آيات من القرآن الكريم

لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ۖ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
ﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ

قال- الا أخبركم بخير الشهداء الذي يأتى بشهادته قبل ان يسئل عنها- او يخبر بشهادته قبل ان يسئلها-.
لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ خلقا وملكا وملكا قيل فيه دليل على ان كل ما سواه تعالى متحيز ولا شىء من الممكنات مجردا والا لكان بيان خالقيته ومالكيته قاصرا لان الأهم اثبات مالكية المجردات وهذا ليس بشىء بل التحقيق ان من الممكنات مجردات وهى أرواح البشر والملائكة وغيرهم وقد انكشف على ارباب القلوب من المجردات القلب والروح والسر والخفي والأخفى والله تعالى اعلم بخلقه ما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وانما اقتصر هاهنا على ذكر ما في السموات وما في الأرض بناء على قصر نظر العوام عليها وذكرها كاف للاستدلال على الصانع جلت قدرته- ولان الاستدلال لا يتصور الا بامور مشهودة معلومة للعوام لا بامور مختفية على الخواص ومن ثم لم يذكر هاهنا العرش والكرسي مع انهما ليسا في السموات والأرض والله اعلم- وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ من الرذائل كالنفاق والرياء والعصبية «١» وحب الدنيا والغضب والكبر والعجب والأمل والحرص وترك التوكل والصبر والحسد والحقد ونحو ذلك مما هو من افعال القلوب والنفوس- عن جبير بن مطعم قال قال رسول الله ﷺ ليس منا من دعا على عصبيته وليس منا من مات على عصبيته رواه ابو داؤد وعن حارثة بن وهب قال قال رسول الله ﷺ الا أخبركم باهل الجنة كل ضعيف متضعّف لو اقسم على الله لابره الا أخبركم باهل النار كل عتلّ «٢» جوّاظ «٣» مستكبر- متفق عليه- وفي رواية لمسلم كل جواظ زنيم «٤» متكبر- وعن الحسن مرسلا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- حب الدنيا رأس كل خطيئة- رواه البيهقي في شعب الايمان عن انس قال قال رسول الله ﷺ حب ابى بكر وعمر ايمان وبغضهما نفاق- رواه ابن عدى- وعن جابر مرفوعا حب ابى بكر وعمر من الايمان وبغضهما كفر وحب الأنصار من الايمان وبغضهم كفر وحب العرب من الايمان وبغضهم «٥» كفر ومن سب أصحابي فعليه لعنة الله ومن حفظنى فيهم فانا احفظه يوم القيامة- رواه ابن عساكر وعن النبي ﷺ قال- حب علىّ عبادة «٦» وعن علىّ قال والذي فلق الحبة وبرىء النسمة لعهد النبي الأمي ﷺ الى ان لا يحبنى الا مؤمن ولا يبغضنى الا منافق رواه مسلم وعنه قال قال رسول الله ﷺ فيك مثل من عيسى «٧» أبغضته اليهود حتى بهتوا امه وأحبته النصارى حتى أنزلوه بالمنزلة التي ليست له- ثم قال يهلك فيّ رجلان محب مفرط يفرطنى بما ليس في ومبغض يحمله شتانى على ان يبهتنى- رواه احمد وعن ابى هريرة مرفوعا

(١) العصبية والتعصب المحامات- نهاية يعنى حمية الجاهلية- منه
(٢) عتل الشديد الجافي الفظ الغليظ من الناس- منه رح
(٣) الجواظ الجموع المنوع وقيل الكثير اللحم المختال- منه رح
(٤) الزنيم الملحق بالقوم ليس منهم- منه رح
(٥) فى الأصل وبعضهم
(٦) هكذا بياض في الأصل- ابو محمد [.....]
(٧) وفي الأصل مثل عيسى

صفحة رقم 437

قال الله تعالى الكبرياء ردائى والعظمة إزاري فمن نازعنى واحدا منهما أدخلته النار- رواه مسلم وعن عطية السعدي مرفوعا ان الغضب من الشيطان- رواه ابو داؤد وعن بهزين حكيم عن أبيه عن جده مرفوعا ان الغضب يفسد الايمان كما يفسد الصير العسل- رواه البيهقي في الشعب وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا أول صلاح هذه الامة اليقين والزهد وأول فسادها البخل والأمل- رواه البيهقي وعن سعد قال قال رسول الله ﷺ من سعادة ابن آدم رضاؤه بما قضى الله ومن شقاوة ابن آدم سخطه بما قضى الله- رواه احمد والترمذي- وعن معاذ بن جبل مرفوعا قال يطلع الله الى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه الا المشرك او مشاحن- رواه الدارقطني وصححه ابن حبان- وفي رذائل النفس ومحامدها أحاديث لا تكاد تحصى- وقيل معناه إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ- من كتمان الشهادة- كذا قال الشعبي وعكرمة- او من ولاية الكفار فهو نظير ما في ال عمران لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ الى ان قال قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ الاية- كذا قال مقاتل- والتحقيق ان كتمان الشهادة وولاية الكفار داخلان فيما استقر في أنفسكم ولا وجه للتخصيص بعد ثبوت المؤاخذة على الجميع بالنصوص والإجماع- وقيل المراد به العزم المصمم على المعاصي من افعال الجوارح قال عبد الله بن المبارك قلت لسفيان أيؤاخذ الله العبد بالهمّ قال إذا كان عزما أخذ بها- قلت لو ثبت المؤاخذة على العزم فالعزم ايضا داخل في المعاصي القلبية- لكن الصحيح عن رسول الله ﷺ انه قال من هم بسيئة فلم يعمل بها لم يكتب عليه وإذا عمل بها كتب بمثلها- الحديث يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ يوم القيامة اما حساب عرض حسابا يسيرا فَيَغْفِرُ وذلك لِمَنْ يَشاءُ مغفرته واما حساب مناقشة فيأخذ به وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ تعذيبه- قرأ ابو جعفر وابن عامر وعاصم ويعقوب برفع الفعلين على الاستيناف والباقون بالجزم عطفا على جواب الشرط وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من العذاب والمغفرة وغير ذلك قَدِيرٌ (٢٨٤) لا يمكن لاحد الاعتراض عليه ان شاء عذب على الصغيرة وان شاء غفر الكبيرة من غير توبة اجمع اهل السنة والجماعة على ان الحساب على المعاصي القلبية والنفسانية والقالبية حق والتعذيب على الذنوب صغائرها وكبائرها حق لكنه ليس بواجب بل في مشية الله تعالى- روى طاؤس عن ابن عباس قال فيغفر لمن يشاء الذنب العظيم يعنى سواء تاب عنه المذنب او لم يتب ويعذب من يشاء على الذنب الصغير لا يسئل عما يفعل- وأنكر المعتزلة والروافض وغيرهم الحساب

صفحة رقم 438

وقالت المعتزلة وغيرهم بوجوب العذاب على العصاة وهذه الاية وغيرها من الآيات والأحاديث حجة لنا عن عائشة ان النبي ﷺ قال ليس أحد يحاسب يوم القيامة الا هلك قلت او ليس يقول الله تعالى فسوف يحاسب حسابا يسيرا فقال انما ذلك العرض ولكن من نوقش في الحساب يهلك متفق عليه وعن ابن عمر قال قال رسول الله ﷺ ان الله يدنى المؤمن فيضع عليه كتفه ويستر فيقول أتعرف ذنب كذا أتعرف ذنب كذا فيقول نعم اى رب حتى قرره بذنوبه وراى في نفسه انه قد هلك قال سترتها عليك في الدنيا وانا اغفرها لك اليوم فيعطى كتاب حسناته فاما الكفار والمنافقون فينادى بهم على رؤس الخلائق هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ- متفق عليه- وعن عائشة قالت جاء رجل فقعد بين يدى رسول الله ﷺ فقال يا رسول الله ان لى مملوكين يكذبوننى ويخونوننى ويعصوننى واشتمهم واضربهم فكيف انا منهم فقال رسول الله ﷺ إذا كان يوم القيامة يحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك وعقابك إياهم فان كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم كان كفافا لا لك ولا عليك وان كان عقابك إياهم دون ذنبهم كان فضلا لك وان كان عقابك إياهم فوق ذنوبهم اقتص لهم منك الفضل الحديث- رواه الترمذي وفي كلى بابى الحساب والمغفرة أحاديث كثيرة لا تحصى (فصل) ومن الناس من يدخلون الجنة بغير حساب عن ابى امامة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول وعدنى ربى ان يدخل الجنة من أمتي سبعين الفا لا حساب عليهم ولا عذاب مع كل الف سبعون الفا وثلاث حثيات «١» من حثيات ربى- رواه احمد والترمذي وابن ماجة- وعن اسماء بنت يزيد عن رسول الله ﷺ قال يحشر الناس في صعيد واحد يوم القيامة فينادى مناد فيقول اين الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع فيقومون وهم قليل فيدخلون الجنة بغير حساب ثم يؤمر سائر الناس الى الحساب- رواه البيهقي- وعن ابن عباس قال قال رسول الله ﷺ يدخل الجنة من أمتي سبعون الفا بغير حساب هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكّلون- متفق عليه وعنه كذلك في حديث طويل قلت والذي يظهر من سياق الكتاب والسنة ان هؤلاء الذين لا يحاسبون هم الصوفية العلية المتعشقة فان الله سبحانه علق الحساب برذائل النفس حيث قال وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ- وذكر ابدائها واخفائها للتسوية كما في قوله تعالى اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ- وانما علقه برذائل النفس دون اعمال الجوارح مع ان الحساب ليس مختصا بها لانها أشد واغلظ من اعمال الجوارح ولانه منشأ للمعاصى القالبية غالبا وبعد تزكية النفس

(١) حثية واحدة اى غرفة بيديه وحثيات جمع كناية عن المبالغة في الكثرة والا فلا حثية ثم- نهاية- وحتى خاك انداختن بر شىء- صراح منه رح

صفحة رقم 439

وتصفية القلب لا يصدر المعاصي الا نادرا- كما يدل عليه قوله عليه الصلاة والسلام إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله- ولإن صدرت المعاصي نادرا فالنفس المطمئنة بالخيرات والقلب المصفى عن الزيغ والكدورات يندم فورا ويتوب الى الله متابا بحيث يجعل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما- عن ابن مسعود مرفوعا- التائب من الذنب كمن لا ذنب له- رواه ابن ماجة والبيهقي وعنه في شرح السنة موقوفا الندم توبة- وهؤلاء القوم هم المسميون بفقراء المؤمنين في قوله ﷺ انا أول من يحرك حلق الجنة فيفتح الله لى فيدخلنى ومعى فقراء المؤمنين ولا فخر- وقد مر في تفسير قوله تعالى وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ اعلم ان الفقير من لا شىء له وهؤلاء القوم لا شىء لهم من الوجود وتوابعه- اما الرذائل وصفات النفس الا مادة بالسوء فقد انسلبت منهم بأسرها- واما الوجود وصفات الكمال فوجدوها مستعارة مستودعة من الله ذى الجلال والإكرام فلما أدوا الامانة الى أهلها ونسبوها اليه تعالى لم يبق منهم اسم ولا رسم ولذلك لا ترى منهم عجبا ولا كبرياء ولا شيئا من مقتضيات الالوهية الباطلة نعوذ بالله منها- وكلمة مع فى قوله ﷺ سبعون الفا مع كل الف سبعون الفا- تدل على ان سبعين الفا تابع لكل الف فلعل المراد به (والله اعلم بمراده) انهم سبعون الفا من المكملين مع كل الف منهم سبعون الفا من الكاملين من العلماء الراسخين والصديقين والأولياء الصالحين- وقوله ﷺ وثلاث حثيات من حثيات ربى الظاهر انه ليس المراد به كثرتهم لانه لو أريد الكثرة فحثية واحدة من حثيانه تعالى يتسعه الأولون والآخرون فانّ الأرض جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ- بل المراد به التنويع- فلعل المراد بالحثيات الثلاث الذين بذلوا أنفسهم في سبيل الله وهم الشهداء- والذين بذلوا عمرهم في طاعة الله (ما عدا المذكورين السابقين) من العلماء المريدين المتشبثين بالأولياء- والذين بذلوا أموالهم ابتغاء مرضات الله هؤلاء هم الذين أحبوهم وسلكوا سبيلهم وان لم يبلغوا درجة الأولين- وقوله عليه الصلاة والسلام وعلى ربهم يتوكلون صفتهم من حيث الباطن وتتجافى جنوبهم سيماهم من حيث الظاهر- جعلنى الله سبحانه منهم بفضله ومنّه- روى البخاري ومسلم واحمد وغيرهم عن ابى هريرة وروى مسلم وغيره فحوه عن ابن عباس انه لمّا نزلت وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ الاية- اشتد ذلك على اصحاب رسول الله ﷺ فاتوا رسول الله ﷺ فجثوا على الركب وقالوا- يا رسول الله كلفنا من الأعمال

صفحة رقم 440
التفسير المظهري
عرض الكتاب
المؤلف
القاضي مولوي محمد ثناء الله الهندي الفاني فتي النقشبندى الحنفي العثماني المظهري
تحقيق
غلام نبي تونسي
الناشر
مكتبة الرشدية - الباكستان
سنة النشر
1412
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية