعتقاد السامع صدق (٢) المخبر فيما يخبر، وأصله في اللغة: الطمأنينة إلى الشيء، من قولهم: أمن يأمن أمنا، إذا اطمأن وزال (٣) الخوف عنه.
وآمنت فلانا، إذا جعلته يطمئن وتسكن نفسه. وآمن بالله ورسوله إذا صدقهما واثقا (٤) بذلك مطمئنا إليه.

(١) في "تهذيب اللغة": (اتفق العلياء من اللغويين وغيرهم أن الإيمان معناه: التصديق، وقال تعالى: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا﴾ "تهذيب اللغة" (أمن) ١/ ٢١٠. وقد اعترض بعض العلماء على دعوى الإجماع على أن الإيمان معناه في اللغة التصديق. قال ابن أبي العز في "شرح العقيدة الطحاوية": (وقد اعترض على استدلالهم بأن الإيمان في اللغة عبارة عن التصديق، بمنع الترادف بين التصديق والإيمان، وهب أنه يصح في موضع فلم قلتم إنه يوجب الترادف مطلقا؟) "شرح الطحاوية" ص ٣٢١. وقال ابن تيمية في معرض رده على من ادعى إجماع أهل اللغة على أن الإيمان معناه التصديق، قال: (... قوله إجماع أهل اللغة قاطبة على أن الإيمان قبل نزول القرآن هو التصديق، فيقال له: من نقل هذا الإجماع ومن أين يعلم هذا الإجماع؟ وفي أي كتاب ذكر هذا الإجماع؟...) ثم ذكر وجوها كثيرة في رد هذِه الدعوى. انظر كتاب الإيمان ضمن "مجموع الفتاوى" ٧/ ١٢٣ - ١٣٠. وعلى فرض أن معنى الإيمان في اللغة (التصديق) فإن الشارع استعمله في معنى اصطلاحي خاص، كما استعمل الصلاة والزكاة في معان شرعية خاصة زائدة على المعنى اللغوي. انظر. "مجموع الفتاوى" ٧/ ٢٩٨.
(٢) في (ب): (مع صدق).
(٣) في (ب): (وزوال).
(٤) في (ب): (واقي).

صفحة رقم 59

قال الأزهري: وإنما قلت: إن المؤمن معناه: المصدق، لأن الإيمان مآخوذ من الأمانة، والله يتولى علم السرائر ونية العقد (١)، وجعل تصديقه أمانة ائتمن كل من أسلم على (٢) تلك الأمانة، فمن (٣) صدق بقلبه فقد أدى الأمانة، ومن كان قلبه على خلاف ما يظهره بلسانه فقد خان، والله حسيبه.
وإنما قيل للمصدق: مؤمن، وقد آمن؛ لأنه دخل في أداء الأمانة التي ائتمنه الله عليها (٤).
وأنشد ابن الأنباري على أن (آمن) معناه: صدّق (٥) قول الشاعر:

وَمِنْ قَبْلُ آمنَّا وَقَدْ كَانَ قَوْمُنَا يُصلُون للأوْثَانِ قَبْلُ مُحَمَّدَا (٦)
معناه: من قبل آمنا محمدا، [أي صدقنا محمدا] (٧) فمحمدا منصوب بمعنى التصديق (٨).
قال أبو علي الفارسي (٩): ويجوز من حيث قياس اللغة، أن يكون (آمن) [صار ذا أمن] (١٠)، مثل: أجدب، وأعاه (١١)، أي: صار ذا عاهة في
(١) في (ب): (العبد).
(٢) في (ب): (عن).
(٣) في (ب): (فقد).
(٤) نقل كلام الأزهري بمعناه، انظر "التهذيب" (أمن) ١/ ٢١١.
(٥) "تهذيب اللغة" (أمن) ١/ ٢١١، وانظر "الزاهر" ١/ ٢٠٣.
(٦) البيت أنشده ابن الأنباري في "الزاهر" بدون عزو ١/ ٢٠٣، وكذلك الأزهري في "التهذيب"، (أمن) ١/ ٢١٢، "اللسان" (أمن) ١/ ١٤٢.
(٧) ما بين المعقوفين ساقط من (ب) و (ج).
(٨) انظر كلام ابن الأنباري في "الزاهر" ١/ ٢٠٢، ٢٠٣.
(٩) "الحجة" ١/ ٢٢٠.
(١٠) ما بين المعقوفين ساقط من (ب) وفي (ج) (ذا أمر).
(١١) في "الحجة": (أجرب، وأقطف، وأعاه) ١/ ٢٢٠.

صفحة رقم 60

ماله، فكذلك (آمن) صار ذا (أمن) في نفسه وماله بإظهار الشهادتين، كقولهم: أسلم، أي: صار ذا سلم، وخرج عن أن يكون حربا مستحل المال والدم (١).
والقول في معنى الإيمان: ما قاله الأزهري (٢).
على أن أبا القاسم الزجاجي شرح معنى الإيمان بما هو أظهر مما ذكره الأزهري، وهو أنه قال (٣): معنى التصديق في الإيمان لا يعرف من طريق اللغة إلا بالاعتبار والنظر، لأن حقيقته ليست للتصديق، ألا ترى أنك إذا صدقت إنسانا فيما يخبرك به، لا تقول: آمنت به، لكنك إذا نظرت في موضوع (٤) هذه الكلمة وصرّفته حق التصريف، ظهر لك من باطنها معنى يرجع إلى التصديق (٥).

(١) انتهى ما نقله عن "الحجة" لأبي علي ١/ ٢٢٠، وانظر بقية كلام أبي علي ص ٢٢٦ حيث أفاد أن الإيمان بمعنى التصديق ليس على إطلاقه في كل موضع.
(٢) أي بمعنى التصديق، فإن أراد المعنى اللغوي، فقد سبق ذكر اعتراض بعض العلماء عليه، وإن أراد المعنى اللغوي والشرعي فهذا مردود، فإن معنى الإيمان عند السلف: تصديق القلب ونطق (اللسان)، وعمل الجوارح. ولو قلنا: إن الإيمان في اللغة التصديق، فإن الشارع استعمله في معنى أوسع من ذلك، كما استعمل الصلاة والزكاة وغيرها من المصطلحات الشرعية التي نقلت من معناها اللغوي إلى معنى شرعي خاص، أو أن الشارع لم ينقلها ولم يغيرها، ولكن استعملها مقيدة لا مطلقة.
انظر: "شرح العقيدة الطحاوية" ص٣١٤ - ٣٣٢، "مجموع الفتاوى" ٧/ ١٧٠، ٢٨٧، ٢٩٨.
(٣) لم أجده فيما اطلعت عليه من كتب الزجاجي والله أعلم.
(٤) في (ب): (موضع).
(٥) إذا حقيقة الإيمان في أصلها ليست للتصديق فقط، وإن كان التصديق أحد معانيها، =

صفحة رقم 61

وذلك أن (آمن) أَفْعَل، من (أَمِنَ)، والواحد إذا قال: آمنت بالله. [فإن (آمنت) فعل متعد، ومعناه: آمنت نفسي، أي: جعلتها في أمان الله بتصديقي (١) إياه، لأن الأمن من عذاب الله لا يحصل إلا بتصديقه، فإذا صدقه فقد آمن نفسه (٢)، فصار التصديق إيمانا للعبد، وجاز أن يعبر عن الإيمان بالتصديق، لأن أحدهما سبب للآخر (٣).
و (الباء) في قولك: (آمنت بالله)] (٤) ليست (باء) التعدية، إنما هي (باء) الإلصاق التي يسميها (٥) النحويون (باء) الاستعانة (٦)، كما تقول: قطعت القلم بالسكين.

= كما ذكر: أنك إذا صدقت إنسانا فيما يخبرك به لا تقول: آمنت، وبهذا استدل من قال. إن الإيمان والتصديق ليسا مترادفين على الإطلاق.
قال شارح الطحاوية: (ومما يدل على عدم الترادف، أنه يقال للمُخْبَر إذا صدَّق: صدقه، ولا يقال: آمنه، ولا آمن به، بل يقال: آمن له، كما قال تعالى: ﴿فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ﴾ [العنكبوت: ٢٦]. ﴿فَمَآءَامَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِيَّهُ مِّن قَومِهِ عَلىَ خَوْفٍ﴾ [يونس: ٨٣]. وقال تعالى: ﴿يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: ٦١] ففرق بين المعدى بالباء والمعدى باللام، فالأول يقال للمُخْبَر به، والثاني للمُخْبِر..) "شرح الطحاوية" ص٣٢١، وانظر: "مجموع الفتاوى" ٧/ ٢٩٠.
(١) في (ب): (تصديقي).
(٢) في (ب). (آمن من نفسه).
(٣) في (ب): (الآخر).
(٤) ما بين المعقوفين مكرر في (ب).
(٥) في (ب): (يسموها).
(٦) سماها شارح الطحاوية باء التعدية، لكن هناك فرق بين المعدى بالباء والمعدى باللام، فالمعدى بالباء للمخبر به، وباللام للمخبر. انظر: "شرح الطحاوية" ص ٣٢١، "مجموع الفتاوى" ٧/ ٢٨٨.

صفحة رقم 62

كذلك وقع إيمان النفس من العذاب بتصديق الله، وحذف المفعول من قولهم: (آمنت بالله) لدلالة المعنى عليه، كقولهم: حمل فلان على العدو، أي: سلاحه أو نفسه، هذا هو الأصل في الإيمان، ثم جعل الإيمان بمعنى التصديق في قوله: ﴿وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا﴾ [يوسف: ١٧] أي: بمصدق (١)، ولم يقل: (بنا) لأنه أريد ها هنا التصديق الخالص، لا إيمان بالنفس من العذاب، كما أريد ذلك في قولهم: (آمنت بالله)
وأما الفرق بين الإيمان والإسلام فسنذكره عند قوله: ﴿قُل لم تُؤمِنُواْ وَلَكن قُولُوا أسلمَنَا﴾ (٢) [الحجرات: ١٤] إن شاء الله.
وسمي أحدهما (٣) باسم الآخر (٤) مجازا وتوسعا، كقوله تعالى:

(١) قال الفارسي: (وأما قوله: ﴿وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ﴾ فليس المعنى على: ما أنت بمصدق لنا ولو كنا صادقين عندك؛ لأن الأنبياء لا تكذب الصادقين، ولكن المعنى: ما أنت واثقا، ولا غير خائف الكذب في قولنا... فمؤمن هنا من آمن، أي صار ذا أمن أو صار ذا ثقة...). "الحجة" ١/ ٢٢٦، ٢٢٧، ونحو هذا قال ابن تيمية في الآية، إنها بمعنى:
أي بمقر لنا ومصدق لنا، لأنهم أخبروه عن غائب ). "الإيمان الأوسط" ص ٧١.
(٢) في (ب): ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾.
(٣) أي: الإيمان والإسلام.
(٤) ذكره أبو علىِ الفارسي، انظر: "الحجة" ١/ ٢٢٠. قال ابن كثير -رادا على من قال ذلك- عند تفسير قوله تعالى: ﴿فأَخرَجنا مَن كاَنَ فِيهَا مِنَ المُؤمنِينَ (٣٥) فما وَجدنَا﴾ الآية قال: (احتج بهذِه من ذهب إلى رأي المعتزلة ممن لا يفرق بين مسمى الإيمان والإسلام، لأنه أطلق عليهم المؤمنين والمسلمين، وهذا الاستدلال ضعيف، لأن هؤلاء كانوا قوما مؤمنين، وعندنا أن كل مؤمن مسلم، ولا ينعكس، فاتفق الإسمان هاهنا لخصوصية الحال، ولا يلزم ذلك في كل حال)، "ابن كثير" ٤/ ٢٤٩٨. ط. دار الفكر.

صفحة رقم 63

﴿فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٣٥) فَمَا وَجَدْنَاَ﴾ الآية [الذاريات: ٣٥، ٣٦].
وفي بعض القراءات ﴿اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً﴾ [المنافقون: ٢] بكسر الألف (١)، بمعنى الشهادة باللسان (٢).
وفي قوله ﴿يُؤمِنُونَ﴾ قراءتان، تحقيق الهمزة وتليينها (٣).
فمن حقق، فحجته (٤): أن الألف في (آمن) لا تخلو إما أن تكون زائدة، أو منقلبة، فلا (٥) يجوز أن تكون زائدة، لأنها لو كانت كذلك لكان (فَاعَل) [ولو كان (فَاعَل)،] (٦) كان مضارعه (يُفَاعِل) فلما كان مضارعه (يؤمن) دل على أنها غير زائدة، فإذا لم تكن زائدة كانت منقلبة، ولا يخلو أنقلابها من أن يكون عن: (الواو) أو عن (الياء) أو عن (الهمزة)، ولا يجوز أن تكون منقلبة عن (الواو)، لأنها في موضع سكون، [وإذا كانت في موضع سكون] (٧) وجب تصحيحها، وبمثل هذه الدلالة لا يجوز انقلابها

(١) قراءة الجمهور بالفتح، وبالكسر قراءة الحسن. انظر: "المحتسب" ٢/ ٣١٥، ٣٢٢، "البحر" ٨/ ٢٧١، "القراءات الشاذة" للقاضي ص ٧٢.
(٢) في (ب): (اللسان). انظر: "الحجة" ١/ ٢٢٢.
(٣) قرأ ورش عن نافع، وأبو عمرو (يومنون) بغير همز، وبقية السبعة يهمزون. انظر "الحجة" لأبي علي١/ ٢١٤، "حجة القراءات" لابن زنجلة ص ٨٤.
(٤) نقله عن "الحجة" لأبي علي، قال في "الحجة": (الإعراب: لا تخلو الألف في (آمن) من أن تكون زائدة، أو منقلبة، وليس في القسمة أن تكون أصلا. فلا يجوز أن تكون زائدة لأنها...) ١/ ٢٣٥.
(٥) في (ب): (ولا يجوز).
(٦) ما بين المعقوفين ساقط من (ج).
(٧) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).

صفحة رقم 64

عن (الياء)، فإذا (١) لم يجز انقلابها عن (الواو) ولا عن (الياء) ثبت أنها منقلبة عن (الهمزة)، وإنما انقلبت عنها ألفا لوقوعها ساكنة بعد حرف مفتوح، كما أنها إذا خففت في: (بأس) و (رأس) (٢) و (فأس) انقلبت عنها ألفا لسكونها وانفتاح ما قبلها (٣)، كذلك قلبت في نحو: (آمن) و (آتى) (٤)، وفي الأسماء: نحو (آدر) (٥) و (آدم)، و (آخر) إلا أن الانقلاب هاهنا لزمها لاجتماع الهمزتين، والهمزتان إذا اجتمعتا في كلمة لزم الثانية منهما القلب بحسب الحركة التي قبلها إذا كانت ساكنة، نحو: (آمن) و (اوتمن) و (ايذن) (٦)، و (ايتنا) (٧).
فمن حقق (٨) (الهمز) في ﴿يؤمنون﴾ فلأنه إنما ترك (الهمز) من (أومن) لاجتماع الهمزتين، كما أن تركها في (آمن) كذلك (٩)، فلما زال اجتماعها مع سائر الحروف المضارعة سوى (١٠) الهمزة، رد (١١) الكلمة إلى

(١) في (ب): (وإذا).
(٢) في (ج): (ووأس).
(٣) بنصه في "الحجة" ١/ ٢٣٥، وانظر "الكتاب" ٣/ ٥٤٣.
(٤) في جميع النسخ (ااتى) ورسمتها حسب ما في "الحجة" ١/ ٢٣٥.
(٥) الآدر: وهو المنتفخ الخصية. انظر: "اللسان" (أدر) ١/ ٤٤.
(٦) (ائذن) مكانها بياض في (ب).
(٧) انظر بقية كلام أبي علي في "الحجة" ١/ ٢٣٦، وما بعده نقله من موضع آخر ١/ ٢٣٨ حيث قال أبو علي: (أما حجة من قرأ (يؤمنون) بتحقيق الهمز، فلأنه إنما ترك الهمز في (أومن) لاجتماع الهمزتين...)، ١/ ٢٣٨، ٢٣٩.
(٨) في (ج): (خفف).
(٩) في (أ)، (ج): (لذلك) واخترت ما في ب، لأنه أصح وموافق ما في "الحجة" ١/ ٢٣٨.
(١٠) في (ب): (سرى).
(١١) في (ب): (ورد).

صفحة رقم 65

الأصل فهمز؛ لأن الهمز من (الأمن) و (الأمنة) فاء الفعل.
ومما (١) يقوي الهمزة (٢) أن من تركها إنما يقلبها (واوا) (٣) ساكنة وما قبلها متحرك بالضم، و (الواو) الساكنة إذا انضم ما قبلها فقد استجازوا قلبها (٤) همزة.
يدل (٥) على هذا، ما ذكره المازني عن الأخفش، قال (٦): كان أبو حية النميري يهمز كل واو ساكنة قبلها ضمة نحو: (مؤسى) (٧) وأشباهه.
وتقدير ذلك: أن الحركة لما كانت تلي الواو من (مؤسى) (٨) صارت كأنها عليها، والواو إذا تحركت بالضمة أبدل منها الهمزة.
وإذا جاز إبدال (الهمزة) من (الواو الساكنة) التي قبلها ضمة، واجتلابها وإن لم تكن من الكلمة، فالهمزة التي هي أصل في الكلمة أولى بالتحقيق، وأن لا يبدل منها الواو.
وحجة من لم يهمز (٩): أن هذه الهمزة قد لزمها البدل في مثالين من

(١) في (ب): (وما).
(٢) في (ج): (أن الهمزة أن من تركها).
(٣) في (ب): (واو).
(٤) في (ب): (قبلها).
(٥) في (ب): (نيل).
(٦) في "الحجة": (قال محمد بن يزيد: أخبرني أبو عثمان، قال: أخبرني الأخفش قال: كان أبو حية النميري يهمز كل واو ساكنة قبلها ضمة وينشد:
لَحُبَّ المُؤقِدَانِ إلى مُؤْسَى
وتقدير ذلك أن الحركة... إلخ) ١/ ٢٣٩.
(٧) (موسى) غير مهموزة في جميع النسخ، وهمزتها كما في "الحجة" ١/ ١٣٩.
(٨) انظر التعليق السابق.
(٩) "الحجة" ١/ ٢٤٠.

صفحة رقم 66

الفعل المضارع والماضي، نحو (١): (آمن) و (أُومِنَ)، والمضارع نحو: (أُومِنُ) ولم يجز تحقيقها في هذه المواضع، وهذا القلب الذي يلزمنا (٢) في المثالين إعلال لها، والإعلال إذا لزم مثالا أتبع سائر الأمثلة العارية من موجب الإعلال كإعلالهم: (يقوم)، و (لقام)، و (يُكْرِم) (٣) من أجل (أُكْرِمُ) (٤) و (أَعِدُ) (لِيَعِد) (٥)، فوجب على هذا أن يختار (٦) ترك الهمزة في ﴿يؤمنون﴾، ليتبع قولهم ﴿يؤمنون﴾ في الإعلال المثالين الآخرين (٧)، لا على التخفيف القياسي (٨) نحو: (جونة) في (جؤنة) (٩)، و (بوس) في (بؤس) (١٠).

(١) في "الحجة" (فالماضي نحو:..) ١/ ٢٤٠.
(٢) في "الحجة" (يلزمها) ١/ ٢٤٠.
(٣) في (ب): (يلزم).
(٤) أصل (أُكْرِم) (أُؤكْرِمُ) مضارع (أَكْرَمَ)، ثم حذفت الهمزة في (أُؤَكْرِم) لاجتماع الهمزتين، ثم حملت الياء في (يُكرم) على الهمزة في (أكرم) فحذفت الهمزة معه مثل حذفها مع (أُكْرِم) ليتفق الباب. انظر "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣٨٥.
(٥) لأن الواو في (يَعِد) حذفت لوقوعها بين ياء وكسرة، وحملت الهمزة في (أعد) على ذلك، وحذفت الواو معها حتى لا يختلف الباب. انظر: "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣٨٥.
(٦) في (ج): (تختاريتك).
(٧) أي الإعلال في الماضي نحو (آمن)، والمضارع (أُومِنُ).
(٨) أي أن حذف الهمزة في (يؤمنون) إعلال لا تخفيف قياسي. والتخفيف القياسي ما ذكره سيبويه بقوله: (وإن كان ما قبلها مضموماً -أي الهمزة- فأردت أن تخفف، أبدلت مكانها واوا، وذلك قولك في (الجؤنة) و (البؤس) و (المؤمن): الجونة والبوس والمومن) "الكتاب" ٣/ ٥٤٣.
(٩) في (ب): (جونة). و (الجؤنة): سليلة مستديرة مغشاة بجلد، يستعملها العطار ظرفا للطيب. انظر: "تهذيب اللغة" (جون) ١/ ٦٨٩٣.
(١٠) إلى هنا انتهى ما نقله الواحدي عن "الحجة" ١/ ٢٤٠.

صفحة رقم 67

وأيضًا فإن (١) حرف المضارعة المضموم صادف حرفا منقلبا ألف قبل أن يلحقه حرف المضارعة، فلما ولي المضموم من حرف المضارعة، انقلب ذلك الألف واوا، وأي (٢) مرضع للهمزة (٣) هاهنا.
وقوله تعالى: ﴿بِالْغَيْبِ﴾ (٤) الغيب: مصدر غاب يغيب غيبا، وكل (٥) ما غاب عنك فلم تشهده فهو غيب (٦)، قال الله تعالى: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾ (٧) والعرب تسمى (٨) المطمئن من الأرض: الغيب (٩)، لأنه غاب عن الأبصار.
ومه قول لبيد:

وَتَسمَّعَت رِزَّ الأَنِيس فرَاعَها عَن ظَهْرِ (١٠) غَيْبٍ والأنيسُ سَقَامُها (١١)
(١) في (ب) سقط وتصحيف فالنص فيها: (وأيضًا، قال في حرف المضارعة انقلب ذلك الألف صادق حرفاً).
(٢) (الواو) ساقطة من (ب).
(٣) في (ب): (للهمز).
(٤) في (ب): (الغيب) تصحيف.
(٥) في (ب): (وكلما)
(٦) انظر: " تفسير الطبري" ١/ ١٠٢، و"ابن عطية" ١/ ١٤٦، و"تفسير القرطبي" ١/ ١٤٢.
(٧) هذا جزء من آية وردت في مواضع وهي: ٧٣ من الأنعام، و ٩٤ و ١٠٥ من التوبة و ٩ من الرعد، و ٩٢ من المؤمنون، و ٦ من السجدة و ٤٦ من الزمر، و ٢٢ من الحشر، و ٨ من الجمعة، و ١٨ من التغابن.
(٨) (تسمى) ساقط من (ج).
(٩) "تهذيب اللغة" (غاب) ٣/ ٢٦١٦.
(١٠) في (ج): (صهر).
(١١) البيت في "ديوان لبيد"، وروايتة: (وتوجست رز..) ويروى: (.. ركز الأنيس) =

صفحة رقم 68

قال شمر (١): وكل مكان لا يدرى ما فيه فهو غيب، وكذلك الموضع الذي لا يدرى ما وراءه وجمعه غيوب (٢)، ومنه قوله:

وللفؤاد وجيب تحت أبهره لدم (٣) الغلام وراء الغيب بالحجر (٤)
وقال أبو زيد: يقال: بدا غَيَّبَان العود، إذا بدت عروقه التي تغيبت في الأرض لحفر السيل (٥).
والمراد بالغيب المذكور هاهنا: ما غاب علمه (٦) وعن الحس
= وهو يصف بقر الوحش، والرز والركز: الصوت الخفي، عن ظهر غيب: من وراء حجاب، وقوله: والأنيس سقامها: لأنهم يصيدونها فهم داؤها. انظر "شرح ديوان لبيد" ص ٣١١، وهو في "المخصص" لابن سيده ٢/ ١٣٧. بمثل رواية الديوان، وبدل (راعها) (رابها). وفي "البحر المحيط" ٦/ ١٩٨.
(١) هو شمر بن حمدويه الهروي، اللغوي الأديب، لقي أبا عبيدة، وابن الأعرابي، والأصمعي والفراء وغيرهم، ألف كتابا كبيرا في اللغة على حروف المعجم، وفقد بعده، توفي سنة خمس وخمسين ومائتين.
انظر: "إنباه الرواة" ٢/ ٧٧، "معجم الأدباء" ٣/ ٤١٠، "إشارة التعيين" ص١٤١.
(٢) ذكره الأزهري في "تهذيب اللغة" (غاب) ٣/ ٢٦٢١.
(٣) في (ب): (دم).
(٤) البيت لابن مقبل. (الوجيب): تحرك القلب تحت الأبهر، و (اللدم): الضرب، و (الغيب): ما كان بينك وبينه حجاب، يقول: إن للقلب صوتا يسمعه ولا يراه، كما يسمع صوت الحجر الذي يرمى به الصبي ولا يراه. ورد البيت في "تهذيب اللغة" (بهر) ١/ ٤٠١، "الصحاح" (بهر) ٢/ ٥٩٨، "معجم مقاييس اللغة" (لدم) ٥/ ٢٤٣، "الزاهر" ١/ ٣٩٨، ٥٥٢، "أساس البلاغة" (لدم) ٢/ ٣٣٨، و"اللسان" (بهر) ١/ ٣٧٠، (لدم) ٤/ ٣٢٥٥.
(٥) لم أجده في "نوادر أبي زيد"، وذكره الأزهري نحوه ولم ينسجه لأبي زيد. "تهذيب اللغة" (غاب) ٣/ ٢٦١٦.
(٦) في (ب): (محله).

صفحة رقم 69

والضرورة (١) مما يدرك بالدليل (٢)،
ولذلك (٣) استوجبوا حسن الثناء بالإيمان بالغيب، لأنه تصديق بما أخبروا به مما لا يعلم حسا وضرورة، ويكون العلم به مكتسبا، فيدخل (٤) في جملة هذا ما أخبر عنه الرسول عليه السلام من أمر الجنة والنار والوعد وغير ذلك (٥).
قال أبو العالية في قوله: ﴿يُؤمِنوُنَ بِالغيَب﴾ قال: يؤمنون بالله (٦)، وملائكته وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وجنته، وناره، ولقائه (٧)، وبالبعث بعد (٨) الموت (٩).
وكأن هذا إجمال ما فصل في قوله: ﴿كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٨٥]

(١) قال البيضاوي: والمراد به: الخفي الذي لا يدركه الحس، ولا يقتضيه بديهة العقل ١/ ٧.
(٢) الغيب قسمان. قسم لا دليل عليه وهو المعني بقوله: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ﴾ [الأنعام: ٥٩]، وقسم نص عليه دليل كوجود الخالق سبحانه، واليوم الآخر، وغير ذلك من أمور الغيب، وهو المراد هنا، أي: يستدلون عليه فيؤمنوا به. انظر البيضاوي ١/ ٧، والرازي ٢/ ٢٣.
(٣) في (ب): (وكذلك).
(٤) في (ج): (يدخل).
(٥) انظر "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٥.
(٦) في (ب): (به).
(٧) (الواو) ساقطة من (ب).
(٨) في (ب): (هذا).
(٩) ذكره الثعلبي بسنده عن الربيع عن أبي العالية ١/ ٤٦ أ، وأخرجه ابن جرير عن الربيع بن أنس. قال شاكر: لعل ذكر: عن أبي العالية سقط من الإسناد من نسخ الطبري، لثبوته عند الناقلين عنه. الطبري ١/ ٢٣٧ (ط. شاكر)، وأخرجه ابن أبي حاتم في (تفسيره) ١/ ٣٦، وذكره ابن كثير ١/ ٤٤، "الدر" ١/ ٦٠.

صفحة رقم 70

وقال عطاء (١): من آمن بالله آمن بالغيب (٢).
وكذلك روى أبو العباس عن ابن الأعرابي (٣) في قوله: ﴿يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ قال (٤): يؤمنون بالله. قال (٥): والغيب- أيضًا- ما غاب عن العيون وإن كان محصلا في القلوب (٦).
قال أبو إسحاق: وكل ما غاب عنهم مما أخبرهم به النبي - ﷺ - فهو غيب. (٧). هذا طريق المفسرين في معنى (الغيب).
ولأهل المعاني فيه طريق آخر (٨)، وهو أن معنى قوله: ﴿يُؤِمنوُنَ

(١) هو عطاء بن أبي رباح، المكي، القرشي مولاهم، روى عن عدد من الصحابة، كان ثقة فقيهًا عالمًا، توفي سنة أربع عشرة ومائة من الهجرة. انظر ترجمته في "طبقات ابن سعد" ٥/ ٤٦٧، "سير أعلام النبلاء" ٥/ ٧٨، "تهذيب التهذيب" ٣/ ١٠١.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم عن عطاء بن أبي رباح، قال المحقق: رجال إسناده ثقات ابنِ أبي حاتم ١/ ١٧٨ (رسالة دكتوراه). وأخرجه الثعلبي بسنده عن عطاء قال: {الًذِين يُؤمنوُنَ بِالغيبِ﴾ قال: هو الله عز وجل من آمن بالله فقد آمن بالغيب. الثعلبي في ١/ ٤٦ ب، وذكره ابن كثير ١/ ١٨١.
(٣) هو محمد بن زياد الأعرابي، مولى العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، كان راوية للأشعار نحويا، كثير الحفظ، توفي سنة إحدى وثلاثين ومائتين. انظر ترجمته في: "طبقات النحويين واللغويين" ص ١٩٥، "إنباه الرواة" ٣/ ١٢٨، "نزهة الألباء" ص ١١٩.
(٤) في (ب): (ملا).
(٥) (قال) ساقط من (ب).
(٦) "تهذيب اللغة" (غاب) ٣/ ٢٦١٦.
(٧) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٥.
(٨) ما ذكره قال به عدد من المفسرين، ولم أجد أحدا من أهل المعاني فيما اطلعت عليه قال به، بل كلام الزجاج السابق بخلافه وهو أحد أهل المعاني، فلا وجه لتخصيص أهل المعاني بالذكر.

صفحة رقم 71

بِالغَيْبِ} أي: يؤمنون إذا غابوا عنكم، ولم يكونوا كالمنافقين (١) الذين يقولون إذا خلوا إلى شياطينهم: ﴿إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾ [البقرة: ١٤]، ويقوي هذا الوجه قوله: ﴿الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ﴾ [الملك: ١٢]، وقوله: ﴿من خشي الرحمن بالغيب﴾ [ق: ٣٣]، والجار والمجرور هاهنا في موضع (الحال)، أي: يؤمنون غائبين عن مراءاة الناس، لا يريدون بإيمانهم تصنعا لأحد.
وقوله تعالى: ﴿وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ﴾:
أي: يديمونها (٢)، ويحافظون عليها، ويقال: قام الشيء إذا دام وثبت، وأقامه إذا أدامه (٣)، والذي يدل على أن قيام الشيء إنما يعنى به دوامه وثباته (٤) ما أنشده أبو زيد:

إنِّي إذَا لم يُنْدِ حَلْقاً رِيقُه وَرَكَدَ السَّبُّ فَقَامَتْ سُوقُهْ (٥)
والراكد: الدائم الثابت (٦)، ومن ثم قيل: ماء راكد، وماء دائم.
(١) ذكره ابن عطية ١/ ١٤٥، والزمخشري في "الكشاف" ١/ ١٢٨، والرازي ٢/ ٢٧، وابن كثير ١/ ٤٤، والبيضاوي ١/ ٧.
(٢) أنظر: "تفسير أبي الليث" قال: يقيمون الصلاة يحافظون على الصلوات، وقد قيل: معنى يقيمون أي: يديمون الصلاة، ١/ ٩٨٠. وذكره ابن الجوزي وعزاه لابن كيسان، "زاد المسير" ١/ ٢٥.
(٣) في (ب): (دام).
(٤) انظر. "التهذيب" (قام) ٣/ ٢٨٦٤، "اللسان" (قوم) ٦/ ٣٧٨٢.
(٥) أبيات من الرجز أنشدها أبو زيد في "النوادر" مع أبيات أخرى ولم يعزها، "النوادر" ص ١٦٩، وذكر ابن الأنباري في "المذكر والمؤنث" البيت الثاني (وركد السب.. إلخ) مع بيت آخر ص٣٥٥، وكذا ورد البيت الثاني في "المخصص" ١٧/ ٢١.
(٦) في "غريب الحديث" لأبي عبيد: الدائم الراكد الساكن، ١/ ١٣٧، وانظر: "تهذيب اللغة" (دام) ٢/ ١١٣٤، (الزاهر) ٢/ ٣٧٢.

صفحة رقم 72

ومن هذا يقال: أقام القوم سوقهم إذا أداموها وواظبوا (١) عليها (٢).
قال أبو علي الفارسي: وهذا التفسير أشبه من أن يفسر بـ (يتمونها) (٣). وأما (الصلاة) فمعناها في اللغة: الدعاء (٤)، ومنه الحديث: "إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب، فإن كان مفطرا فليطعم وإن كان صائما فليصل" (٥) قال أبو عبيد: قوله: "فليصل" أي: فليدع له بالبركة والخير، وكل داع فهو مصل (٦).
قال الأعشى:

(١) في (ب): (ووضبوا).
(٢) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ١٠٤.
(٣) وبهذا أخذ الزجاج حيث قال: معناه يتمون الصلاة، كما قال: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٦]. "المعاني" ١/ ٣٥. وقال ابن جرير: إقامتها. أداؤها بحدودها وفروضها والواجب فيها، على ما فرضت عليهم ١/ ١٠٤، وانظر ابن كثير ١/ ٤٥.
(٤) أنظر: الطبري ١/ ١٠٤، "تهذيب اللغة" (صلى) ٢/ ٢٠٤٩.
(٥) الحديث أخرجه مسلم عن أبي هريرة (١٤٣١٢) في كتاب النكاح، باب: الأمر بإجابة الدعوة دون قوله (إلى طعام)، وأبو داود بمثل رواية مسلم (٢٤٦٠) في كتاب الصوم، باب. في الصائم يدعى إلى وليمة، وأخرج (٣٧٣٦) في كتاب الأطعمة، باب: ما جاء في إجابة الدعوة، نحوه عن ابن عمر.
وأخرجه الترمذي (٧٩٨٠) في كتاب الصيام، باب: ما جاء في إجابة الدعوة دون قوله: (فإن كان مفطرا فليطعم) في لفظه (إلى طعام)، وأحمد في "مسنده" ٢/ ٥٠٧، ٢/ ٤٨٩ دون قوله (فإن كان مفطرا فليطعم).
(٦) في "غريب الحديث": (قال: قوله: فليصل... قال أبو عبيد: كل داع فهو مصل) في الهامش: قالا: أي ابن علية ويزيد. أنظر "غريب الحديث" لأبي عبيد ١/ ١١٠. فالكلام الأول نقله أبو عبيد، والمؤلف هنا نقل من الأزهري وتابعه في نسبة النص لأبي عبيد، "التهذيب" (صلى) ٢/ ٢٠٤٩.

صفحة رقم 73

عَلَيْكِ مثل الذي صَلَّيْتِ فَاغْتَمِضي نَومًا (١) فإنَّ لِجَنْبِ المرءِ مُضْطَجعا (٢)
وقال أبو العباس في قوله:
وصَلَّى عَلى دَنِّهَا وارْتَسَمْ (٣)
قال: دعا لها أن لا تحمض ولا تفسد (٤).
هذا معنى الصلاة في اللغة، ثم ضمت إليها هيئات وأركان سميت بمجموعها صلاة، هذا مذهب الأكثرين.
وقال الزجاج (٥): الأصل في الصلاة اللزوم، يقال: قد صلى
(١) في (ب): (يوما) وهي رواية للبيت.
(٢) البيت في "ديوان الأعشى" ص ١٠٦، وهو من قصيدة يمدح بها (هوذة بن علي الحنفي) ويروى: (يوما) بدل (نوما) ذكره أبو عبيدة في "المجاز"، وقال: فمن رفع (مثل) جعله. عليك مثل الذي قلت لي ودعوت لي به، ومن نصبه جعله. أمرا، يقول: عليك بالترحم والدعاء لي، وذكره الزجاج في "معاني القرآن" ١/ ٢١٤، وابن الأنباري في "الزاهر" ١/ ١٣٩، وأبو بكر بن عزيز في "معرفة اشتقاق أسماء نطق بها القرآن" ٢/ ٥٣٩ رسالة ماجستير، وأبو عبيد في "غريب الحديث" ١/ ١١١، والأزهري في "التهذيب" (صلى) ٢/ ٢٠٤٩، وورد في "الدر المصون" ١/ ٩٢ و"القرطبي" ١/ ١٤٦، و"ابن كثير" ١/ ٤٦، "البحر المحيط" ١/ ٣٨.
(٣) البيت للأعشى من قصيدة يمدح به قيس بن معد يكرب، وصدره:
قابلها الريح في دنها
يصف الخمر، صلى: دعا، ارتسم: كبَّر ودعا وتعوَّذ مخافة أن يجدها فسدت، فتبور تجارته. انظر: "ديوان الأعشى" ص ١٩٦، "غريب الحديث" لأبي عبيد ١/ ١١١ والطبري ١/ ١٠٤، "تهذيب اللغة" (صلى) ٢/ ٢٠٤٩، وابن كثير ١/ ٤٦.
(٤) "تهذيب اللغة" (صلى) ٢/ ٢٠٤٩.
(٥) "معاني القرآن" ١/ ٢١٥.

صفحة رقم 74

واصطلى (١): إذا لزم، ومن هذا من يصلى في النار أي: يلزم، قال: والقول عندي هذا؛ لأن الصلاة من أعظم الفرض الذي أمر بلزومه، وألزم ما أمر به من العبادات (٢).
ومن اختار هذه الطريقة (٣) قال: معنى قولهم للداعي إذا دعا: (صلى) معناه: أنه لزم الدعاء لشدة حاجته إلى الإجابة.
و (الصَّلَوَان) من الفرس، العظمان اللذان في العجز (٤)، والواحد: (صلا)، سميا للزوم كل واحد منهما الآخر (٥)، والمُصَلِّي: الذي يأتي في أثر السابق من هذا، لأنه يأتي ورأسه مع ذلك المكان من السابق (٦)، ومنه حديث علي - رضي الله عنه -: (سبق رسول الله - ﷺ - وصلى أبو بكر) (٧).
وقوله تعالى: ﴿وَمِمَّا رزَقنَهُم﴾. يقال: رَزَق الله الخلق رَزْقا ورِزْقا،

(١) في (أ) و (ج): (واصطلا) وفي (المعاني) (يقال: صلى وأصلى واصطلى...) ١/ ٢١٥، ونص المؤلف في "التهذيب" فلعله نقل منه، ٢/ ٢٠٤٩.
(٢) "معاني القرآن" للزجاج، دون قوله: (وألزم ما أمرت به من العبادات) ١/ ٢١٥، وذكره في "تهذيب اللغة" ٢/ ٢٠٤٩.
(٣) أي: أن الصلاة بمعنى اللزوم.
(٤) انظر. "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢١٥، "تهذيب اللغة" (صلى) ٢/ ٢٠٤٩، "مجمل اللغة" (صلى) ٢/ ٥٣٨.
(٥) في (ب): (للآخر).
(٦) المراجع السابقة.
(٧) أخرجه أحمد في "المسند": (عن علي -رضي الله عنه- قال: سبق رسول الله - ﷺ - وصلى أبو بكر وثلث عمر، ثم خبطتنا فتنة بعدهم يصنع الله فيها ما يشاء) "المسند" ١/ ١١٢، ١٢٤، ١٣٢، ١٤٧. وأخرجه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" ٦/ ١٣٠، وذكره أبو عبيد في "غريب الحديث" ٢/ ١٤٢، والأزهري في "تهذيب اللغة" (صلى) ٢/ ٢٠٥٠.

صفحة رقم 75
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية