
لا يسوغ فيه الريب فيكون البتة هدى- وهدى مصدر بمعنى الدلالة على الطريق الموصل او الدلالة الموصلة الى المقصود بمعنى الهادي- او ذكر مبالغة كزيد عدل- وتخصيص الهدى بالمتقين اما على المعنى الاول فلانهم هم المنتفعون به وان كانت الدلالة عامة ولذا قال- هُدىً لِلنَّاسِ- واما على الثاني فظاهر لانه لا يكون دلالة موصلة الا لمن صقل عقله كالغذاء الصالح ينفع الصحيح دون المريض ولذا قال- شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً- والمتقى من يقى نفسه عما يضره في الاخرة من الشرك وذلك أدناه- ومن المعاصي وذلك أوسطه- ومن الاشتغال بما لا يعينه ويشغله عن ذكر الله تعالى وذلك أعلاه وهو المراد بقوله تعالى- حَقَّ تُقاتِهِ- وقال ابن عمر التقوى ان لا ترى نفسك خيرا من أحد- وقال شهر بن حوشب- المتقى الذي يترك ما لا بأس به- حذرا عما به بأس- روى الشيخان وابن عدى عن النعمان بن بشير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- الحلال بين والحرام بين وبينهما امور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى المشتبهات استبرأ لعرضه ودينه ومن وقع في المشتبهات وقع في الحرام كراع يرعى حول الحمى يوشك ان يواقعه- الا وان لكل ملك حمى الا وان حمى الله في ارضه محارمه الا وان في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسدت الجسد كله الا وهى القلب- وروى الطبراني في الصغير الحلال بين والحرام بين فدع ما يريبك الى ما لا يريبك- قلت صلاح القلب المذكور في الحديث هو المعبّر باصطلاح الصوفية بفناء القلب وهو أول مراتب الولاية وهو المستلزم لصلاح الجسد والاتقاء عن المشتبهات حذرا من ارتكاب المحرمات- فالتقوى لازم للولاية قال الله تعالى- إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وفي الاية سمى المشارف للتقوى متقيا مجازا على طريقة من قتل
قتيلا-.
الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ- صفة مقيدة للمتقين ان فسر بالتقوى عن الشرك والا فموضحة مشتملة على اصول الأعمال من الايمان فانه رأس الأمر كله- والصلاة فانها عماد الدين- والزكوة فانها قنطرة الإسلام او مادحة- او مبتدأ وخبره أُولئِكَ عَلى هُدىً- قرا ابو جعفر وابو عمرو وورش يومنون بالواو بدلا عن الهمزة- وكذلك ابو جعفر يترك كل همزة ساكنة ويبدلها واوا بعد ضمة- وياء بعد كسرة الا في انبئهم- ونبّئهم- ونبّئنا- وابو عمرو كلها الا ما كان السكون فيه للجزم نحو يهيّئ او يكون فيه خروج من لغة الى لغة كالمؤصدة- ورءيا-

وورش كل همزة ساكنة في فاء الفعل الا تؤى- وتؤويه- ولا يترك الهمزة في عين الفعل الا باب الرّؤيا وما كان على وزن فعل مسكور العين- والايمان في اللغة التصديق كما في قوله تعالى وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا- وذلك يكون بالقلب واللسان وفي الشرع التصديق بالقلب واللسان جميعا بما جاء به النبي ﷺ وعلم قطعا- ولا يعتبر التصديق بالقلب بدون اللسان الا في حالة الإكراه- قال الله تعالى وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ- وقال يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ- وقال إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ- ولا يعتبر التصديق باللسان بدون القلب أصلا قال الله تعالى- وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ- واما الأعمال فغير داخلة في الايمان ولذا صح عطف يُقِيمُونَ الصَّلاةَ على يُؤْمِنُونَ وعطف آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ- روى مسلم في الصحيح عن عمر بن الخطاب قال بينا نحن عند رسول الله ﷺ ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه اثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس الى رسول الله ﷺ فاسند ركبتيه الى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال يا محمد أخبرني عن الإسلام- قال الإسلام ان تشهد ان لا الله الا الله وان محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتى الزكوة وتصوم رمضان وتحج البيت ان استطعت اليه سبيلا- قال صدقت فعجبنا له يسئله- ويصدقه- قال أخبرني عن الايمان- قال ان تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر وتؤمن بالقدر خيره وشره- قال صدقت قال فاخبرنى عن الإحسان- قال ان تعبد ربك كانك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك- قال فاخبرنى عن الساعة- قال ما المسئول عنها بأعلم من السائل- قال فاخبرنى عن اماراتها- قال ان تلد الامة ربتها- وان ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان- قال ثم انطلق فلبثت مليا ثم قال لى يا عمر أتدري من السائل- قلت الله ورسوله اعلم- قال فانه جبرئيل أتاكم يعلمكم دينكم- ورواه ابو هريرة مع اختلاف وفيه- إذا رايت الحفاة العراة الصم البكم ملوك الأرض في خمس لا يعلمهن الا الله ثم قرا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ الاية- متفق عليه وهذا الحديث تدل على ان الإسلام اسم لما ظهر من الأعمال- وكذا قوله تعالى- قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا- ويطلق الإسلام ايضا على الايمان
صفحة رقم 19